قلعة حلب وأبوابها وأسوارها وجوامعها
فيصل خرتش
تحتل حلب ” بيروة ” عند الإغريق المرتبة الثالثة من حيث الأهمية بعد إسطنبول والقاهرة، من حيث نقاء هوائها ومتانة مبانيها الخاصة وجمالها، بالإضافة إلى جمال شوارعها ونظافتها، وهي تقع على خط عرض 36 درجة و11 دقيقة و25 ثانية شمال خط الاستواء ، وعلى خط طول 37 درجة و9 دقائق شرق غرينتش وتحيط بها دائرة من التلال، وهي صخرية، تتناثر في أرجائها ينابيع قليلة، وينساب نهر ” قويق ” في تير متدفق هادئ باتجاه الغرب.
إنّ بداية ظهور مدينة حلب وتشكّلها كان من القلعة، وكانت عبارة عن تل كبير يقع في موقع القلعة الحالي، حيث توسّع وكبر مع الزمن وتحوّل إلى قلعة كبيرة … والقلعة كانت محاطة بخندق عميق يملأ بالماء للدفاع عنها. وقد خربت القلعة مرات عديدة ثم أعيد ترميمها أو بناءها .
ولسور المدينة شكل مربّع وتقع القلعة في النصف الشرقي للمربّع، وكانت المدينة تعيش خلف هذا السور المحصن ولا تزال أحياؤها تحافظ على شكلها القديم، وهذه الأحياء عبارة عن أزقة ضيفة وبيوت قليلة النوافذ من الخارج ولكنّها من الداخل قصور واسعة وباحات كبيرة تحتوي على حدائق وأحواض ماء .
يتألف باب أنطاكية من بابين، ويمتد السور شمالاً، ونجد برجاً بنقش أسدين متقابلين وثمة كتابة تقول إنّ الذي قام بأعمال الترميم السلطان نور الدين الزنكي، والباب مفتوح على الجهة الغربية للمدينة، باتجاه الطريق التي تؤدي إلى منطقة أنطاكية، ومن هنا جاءته التسمية .
ويتجه السور شمالاً ليصل إلى باب الجنان ، وهناك أبراج عديدة لا تزال تحافظ على أقسامها الداخلية ، ويعود السور إلى زمن الظاهر غازي ، ونجد قربه آثار جامع شيّد على الجبهة الداخلية.
باب النصر، وكان يسمّى ” باب اليهود ” لأنه كان يفتح باتجاه الحي الذي يسكن فيه اليهود ومقبرتهم، وقد سمّاه السلطان الظاهر غازي، ويعود ذلك القسم من السور إلى الحقبة الأيوبية، وتشهد الزاوية الجميلة للبرج أن السلطان غازي هو الذي قام بإعادة إنشائه كما تؤكد بعض الكتابات غير الكاملة .
يقع باب ” قنسرين ” على الجهة الجنوبية من المدينة، وهو أحد أهم أبواب حلب ، ويعود بناؤه إلى قرن قبل ظهور الإسلام ، ويبدو أنّ السور قد دفع إلى الأمام من الجهة الغربية في القرن الثالث عشر ميلادي عند إعادة بناء هذا الباب.
” باب المقام ” ويسمّى ” باب دمشق ” أيضاً، وبسبب وجود هذا الباب على طريق مزار النبي إبراهيم في قلعة حلب فقد دُعي بباب المقام ، وقد باشر الملك الظاهر بتشييده وأكمل بناؤه ابنه الملك العزيز .
” الباب الصغير ” أو ” باب الطرق ” ويتجه نحو خندق القلعة حيث يقف برج على منحدر القلعة أقامه ” حكم ” وهذا الأخير يحدّد لنا تواصل سور القلعة بالخندق .
عند السور من ” باب المقام ” إلى ” باب الحديد ” أرض مبسطة غير مرتفعة كثيراً ، ومن باب الحديد إلى باب النصر، يرتفع السور عالياً، ويتسع الخندق، ومن باب النصر وحتى أوّل الأبواب الغربية، يرتفع السور ارتفاعاً كبيراً، ويمرّ الطريق الرئيسي تحت السور، ويأتي أوّل باب إلى جانب ” باب الفرج ” ، أمّا الباب الثاني فيطلق عليه السكان ” باب الجنين “، أمّا الأخير فيسمّى ” باب أنطاكية ” .
توجد جوامع كثيرة في حلب، يعتبر سبعة أو ثمانية منها جوامع هامة، وفيها جميعها باحة مستطيلة الشكل تحيطها في الوسط قبة كبيرة ، يُعلق في أعلاها هلال مذهب ويوجد في المقدمة رواق جميل ذو أعمدة تغطيه قباب عديدة صغيرة ، ويرتفع درجة واحدة عن الباحة، حيث يصلي الناس، وخاصة في الفصول الحارّة، وتُعلق عدّة مصابيح بين الأعمدة على قضبان حديدية متعامدة تضاء في ليالي الخميس وجميع أيام الأعياد ، والدخول إلى الجامع يكون عبر باب كبير ، وتكس قبابه بالرصاص ، وتنتصب المآذن على الطرف الملاصق للجزء الرئيسي من الجامع ، ومعظمها مستديرة رفيعة .
توجد أمام الجامع باحة مرصوفة واسعة ومستديرة، وتوجد في الوسط بركة مغطاة على جوانبها صنابير مياه للوضوء، وخلف الجامع، وعلى جوانبه، توجد بقعة صغيرة مزروعة بأشجار الغار والسرو والحور، ويدفن فيها الأشخاص الذين ساهموا في بناء الجامع . ومن ذلك أيضاً الجامع الأموي، وكان حديقة ومقبرة ملكاً للكنيسة اليونانية، وينسب بناؤها إلى الإمبراطورة ” هيلانة “، وعندما فتح العرب المسلمون حلب أجبروا البيزنطيين بناءً على اتفاق خاص بالتنازل عن أرض الجامع لهم ، ويقول ابن الشداد : ” روى لي ابن الخشاب، أنه سمع أبو جعفر الحلبي يقول : بوجود مقبرة للكنيسة بنتها الملكة هيلانة على الجهة الشمالية من الجامع الكبير ” .
ويقول ابن العديم: “: بأن جامع حلب ينافس جامع دمشق بزخارفه وألواح الفسيفساء ، وقد سمعت بأنّ باني الجامع هو سليمان بن عبد الملك ، وقد أمر بتشييده شقيقه الوليد ” .
المراجع :
- تاريخ حلب ، أردافازد سورمايان
- تاريخ حلب ، الكسندر وباتريك سيل
- نهر الذهب ، كامل الغزي