النظام الامتحاني يهدر مليارات الليرات ويبقي شبح الامتحان وتجار العلم في الواجهة
مع بداية كلّ عام دراسي يبدأ شبح الامتحانات بالتخييم على حياة الأسر ليدخل الطلاب وأهلهم في مرحلتي القلق والأرق، وتبدأ الهواجس والتفكير بكيفية تجاوز الامتحانات، ولاسيما في ظل الأجواء السوداوية التي يصبغها مدرّسو التعليم الخاصة مع المدارس والمعاهد الخاصة (الربحية)، إذ يشتغل التعليم الخاص على تصوير وتهويل الأمر من أجل تخويف الأهالي وإقناعهم بأن قطار نجاح أولادهم لابدّ من أن يمرّ عبر قاعاتهم المخفية في الأقبية كونهم العارفين والعرافين بنوعية وكيفية أسئلة الامتحان!.
ربط الامتحان بالحياة
من هنا يجد تربويون أن نظام امتحانات وزارة التربية المتّبع عبّد الطريق أمام تجار العلم وبعض المستفيدين في مديريات التربية، مستغربين عدم مواكبة تطوير المناهج الحاصل منذ سنوات والوصول لامتحانات تقيس المهارات وتبتعد عن التلقين والحفظ لمجاراة الدول المتقدمة علمياً كون المناهج الحديثة في كل أنحاء العالم تعتمد على ربط الأسئلة بالحياة لا بالامتحانات.
ويرى معنيون في مديريات التربية أن الأمر لم يتوقف عند النظام الامتحاني التقليدي وعدم مواكبة المنهاج، بل هناك تكاليف باهظة تنفقها مديريات التربية على الامتحانات، ولاسيما امتحانات الشهادتين، إذ كشف مصدر مطلع في إحدى مديريات التربية عن تكلفة وصلت إلى 1.5 مليار ليرة كنفقات ومستلزمات امتحانية لدورة واحدة من امتحان الشهادة الثانوية، معتبراً أن هذه المبالغ الكبيرة تشكّل عبئاً على مديرية التربية من كافة النواحي المالية والبشرية، حيث يستنفر آلاف المدرّسين والإداريين والموظفين طيلة فترة الصيف لانتهاء الامتحانات وصدور النتائج والاعتراضات ليبدأ على الفور العام الدراسي مما يتسبّب بإرهاق كبير للكادر التربوي بالكامل.
مئات المستفيدين
ومع الحديث عن النتائج، تشهد الامتحانات زيادة في طلبات الاعتراض على عمليات التصحيح، حيث يتوافد بعد صدور النتائج آلاف الطلاب على دوائر الامتحانات في المحافظات لتقديم طلبات الاعتراض، لأنه مطلب حقّ حسب الأنظمة والقوانين الوزارية، نتيجة احتمال وقوع خطأ مادي في صحة جمع الدرجات التي اكتسبوها.
وفي استبيان لنتائج اعتراضات طلاب الشهادة الثانوية لهذا العام، نجد مئات المستفيدين في كلّ محافظة تقريباً، ولاسيما في المواد العملية، كما حصل في مادة الرياضيات التي تربعت على المرتبة الأولى في عدد المستفيدين من الطلاب.
إرهاق للمصححين
ولم يخفِ مصححون تربويون وجود ضغط في عمليات التصحيح، ولاسيما أن وزارة التربية تسعى لإصدار النتائج بأقرب وقت ممكن، إضافة إلى الدورة الثانية للشهادة الثانوية مما يضع عبئاً على المدرّسين والمصحّحين والكادر التربوي بشكل عام، مشيرين إلى عملية إرهاق كبير للمصحّحين الذين يعملون على مدار الساعة من دون أي توقف لإنجاز النتائج.
سيمفونية التشكيك
ويرى متابعون للشأن التربوي أن ما زاد الطين بلّة ما بدأت به صفحات التواصل الاجتماعي من عزف سيمفونية التشكيك بنزاهة الامتحانات في ظل إشكاليات وارتكابات لتربويين تعرّضوا لقرارات عقوبات وكفّ يد على مستوى المديريات في المحافظات.
ودعا تربويون مختصون إلى ضرورة إعادة النظر بطبيعة وبنية الأسئلة الامتحانية والوصول إلى نظام امتحاني متطور يحقق الغاية المرجوة من التحصيل العلمي للطالب الذي سيدخل حياة جامعية باختصاص يتناسب مع رغباته ومهارته المكتسبة أيام الدراسة، إضافة إلى التخفيف من أعباء وتكاليف العملية الامتحانية.
ويتطلع مختصون إلى أن يفكر المعنيون في وزارة التربية جلياً بدراسة تعديل النظام الامتحاني، ولو على الأقل حالياً بتطبيق الامتحان المؤتمت على كافة الامتحانات، وهذا كفيل بقطع الطريق على كلّ من يصطاد بالماء العكر لخرق واستغلال العملية الامتحانية.
التعديل قيد الدراسة
مدير مركز القياس والتقويم في وزارة التربية الدكتور رمضان درويش أكد سعي وزارة التربية بشكل دائم لتطوير آلية اختبار الطلاب بما يوائم المناهج المطورة، لتقيس المهارات إلى جانب المعارف أيضاً، والتركيز على الفهم والتحليل والاستنتاج وليس فقط التذكر، مشيراً لـ”البعث” إلى قيام المركز بدراسة حول آراء أطراف العملية التعليمية من معلمين وموجّهين ومتعلمين حول تطوير النظام الامتحاني، وكانت الآراء بمعظمها مؤيدة لفكرة إلغاء التقييم على أساس الدرجات في الصفوف من الأول وحتى الرابع، والتقييم على أساس التقديرات، إضافة إلى تدريب نحو١٦٠٠ معلم ومدرّس من المحافظات السورية جميعها حول بناء الاختبارات، وخاصة اختبارات الاختيار من متعدّد “أسئلة مؤتمتة”، لما يحققه هذا النوع من الأسئلة من موضوعية في التصحيح ومنح الدرجات، ولكن ما يزال هذا الموضوع قيد الدراسة بسبب الحاجة لقياس مهارات الطالب بصورة أكثر دقة وشمولية.
علي حسون