كالغناء أو أكثر قليلاً.. مجموعة نصوص شعرية للشاعرة رفاه حبيب
هويدا محمد مصطفى
العنوان يكاد يحتوي المجموعة دلالياً وصياغياً، إذ تنتمي النصوص الشعرية على الداخل النفسي المتغيّر من الفرح إلى الحزن إلى آخر هذه الانفعالات والخصوصية التي تربط الخارج بالداخل، فالغناء أفق شعري بابتكاراته التصويرية، هذا ما نجده في عناوين النصوص التي تنوّعت بمواضيعها الوجدانية والغزلية والوطنية، ففي قصيدة بعنوان (بيني وبينك) تقول الشاعرة:
بيني وبينك آلاف الخطايا/ أكوام من الخيبات وجبال من الجليد/ أعوام من الحماقات وسواق من الوجع/ بيني وبينك/ صحراء جفت فيها لحظات الفرح/ غادرتها طيور القطا/ صمت لا يشوهه ضجيج نبض.
نجد أن الشاعرة بمهارة عرفت كيف تمرّر شعاراتها بين خيوط النسيج الشعري وبين متعة التوظيف الذكي والسرد المدهش، وفق إيقاعات اللحظة المضطربة في الزمان والمكان، فرسمت الشاعرة مشاعرها بألوان الفجر وبوارق الحب رغم انفلاق الأفق في أقسى الأزمنة، فدروب الحب مبطنة بالوجع. والشاعرة اعتمدت اللغة الإيحائية الشعرية فمزجت بين الواقع والخيال، وقد انتهجت فيضاً من الأسلوب الفريد لتحريك ألفاظ النص لتتراقص موسيقاه بعيداً عن الرتابة والتكلف.
وفي قصيدة بعنوان (غروب) تقول الشاعرة: من خاصرة الغروب/ خرج الشفق حاملاً صورتك/ وبعض ذكرياتنا الصيفية/ وحمل وجعاً لا يشبه أوجاع العالم/ كغياب قسري/ لوح لي بيديه العاريتين/ تماماً كغاردينيا بيضاء أو كوداع.
النص هنا جاء على شكل لوحات سردية متحركة ترسم فوق السطور بريشة شاعرة نثرت الأسئلة إلى درجة لافتة من الذكاء العاطفي والشاعرية الفلسفية، هكذا صناعة الجمال المبتكر يكتسح ما قبله مهما كان نوعه فيلقي بجديد ما ابتكر على منصة الخلق الفني المميز، والشاعرة قدمت صوراً شعرية هادئة ثرية الدلالة برؤية فلسفية وتأملات جمالية ترسم ملامح المشهد بأسلوب ولغة جديدة ورؤية إبداعية عميقة وواضحة.
وفي قصيدة بعنوان (وجع) تقول الشاعرة: على خد البوح يرسم الوجع رائحته/ يطبع قبلته على عنق أحلامي/ يغرز خنجره المسموم في طراوة روحي/ يسيل المرار في جروف قلبي الموحشة/ ويتغلغل الأنين في زوايا النبض/ فوضى هي حواسي.
النص يحمل خصوصية الأداء الفني المتمّيز وضروراته المقنعة للقارئ ليس كفكرة فقط، وإنما كون من الدلالة في تشكيلها الشعري إلى وعي المتلقي كي تحدث أثراً مهماً وتضيف أبعاداً أعمق تنفجر فيها طاقة اللغة والحكمة، نص له من تداعيات الروح وتداعيات الألم الكثير وقد بانت هناك غربة تركت لنا الشاعرة البحث في عمق المعنى والصور.
وفي قصيدة بعنوان (وطني) تقول الشاعرة: في ذاكرتي أنت/ كبير لحدّ الشوق/ حزين كقلبي/ موجوع كغصة هاربة/ من حنايا الروح/ في الذاكرة أنت/ المساء فراشك/ وأصابعي تهدهد خوفك/ كي ينام.
هنا نجد الشاعرة منفعلة مع حروفها، فالوطن بأوجاعه شبهته بقلبها الحزين، فجاء النص بلغة مثقلة قوية وألفاظ جزلة جسدت الواقع من خلال النصوص الشعرية الموجودة في المجموعة، وقد تناولت في مجموعتها الشعرية (كالغناء أو أكثر قليلاً) بعض النصوص المحكية الوجدانية.
وفي الختام أقول هناك حالة مندهشة وفيض من مشاعر مختلفة ناتجة عن هذا التنوع الصوتي والغنائي لتتوالى صور عاصفة تطاول المستحيل، ونجد الموسيقا المستمدة من وقع كلمات ذات جرس واحد هي ليست محض حيل فنية، بل هي تؤكد محاولة تقريب الشكل من المضمون، وتعطي القصيدة خصوصيتها التي تشبه العزف على وتري الحضور والغياب.
المجموعة صادرة عن دار بعل للطباعة والنشر وتقع عدد صفحات المجموعة حوالي (١٠٣) صفحات من الحجم المتوسط.