السعي المحموم لتثبيت سعر الصرف شلّ الإنتاج.. هل حان وقت إعادة ترتيب الأولويات؟
دمشق – ريم ربيع
رغم كلّ الخطابات والمحاضرات المعنونة بشعار الإنتاج والإعمار وتنشيط الاقتصاد، إلا أن معظم الإجراءات المالية والاقتصادية المتخذة من قبل المصرف المركزي والمؤسسات المالية، والتي بات قطاع الأعمال يصفها بالـ”قسرية”، لا تزال على ما يبدو تتمحور في مضمونها حول تثبيت سعر الصرف كأولوية وهدف أساسي، فقرارات تجميد السيولة، والمنصة، وقيود الاستيراد وشروط التصدير، وتقييد التعامل بالقطع، يدفع ثمنها الإنتاج الوطني الذي يسجل -بشهادة المنتجين- تراجعاً كبيراً قد يُنذر بمستقبلٍ كارثيّ.
ومع أن القيود الخارجية والتدهور الذي أصاب الاقتصاد الوطني، واستهداف أغلب موارد القطع للخزينة كلها تفرض بالضرورة خيارات أحلاها مرّ لضمان الاستمرارية على أقل تقدير، غير أن النتائج المحصودة لم تأتِ بأي تحسّن، لا على الصعيد الحكومي والمؤسسات المالية التي تتزايد تحدياتها، ولا بالنسبة لقطاع الأعمال، ولا حتى بالنسبة للمواطن، وهو أكبر الخاسرين حتى الآن، فالإنتاج تعطل والأسعار تتزايد لحظياً، ونسب التضخم تجاوزت أرقاماً قياسية، والتصدير يحتضر، وحتى الاستيراد بات بالحدود الدنيا.
أما الهدف المتمثل بتثبيت سعر الصرف، فلم يثمر بدوره إلا ضبطاً محدوداً، ولفترات مؤقتة سرعان ما تنتهي بارتفاعٍ متسارع، وهنا يرى خبراء أنه لا يمكن القول إن السعر خرج عن السيطرة كالنموذج اللبناني مثلاً، إذ لا يزال مضبوطاً ضمن إطار معيّن، لكن الآلية المتّبعة لا تشكل قاعدة متينة للاستمرارية مع وقف النشاط الاقتصادي بهذا الشكل، فيما يستغرب عضو غرفة تجارة دمشق فايز قسومة أن يتضاعف سعر الصرف خلال عام واحد فقط، رغم كل الإصرار والإجراءات المتخذة لتثبيته، فمن 6900 ليرة قبل 10 أشهر إلى 11500 في نشرات المركزي اليوم وأكثر منها في السوق السوداء! هذا يعني فشل كل تلك الإجراءات.
واعتبر قسومة أن كلّ ما يصدره المركزي لا علاقة له بتثبيت سعر الصرف، الذي لا يُحدّد إلا بقوة الاقتصاد والإنتاج، بينما ما نحصده اليوم هو تراجع بالإنتاج وتزايد الكلفة، فالمنصة قضت على الصناعة، وأخرجت صغار المستوردين الذين ينشطون السوق عادة من العمل، مما ألغى المنافسة في الأسواق، كما ارتفعت قيمة المواد الأولية 50% فتوقف الإنتاج والتصدير، مستغرباً “القرارات التجريبية” التي تتخذ في بعض الأحيان، فقرار إلغاء المنصة لم يستمر سوى لأسبوع واحد، ولم يصبر المركزي حتى لتجريبه وقراءة نتائجه قبل أن يلغيه!.
وأضاف قسومة أنه لا يمكن تثبيت سعر الصرف أمام أرقام الدعم الهائلة التي تتحدث عنها الحكومة، سواء دعم الخبز أو المحروقات وغيرها، فإن كانت هذه الأرقام حقيقية إذاً نحن نتجه لسعر صرف “مخيف”، مؤكداً أن التركيز يجب أن يكون على حلّ مشكلات الصناعيين وفتح باب الاستيراد لانسياب المواد والمنافسة، فالتضييق على الاستيراد يجعل التاجر يأخذ الحدّ الأعلى من الربح، وإن اضطر كل مستورد للانتظار 4 أشهر وأكثر ليتمّ تحويل قيمة إجازات الاستيراد له، فلا يجب أن يستغرب أحد من ارتفاع الأسعار إذاً.
بدوره الأستاذ في كلية الاقتصاد الدكتور حسن حزوري اعتبر أن المركزي يلجأ لأدوات غير اقتصادية لتثبيت سعر الصرف لذلك فشل في هدفه، وبدل التركيز على الإنتاج والنمو الاقتصادي تمّ الاتجاه للمنصة وتقييد حركة الأموال، ومراسيم منع التعامل بغير الليرة، وكلها تعدّ إجراءات قسرية وليست اقتصادية، مضيفاً أن الحكومة واللجنة الاقتصادية والمصرف المركزي لا يزالون يعتبرون سعر الصرف هدفاً، وهو بالواقع نتيجة للسياسات المعتمدة.
وبيّن حزوري أن الأولوية يجب أن تكون للتركيز على النمو الاقتصادي ومعدلات الإنتاج، وبناءً عليها يستقرّ سعر الصرف، إلى جانب استقطاب الحوالات بسعرها الحقيقي، وإلغاء مراسيم التعامل بغير الليرة، وتخفيض الرسوم غير الشرعية، معتبراً أنه من واجب الحكومة ككل السماح بالمنافسة والاستيراد للجميع، وليس لقلة فقط، فالإجراءات التعجيزية من المنصة قلّصت عدد المستوردين وحدّت من المنافسة، وطالما أن السلع التي يقيّد استيرادها تصل تهريباً، فالموازنة والخزينة خاسرة بكل الأحوال، لذلك من الأجدى السماح باستيراد جميع السلع برسوم جمركية محدّدة لوقف التهريب واستنزاف القطع.
ورأى حزوري أن توحيد سعر الصرف بالنشرات خطوة إيجابية، لكن لا يزال يوجد فارق مع السوداء وعدم استقرار بالسعر، لافتاً إلى أن زيادة التصدير أيضاً ستسهم باستقرار سعر الصرف، لكن الإجراءات المتخذة والتي ترفع تكلفة المنتجات جعلت البضاعة السورية غير منافسة بالخارج، موضحاً أن ما يتمّ اتخاذه من قرارات تعرقل المناخ والبيئة الاستثماري، فلا يجرؤ أحد على المساهمة رغم وجود قانون جيد.