مجلة البعث الأسبوعية

مع دعم نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.. أسئلة تحتاج لإجابات

سمر سامي السمارة

في أعقاب العملية العسكرية واسعة النطاق التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة جنين شمال الضفة الغربية، والتي تعتبر الأعنف منذ ما يقرب من 20 عاماً، وذلك بعد مرور عام من التصعيد المريع للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني وبنيته التحتية، آن الأوان للتساؤل متى ستنتهي هذه الانتهاكات والاعتداءات التي تمارسها حكومة “إسرائيل” اليمينية المتطرفة المدعومة أمريكياً؟.

استمراراً للممارسات الثابتة، طويلة الأمد التي اتبعتها إداراتها المتعددة، تضمنت فاتورة سقف ديون الولايات المتحدة في شهر كانون الأول الماضي قرابة 4 مليارات دولار كأحدث مساعدة عسكرية أمريكية سنوية للكيان الإسرائيلي، في المقابل أعادت 300 مليون دولار للبرامج الإنسانية الفلسطينية التي قطعها الرئيس السابق ترامب.

وبالرغم من ارتفاع الأصوات المطالبة بالتغيير، لكن الأغلبية الساحقة في كلا الحزبين الرئيسيين، ومؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية، والسياسة التحريرية لوسائل الإعلام الأمريكية، تواصل دعمها غير المحدود لـ “إسرائيل”، حيث يتم فرض هذا الدعم من خلال إقصاء، ونبذ السياسيين الذين ينتقدون السياسات الإسرائيلية وانتهاكات حقوق الإنسان، واللوبي الإسرائيلي، وذلك بقيادة لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية التي صعدت بشكل حاد من حملاتها لهزيمة الديمقراطيين الذين خالفوا نهج الإدارات الأمريكية.

 

في  بداية شهر تموز الحالي، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي هجوماً جوياً وبرياً واسع النطاق على مدينة جنين شمال الضفة الغربية، وتسبب في استشهاد 12 فلسطينياً، وإصابة أكثر من 100 آخرين، فضلاً عن الدمار الهائل في مخيم اللاجئين والأحياء المحيطة به.

وقد أفاد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن القصف الصاروخي أدى إلى سقوط المزيد من الضحايا في صفوف المدنيين، وتسببت في تدمير شامل للبنية التحتية، وسط انقطاع التيار الكهربائي بشكل كامل في أحياء المخيم، بالإضافة إلى قطع إمدادات المياه وخدمات الإنترنت، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني وعزل المخيم عن العالم الخارجي، والتهجير القسري لمئات العائلات.

كما قالت منسقة عمليات منظمة أطباء بلا حدود في جنين جوفانا أرسينييفيتش، “دمرت الجرافات العسكرية عدة طرق مؤدية إلى مخيم جنين للاجئين وجردتها من الأرصفة، وجعلت وصول سيارات الإسعاف إلى المرضى شبه مستحيل، وأجبرت القوات الإسرائيلية المسعفين الفلسطينيين أثناء العملية العسكرية على التقدم سيراً على الأقدام في منطقة تشهد إطلاقاً مستمراً للنيران وغارات بطائرات بدون طيار”.

وأضافت، إن القوات الإسرائيلية أطلقت الغاز المسيل للدموع عدة مرات داخل مستشفى خليل سليمان، الأمر الذي جعل غرفة الطوارئ غير قابلة للاستخدام، ولا يمكن علاج الأشخاص الذين يحتاجون إلى العلاج في غرفة الطوارئ، حيث كان يتم علاج الجرحى في القاعة الرئيسية على الأرض.

كيف كان رد الداعم الرئيسي لإسرائيل؟

بطبيعة الحال، كان بيان البيت الأبيض متوقعاً، حيث أكد على دعم أمن “إسرائيل” وحقها في الدفاع عن نفسها، بحسب زعمه. بالإضافة إلى ملحق وزارة الخارجية الذي ألمح بشكل غير مباشر لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، إلى ضرورة اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لمنع الخسائر في أرواح المدنيين، والذي علق عليه مايراف زونسزين كبير المحللين في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية في مجموعة الأزمات الدولية قائلاً: “نظراً لأن عملية مثل عملية جنين لم تلق أية إدانة، فهي تعطي ضوءاً أخضر للحكومة لمواصلة مثل هذه العمليات والانتهاكات”.

