الصفحة الاخيرةحديث الصباحصحيفة البعث

الاختلاف بين “على” و”في”

عبد الكريم النّاعم

ثمّة فرْق، لا بدّ من تبيينه، بين اختلف “على” واختلف “في”، وليس ثمّة ما هو أفصح من القرآن الكريم، فقد جاء فيه: “وإنَّ الذين اختلفوا في الكتاب لَفي شِقاقٍ بعيد” (البقرة 176)، كما جاء في السورة نفسها (الآية 213): “وما اختلفَ فيهِ إلاّ الذين أوتوهُ منْ بعدِ ما جاءتهمُ البيّناتُ بغْياً بينهم”، وجاء في سورة الشورى (الآية 10): “َوَما اخْتلفْتُم فيهِ منْ شيءٍ فَحُكْمُه إلى الله”.

حين تُوفّي الرسول (صلوات الله عليه وآله)، قال أحد الشامتين سرّاً لأحد الصحابة: “ما إنْ مات نبيّكم حتى اختلفتم فيه”، فأجابه لقد اختلفْنا “عليه”، ولم نختلف “فيه”، ومعلوم أنّ المسلمين آنذاك كانوا ثلاث فِرق: جماعة الأنصار، وجماعة من المهاجرين، وبنو هاشم، فحدَث ما حدث في سقيفة بني ساعدة، والهاشميّون مشغولون بتجهيز ما يلزم لدفن جثمان محمّد (ص).

هذا الاختلاف “على” تحوّل فيما بعد، إلى اختلاف “في” لدى المتشنّجين، المتشدّدين من قِبل معظم المذاهب الإسلامية، واستمرّ ذلك عبر آلاف الكتب التي كُتبت فيما بعد، من مختلَف الأطراف لدعم رأي يراه الصواب، وما سواه خطأ محض!!.

لقد تنبّه بعض المفكّرين المعاصرين من العرب إلى هذه النّاحية، وأشاروا إلى أنّنا، إن لم نتّفق على تسوية ذلك الاختلاف، فلسوف نظلّ محكومين بما ورد من نصوص تجاوزها الزمن فسبقها بأكثر من ألف سنة إلى الأمام، بمعنى أنّها ستكون متخلّفة عن الركْب بما يعادل ألفي سنة!! لأنّنا نكون أمّة يحكمها الأموات، دون تمحيص دقيق لِما قالوه.

ونكتفي بهذا القدْر للدلالة على ما أردناه، لنصل من خلاله إلى الهدف من هذه الكتابة، فليست غايتُنا البحث اللغوي، بل قد نتّخذه سُلّماً للوصول إلى ما نبتغيه.

قد نختلف “على” تفسير الأحداث القريبة العهد، ولا يجوز أن نختلف “فيها”، لأنّنا -شئنا أم أبينا- لا نستطيع القول إنّها لم تكن مدمِّرة.

قد لا نختلف على الدعوة للحريّة كشعار، ولكنْ قد نختلف في كيفيّة تطبيق الديمقراطية، وإرساء قواعد التعدديّة، ليكون ما ندعو إليه قابلاً للتطبيق ومُستوحى ممّا يناسب تحوّلاتنا الاجتماعيّة.

ممّا لا نختلف فيه، الدّعوة لـ”العدالة”، ونعني سيادة القانون فلا يستطيع أحد، أيّاً كان موقعه، أن يخرقه، ولا أن يحوّله، بأيّ مسوِّغ، إلى خادم لمصالحه الشخصيّة، أو الفئويّة، كما يعني ضمناً، وبتأكيد لا يقبل المساومة على العدالة الاجتماعيّة، التي لا تسمح لأحد بالتغوّل، لتنتفخ كروش قليلة، على حساب جوع الأكثريّة، كما تعني تكافؤ الفرص، فلا يكون ابن ذاك مميّزاً عن ابن هذا إلاّ بما لديه من كفاءة.

نحن لا نختلف في أهميّة الطبابة المجانيّة، ومجانيّة التعليم، من المرحلة الابتدائيّة حتى المرحل الجامعيّة، والذي حين طُبّق أتاح فرصة لأبناء الشرائح الاجتماعيّة الفقيرة، أو المُفْقَرَة أن يكون لهم حضورهم الذي يستحقّونه، ولكيلا يصبح التعليم العالي من نصيب مَن كدّسوا من الأموال ما كدّسوا، ضاربين عرض الحائط بكلّ القيم الأخلاقيّة، والمدنيّة، والتي تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان المنصوص عليها، غير ناظرين إلاّ إلى ما يزيد الثراء ثراء، والاستغلال استغلالاً، رافضين معنى جملة “ما مُتَعَ به غنيٌّ إلاّ بما جاع به فقير”.

يبدو أنّ الوجدان النقيّ، واتّقاء المخافة، لا يعرف طريقاً إلى هؤلاء!.

aaalnaem@gmail.com