الاتكاء على الوهم…؟!
بشير فرزان
يشكّل غياب الدعم الزراعي محورا أساسيا في جميع الاجتماعات واللقاءات الرسمية والزراعية التي يحتدم النقاش فيها بين موقفين متناقضين، فهناك تأكيد حكومي دائم على تقديم المليارات ضمن منظومة الدعم الزراعي، وفي المقابل هناك من يشدّد من جهة الفلاحين على عدم وصول هذا الدعم إلى مستحقيه الذين يتلقون ضربات موجعة في كلّ عام، بما يثبت أن آمالهم اتكأت على الكثير من المصفوفات الورقية التي كانت سبباً مباشراً في زيادة خسائرهم وتعميق مشكلاتهم، حيث أمعنت جميع الجهات التي تتنافس خطابياً في طرح الشعارات والأهداف الكبيرة التي لا يُكتب لها التنفيذ، وتبقى مكدسة في ملفات عامرة بالإخفاق، هذا عدا عن التفاوت الكبير في الأرقام التي تقدّم ضمن منظومة الدعم الزراعي، وبين ما يصل إلى أرض الفلاح بشكل فعلي دون أية منغصات وأعباء مالية إضافية، وهذا ما تترجمه خسائر المواسم الزراعية حيث يجد الفلاح أنه قطف السراب!
والغريب أن انشغال الجهات المعنية فيما بينها بمحاولات سحب البساط وتقاذف المسؤوليات، تحت عنوان المصلحة الوطنية واحتضان قضايا الفلاح، زاد من معاناته، فالعراك المستمر أخرج الفلاح من المعادلة الزراعية، حيث تطعن كلّ جهة بعمل المؤسسات الأخرى وتجرّدها من الصوابية، وتنكر أية جهود لا تمر من بوابتها، وهذه الحالة عامة؛ وبدلاً من التعاون والتنسيق نجد التفرد والقطيعة وعدم الانسجام، ما يؤدي إلى إفراغ البيادر من المحاصيل لمصلحة التجار، كما حصل في موسم الثوم الذي باعه الفلاح بقيم منخفضة بينما استحوذ التجار على كامل الفائدة، والدليل أن الثوم يسجل اليوم رقماً قياسياً يصل إلى 30 ألف ليرة للكيلوغرام الواحد بما يطرح عشرات التساؤلات؟!
وبكلّ تأكيد ستتضمن الإجابة عن هذه التساؤلات أيضاً عشرات الأوراق التي ترصد على صفحاتها الكثير من الإنجازات والأرقام والمشاريع والبرامج التنموية التي لو صدقت بنتائجها لكان الفلاح بألف خير، ولا شكّ أن ارتفاع تكاليف المستلزمات الزراعية ونقصها والاعتماد على السوق السوداء لتأمينها يُغرق أية إجابة في التكرار المملّ وغير المجدي.
ومن الواضح أن استمرار حالة الاختباء وراء الظروف لتبرير الانتكاسات الزراعية المتتالية لم يعد مقبولاً، ولا بدّ من عمل جاد يهيئ لمرحلة قادمة تحمل مؤشرات مبشّرة بمواسم عامرة تعود بالفائدة على الفلاح بشكل منصف، وهذا يستدعي تغيير نهج تجيير المشكلات من عام إلى آخر، وإيجاد منظومة دعم حقيقية للفلاح تمنحه فرصة استثمار كل شبر من أرضه، كما يجب الانتباه إلى أهمية تقليل الحلقات الوسيطة لجهة تأمين مستلزمات الإنتاج، وما يجري في مساراتها من فساد واقتناص الكميات والمتاجرة بها من قبل بعض المنضوين في إدارات وهيئات عاملة في المجال الزراعي، وبذلك تتحوّل الأقوال إلى أفعال، فالفلاح يطالب اليوم بحلول جذرية تكون سنداً له في الحفاظ على ما تبقى من أرزاقه التي أفنى حياته في الدفاع عنها، والعمل ليل نهار من أجل الحفاظ عليها، وعلى الجهات المسؤولة القيام بمهامها والوفاء بالتزاماتها ووعودها بتأمين تصريف منتجاته وتسويقها ومراقبة الأسعار، وانتهاج سياسة تساهم في تأمين المستلزمات الزراعية وتسهيل وصولها للفلاح كي تضمن حقوقه وتحافظ على أرضه، وبشكل يمكنه من الصمود ومضاعفة الإنتاج الزراعي، وطبعاً الطرح هنا ليس بقصد الإساءة لأي جهة بل مجرد محاولة لإيقاظ من استسهل الوعود على حساب العمل الفعلي.