الحرب على غزة… اختبار لدبلوماسية اليابان النفطية
عائدة أسعد
يجد المسؤولون اليابانيون أنفسهم يناقشون خوفاً دائماً: ماذا تعني الحرب الدائرة في فلسطين بالنسبة لشريان الحياة النفطي لليابان الدولة الفقيرة بالموارد القادمة من الشرق الأوسط؟
وللإجابة على هذا السؤال، قالت ثلاثة مصادر حكومية مطلعة إن المخاوف بشأن أمن الطاقة، فضلاً عن المصالح الدبلوماسية المتنوعة لليابان في المنطقة، تفسر سبب اعتماد طوكيو في البداية لهجة أكثر حيادية بشأن الأزمة مقارنة بالدول الصناعية الأخرى في مجموعة السبع.
وحسبما قال مسؤولون ومحللون في حين تبنت اليابان منذ ذلك الحين خطاباً أكثر جرأة، فإن ترددها قد يعقد أيضاً كيفية توسطها في موقف موحد مع نظرائها في مجموعة السبع، وفي الوقت الذي تستعد فيه لاستضافة اجتماع لوزراء خارجية المجموعة في طوكيو الشهر المقبل من المتوقع أن يهيمن الصراع المتصاعد.
وقالت وزيرة الخارجية الياباني يوكو كاميكاوا في مؤتمر صحفي إن الوضع على الأرض يتغير دقيقة بدقيقة، واليابان تعبر عن موقفها رداً على الوضع الأخير في كل مرة، وقد كان رد فعل طوكيو أكثر تحفظاً من نظيراتها.
وأضافت عندما سئلت عن اعتماد اليابان النفطي على الشرق الأوسط الذي يزود أكثر من 90 % من احتياجاتها: “إن السلام والاستقرار في المنطقة مهمان للغاية لأمن الطاقة في اليابان ومن وجهة النظر هذه، تراقب اليابان الوضع عن كثب بقلق بالغ”.
وفي حين أن الصراع لم يكن له تأثير يذكر على إمدادات النفط والغاز العالمية حتى الآن، فإن المستثمرين ومراقبي السوق يقيّمون كيف يمكن أن يتصاعد وما قد يعنيه بالنسبة للإمدادات من الدول المجاورة في أكبر مصدر للنفط في العالم..
لقد أصدرت اليابان بيانات تدين الهجمات وتقول أنها تشعر بالقلق إزاء الهجمات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة، ولم تشر إلى حق “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها – وهي اللغة التي استخدمها نظراؤها في مجموعة السبع – حتى 11تشرين الأول.
ولم يكن رئيس الوزراء فوميو كيشيدا أيضاً من بين زعماء مجموعة السبع الذين وقعوا بياناً بشأن الأزمة في 9 تشرين الأول مما أثار تساؤلات حول وحدة رد المجموعة، حين أصدر وزراء مالية مجموعة السبع، الذين كانوا مجتمعين في المغرب مع تصاعد الأحداث، بياناً موجزاً بشأن الهجمات التي وقعت في 12 تشرين الأول.
وقال مسؤول حكومي شارك في التفاوض على هذا البيان دون الكشف عن هويته: إن اليابان كانت حريصة على الابتعاد عن أي لغة يمكن اعتبارها استفزازية وأضاف إيسامو ناكاشيما، الباحث المشارك في معهد الشرق الأوسط الياباني، أن اليابان تقف بخطوة خلف الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية.
وأما اليابان فقد حاولت على مدى عقود من الزمن توجيه مسار محايد في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال الدعوة إلى تسوية عن طريق التفاوض، على الرغم من أنها انتقدت “إسرائيل” لسماحها ببناء مستوطنات خارج حدود البلاد عام 1967.
وبالنسبة لطوكيو، كان هذا النهج مدفوعاً بذكريات مؤلمة لأزمة النفط عام 1973، عندما أصدر منتجو الشرق الأوسط حظراً استهدف دولاً، بما في ذلك اليابان، التي دعمت “إسرائيل” خلال حربها مع الدول العربية.
وقد حاولت اليابان الفقيرة في مجال الطاقة، على عكس الولايات المتحدة، منذ ذلك الحين إقامة علاقات ودية مع كل من المملكة السعودية وإيران، المنتجين الرئيسيين للنفط.
وقال ديفيد بولينغ، المدير في شركة أوراسيا غروب الاستشارية: “إن الخط الرئيسي لسياسة اليابان في الشرق الأوسط هو الحفاظ على تدفق واردات الطاقة من المنطقة وسوف تشعر طوكيو بالقلق بشأن كيفية الرد على هذه الأزمة، خوفاً من تعريض شريان الحياة للخطر بطريقة أو بأخرى”.
كما قال مسؤول أمريكي شريطة عدم الكشف عن هويته: هناك بعض الفجوة بين موقف طوكيو وواشنطن بشأن الأزمة، واليابان تسير على خط رفيع في الرد على الأحداث مع الحفاظ على مصالحها في المنطقة.
وقال شوجي هوساكا، عضو مجلس إدارة معهد اقتصاديات الطاقة الياباني: إنه في حين أن الولايات المتحدة هي أقرب حليف لليابان، عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، لكن طوكيو ستكون حذرة للغاية من أن يُنظر إليها على أنها وكيل لها وفي نظر الناس العاديين في الدول العربية، ربما تتبع اليابان خطى الولايات المتحدة، وقد يؤدي ذلك إلى بعض العواقب بالنسبة لليابان.