مجلة البعث الأسبوعية

استعراض القوة الأمريكية في غزة سياسة” تخويف” فاشلة  

البعث الأسبوعية – هيفاء علي

أبرز المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عقب زيارته لفلسطين المحتلة ثلاثة أمور:

  • أولاً، سيُنظر إلى إدارة بايدن على أنها تدعم الكيان الإسرائيلي المحتل بشكل كامل في تلبية احتياجاته الأمنية، لكن واشنطن لن تشارك في العمليات المستقبلية في غزة باستثناء تنظيم طرق الخروج إلى جنوب غزة للمدنيين الفارين من منطقة الصراع.
  • ثانياً، الأولوية القصوى لواشنطن حالياً هي التفاوض بشأن قضية الرهائن مع الدول الإقليمية التي تمارس نفوذاً على المقاومة، حيث لا يزال أربعة عشر أمريكياً في عداد المفقودين، وقد أكد البيت الأبيض أن عدد القتلى جراء القتال يبلغ الآن 27 أمريكياً على الأقل.
  • ثالثاً، ستقوم الولايات المتحدة بالتنسيق مع دول المنطقة لمنع أي تصعيد للوضع وأي توسيع للصراع، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تستطيع ولن توقف القادة الإسرائيليين عن مسارهم فيما يتعلق بعملية غزة الوشيكة، إلا أنها غير مقتنعة بمثل هذا القرار.

وعليه، لم يلتزم بلينكن بالتدخل العسكري الأمريكي المباشر، والفرص ضئيلة في ظل الظروف الراهنة. بمعنى آخر، على الرغم من العرض الهائل للقوة قبالة “إسرائيل” من خلال نشر حاملتي طائرات ومدمرات وأصول بحرية أخرى بالإضافة إلى طائرات مقاتلة، فإن إدارة بايدن تشعر بعدم الارتياح الشديد إزاء خطر تصاعد الصراع إلى حرب كبيرة. حتى عندما توجه بلينكن إلى تل أبيب، قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، مايكل ماكول، للصحفيين في واشنطن بعد اجتماع مغلق بشأن المعلومات الاستخباراتية: “نعلم أن مصر حذرت الإسرائيليين قبل ثلاثة أيام من احتمال وقوع حدث من هذا النوع، لا أريد الخوض في التفاصيل، ولكن تم تقديم تحذير”.

حقيقة، وبحسب المراقبين، من شأن هذا الكشف أن يحرج سلطات الكيان المحتل، حيث كان الهجوم المفاجئ بمثابة فشل ذريع لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. وقد اعترف بذلك رئيس هيئة الأركان العامة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، بالقول أن جيش الاحتلال الإسرائيلي “مسؤول عن أمن أمتنا ومواطنيها، وقد فشلنا في القيام بذلك، وسيكون لهذا الفشل تأثيره على عملية صنع القرار في تل أبيب” حسب تعبيره، وهدد بسحق المقاومة وسكان غزة متوعداً بأن غزة لن تعود كما كانت بعد ذلك.

وبحسب المراقبين، فإن هدف الكيان المحتل سيكون استخدام القوة الساحقة بأسلحته الفتاكة، بما في ذلك القنابل القوية الخارقة للتحصينات لإلحاق خسائر كبيرة بتشكيلات المقاومة بحيث لن تكون قادرة بعد الآن على القيام بأي عمل آخر. ومن المتوقع القيام بعملية برية في أي لحظة، ومن غير المرجح أن يحاول بلينكن حتى ثني رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن تنفيذ عملية وحشية، وفي غضون ذلك، لن يهدف الانتشار الأمريكي إلى تعزيز المراقبة واعتراض الاتصالات ومنع المقاومة من الحصول على المزيد من الأسلحة فحسب، بل سيلعب أيضاً دوراً رادعاً. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تراقب بشكل سلبي، وليس أمام واشنطن خيار سوى الحد من القتال المخطط له في الأيام والأسابيع المقبلة في غزة، لضمان عدم انتشاره إلى مناطق أخرى.