من المؤكد، أن قتل المدنيين يعتبر تصرفاً غير مقبول، ولابد من عقاب مرتكبيه وكل من يساعد على ارتكابه بالدعم والتأييد، ومع ذلك، بعد نصف قرن من الانتهاكات أصبح الاحتلال أكثر قمعية، خاصةً مع قيام الحكومة الأكثر عنصرية بتسريع العمليات العسكرية، وفرض المزيد من القيود السياسية والقانونية.

كتبت، ميريام بيرغر، في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست”: “أصبح للمتطرفين اليهود ونشطاء المستوطنين أدوار رئيسية في حكومة نتنياهو التي تشرف على السياسات المتعلقة بالفلسطينيين والضفة الغربية”.

من جانبها، غردت، حنان عشراوي، السياسية الفلسطينية البارزة قائلةً: ” الغارات الأخيرة التي شنها جيش الاحتلال وحدت بين المقاومين الفلسطينيين في الميدان، وضاعفت من الغضب والاستياء والدافع للانتقام بين الأجيال المختلفة من الفلسطينيين. إن تصعيد التكتيكات الإسرائيلية زاد من مخاوف الفلسطينيين بشأن أهداف نتنياهو النهائية، والذي كشف علناً عن نواياه الحقيقية في منع أي شكل من أشكال تقرير المصير أو السيادة الفلسطينية “.

في الحقيقة، هذا هو الواقع بغض النظر عن عدد السياسيين الأمريكيين الذين دفنوا رؤوسهم في الرمال، وبغض النظر عن عدد الأصوات المعارضة التي يسعى اللوبي الإسرائيلي في واشنطن ومجموعاتها مثل لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية إلى تقويض إرادتها السياسية.

وبما أن الانتقادات الأمريكية المتواضعة أثبتت عدم فعاليتها، فكيف يمكن تبرير الدعم المالي والسياسي غير المشكوك فيه لحكومة تواصل توسيع سياسات الفصل العنصري؟. ما هي السياسة التي تعتقد إدارة بايدن ومؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية التي يمكن أن تكون فعالة وإنسانية تجاه الفلسطينيين؟. وكيف ينوون تحقيق ذلك؟.

بدلاً من تجاهل انتهاكات “إسرائيل” لحقوق الإنسان، والاستخدام الروتيني للعقاب الجماعي المحظور بموجب القانون الإنساني الدولي، ألا يتوجب على الولايات المتحدة التوقف عن استخدام حق النقض ضد قرارات الأمم المتحدة التي تنتقد هذه الانتهاكات؟. ما هو الهدف النهائي لحكومة نتنياهو، كما تسأل حنان عشراوي؟ . ما هي الحقوق، إن وجدت، التي يتصورها الائتلاف الحاكم الإسرائيلي لما يقرب من 3 ملايين فلسطيني في السجن الافتراضي للضفة الغربية والقدس الشرقية؟. هل تعتقد المؤسسة الإسرائيلية والإسرائيليين بأن استمرار القمع والقتل للمتظاهرين والمارة سيُسكت المقاومة العنيفة لاحتلال قمعي مكثف؟. ما هي الرسالة التي يرسلها النهج الحالي إلى الفلسطينيين المقيمين داخل حدود ما قبل عام 1967 حول حقوقهم ومستقبلهم في “دولة” قمعية ذات طابع عسكري وديني بشكل متزايد؟. هل حان اليوم للولايات المتحدة للتوقف عن الغمز والإشارة إلى تدهور السياسات الإسرائيلية، وذلك بإيقاف تقديم المساعدات العسكرية، والتوقف عن توجيه اللوم إلى النشاط الشعبي لاقتراح المقاطعة وسحب الاستثمارات المشابهة لنفس التكتيكات التي ساهمت في إنهاء الفصل العنصري في جنوب إفريقيا؟.