تطاول لن يصل إلى كعب البندقية
علي اليوسف
كلّ الكلام يقف عاجزاً أمام دماء شهداء أطفال ونساء فلسطين، والتي لا تمحوها أي عبارات تجميلية هنا وهناك.. كل الكلام يصبح بلا معنى حين تحرف الحقائق عن مواضعها.. نعم هذا هو الفجور الذي نطق به الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي طار على عجل ليعلن وقوف بلاده إلى جانب كيان الاحتلال الإسرائيلي، بل ويعلن بكل وقاحة أن “إسرائيل” لا تقف خلف قصف المستشفى في غزّة!.
ومهما حملت الزيارة في مضامينها، فهي ليست إلا لتسويق سردية الكيان الصهيوني، ولتزوير الحقائق بشأن الحرب الهمجية على غزة، والتي تجلّت في محاولة التنصّل من مجزرة المعمداني، وبثّ رواية كاذبة ينأى فيها عن مسؤولية الكيان. لكن لم يدرك هذا العجوز أن الزيارة فشلت في رهانه على تقديم نفسه ضامناً لأمن “إسرائيل”، فالمسعى كان يرتكز على قمة عمان التي انهارت قبل أن يغادر بلاده. وحتى إن كانت اختباراً للنفوذ الأمريكي في المنطقة ولاسيما كقوة ردع ضد محور المقاومة، فهي الأخرى فشلت عندما ابتلع لسانه، في طريق عودته، ونفى أي تصريح بدخول بلاده الحرب إذا دخل المحور ضد الكيان الصهيوني.
من الواضح أن البيت الأبيض لم يقرأ المشهد السياسي جيداً، ولم يقرأ أيضاً أن تطوير الصراع وعواقبه ستكون طويلة المدى على كلّ من “إسرائيل” والولايات المتحدة، وبدرجة أقل،على الفلسطينيين ومحور المقاومة، كما أن الأزمة الحالية لن توفر فرصاً سياسية على أصعدة عدة، فحرب غزة تطور بالغ الأهمية، ومن النادر جداً أن يتدخل رئيس أمريكي شخصياً في الأزمات بهذه الصورة، مما يشي بأجندة يبحث عنها بايدن وإدارته في مكان آخر. من هنا لا تعدو الزيارة سوى عرض دراماتيكي تدلّ على مدى ضآلة فهم حكومة الولايات المتحدة للوضع على الأرض، ومدى مساهمتها في تكرار جولات الصراع المتكررة.
كلّ هذا، ومع تراجع شعبية بايدن في مختلف الاستطلاعات، لم تظهره الزيارة رئيساً قوياً، كما لم يجنّبه عمره المرتفع من اتخاذ مواقف وقرارات حاسمة، وخاصةً مع تزايد المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في مدن أمريكية عديدة، والتي دفعت إلى بعض التحول في سرد الإعلام الأمريكي للأحداث، وما تلاه من تبعات واضحة على الرأي العام، فالقلق من الرسالة التي حملتها الرحلة كان سيد الموقف في وسائل الإعلام الأمريكية، بينما يثير القصف الإسرائيلي المتواصل لقطاع غزة غضب الدول العربية على الصعيد الرسمي وفي الشارع.
وهذا القلق ليس مشفوعاً برسالة الرحلة، بل بالحقيقة الواضحة أنه مهما تطاول العدو الصهيوني في قامته لن يصل إلى كعب البندقية، ومها خطّ الحبر المأجور من بلاغة يبقى ركيكاً في حضرة الدم، فهذه المعركة هي الأولى في التاريخ التي تحدث شرخاً في روح هذا الكيان، وتدق مسماراً في نعشه لن ينزع، بل تعيد إلى الأمة العربية روحاً كانت قد فقدتها. الكلّ يعلم أن الحرب موجعة، والتدمير أليم، والتهجير له أثمان، لكن الشعب الفلسطيني ومقاومته متأكدون أنهم ليسوا وحدهم، فالشعوب العربية تغلي بعد أن أحيت عملية “طوفان الأقصى” فيها مشاعر العزة والكرامة.