وبالتالي، فإن استعراض القوة الأمريكية يخدم على وجه التحديد في” تخويف” المقاومة اللبنانية التي تمتلك ترسانة ضخمة تتألف من 150 ألف صاروخ يمكن إطلاقها على المدن الكبرى في “إسرائيل”، وهو ما قد يؤدي إلى حرب أوسع نطاقاً، ليس فقط في غزة، بل أيضاً في لبنان، مما قد يجر أطرافاً أخرى إلى حرب أوسع نطاقاً. وفي هذا السياق، أقدم الكيان المحتل على قصف مطاري دمشق وحلب بضربات صاروخية متزامنة بزعم منع وصول التعزيزات إلى لبنان.

حقيقة، وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، تعلمت الولايات المتحدة وإيران التواصل مع بعضهما البعض في اللحظات الخطيرة، لوضع القواعد الأساسية لتجنب المواجهة، ويحدث ذلك هذه المرة مرة أخرى. فمن المؤكد أن خطاب المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي حول وضع الصراع، والذي ترجمه الإيرانيون إلى العبرية ونشره في خطوة غير مسبوقة، قد نقل رسالة خفية من ثلاثة أجزاء إلى الكيان المحتل والولايات المتحدة، تشير بشكل أساسي إلى أن طهران ليس لديها أي رغبة ولا نية في التورط في الصراع الراهن. من جانبها، قالت الولايات المتحدة إن لديها معلومات استخباراتية تظهر أن كبار قادة إيران فوجئوا بهجمات المقاومة على “إسرائيل”. وبالمثل، ركزت المحادثة الهاتفية التي أجراها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان -وهي أول محادثة بينهما بمبادرة من طهران -على الجهود المبذولة لإنهاء التصعيد.

ومع ذلك، فإن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه، هو إلى أي مدى ستكون إدارة بايدن واثقة من نجاح التوغل العسكري الإسرائيلي المحتمل في غزة؟ في المؤتمر الصحفي الذي عقد في تل أبيب، أكد بلينكن على أهمية الاستفادة من “الدروس” التي تم تعلمها من تجارب الماضي. بمعنى أن الكيان المحتل سيتورط في حرب مدن في منطقة ذات كثافة سكانية عالية تبلغ 2.1 مليون نسمة. بينما يبلغ متوسط ​​عدد سكان غزة 5500 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد، ومن المؤكد أن الأسلحة الأميركية المتقدمة التي يمتلكها الكيان سوف تتسبب في سقوط عدد كبير من الضحايا بين المدنيين، الأمر الذي سيثير غضباً دولياً، ويؤدي إلى إدانة الكيان المحتل ليس فقط من قبل أوروبا، وإنما أيضاً من قبل الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن الكيان المحتل يحتاج إلى إستراتيجية خروج. وهنا يأتي دور قاعدة “بوتري بارن” لـ كولن باول: “إذا كسرتها، فإنك تدفع ثمنها”. إن احتلال غزة لفترة طويلة سوف يكون خطيراً للغاية وينطوي على مخاطر كبيرة، وذلك نظراً لترسخ جذور المقاومة الاقتصادية والدينية والاجتماعية العميقة. ومن الواضح أن جيش الاحتلال الإسرائيلي سيواجه صعوبة في إظهار “النجاح” وإيجاد مخرج. علاوة على ذلك، إذا اتخذت فصائل فلسطينية أخرى في الضفة الغربية قرارات لصالح أهداف حماس الإستراتيجية، فإن كل الرهانات ستنتهي، حيث ستواجه المؤسسة العسكرية الإسرائيلية حرباً على جبهتين. وبالتالي ستكون الظروف مناسبة لاندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية.

وعليه، من الواضح أن الحل الأفضل يكمن في التحول النموذجي في إدارة السلطات الإسرائيلية، التي يجب أن تبتعد عن الإكراه والقوة الوحشية. في هذا المنحى تشير تصريحات بلينكن إلى أن الولايات المتحدة تأمل أنه بمجرد انقشاع الغبار، بمساعدة الدول العربية الصديقة، سيكون من الممكن تهدئة الوضع وتحقيق وقف لإطلاق النار، وبطبيعة الحال، كلما استغرق الأمر وقتاً أطول، كلما توترت العلاقات بين الولايات المتحدة والكيان المحتل، وكلما أصبح من الصعب على إدارة بايدن الحفاظ على التوازن في العلاقة المضطربة بالفعل مع نتنياهو. لذلك، يتعين على الكيان المحتل أن يتقبل الواقع الجديد المتمثل في أنه لم يعد قوة لا تقهر، وليس هو القوة المهيمنة في منطقة غرب آسيا، كما يزعم.