الأشلاء تتساءل: ما ذنبنا أيها العالم؟!
غالية خوجة
ما ذنب المرضى والأطفال والنساء والنازحين إلى مشفى المعمداني ومدارس الأونروا لينالهم القصف الاحتلالي، فلا يبقى أثر للمشفى والمرضى والأطباء والناس؟!.
أية جرائم دولية ضد الإنسانية ارتكبها ويرتكبها الكيان الصهيوني؟ وما دور القانون الدولي في المحاسبة؟ والدول العربية؟ ودول العالم؟
الأشلاء السابقة والمعاصرة واللاحقة تتساءل، وأصواتها المقاومة تنزف ضد النيران، وتصدح عبْر كل زمان ومكان: فلسطين عربية والقدس عاصمتها الأبدية.
الأشلاء تُعشب علمَ فلسطين، والعلم لن ينسى دماء الذين استشهدوا وتشظوا، ولن ينسى تلك الأرواح التي صارت أشجاراً وجبالاً وسماء، ليظل مرفوعاً كما الأرض الطاهرة.
الأرواح والكلمات تبكي مما يحدث، والمعاني، والضمائر الحية، وقواميس الكرامة، والقوانين التشريعية الدولية، الأرواح ستبقى تخبر اللغات في كل زمان عن طفل لم يكمل مضْغ لقمته الأولى على سرير المشفى عندما فاجأته المجزرة، وعن أطفال يبحثون عن آبائهم بين الأشلاء، وعن أطباء يقاومون ليساعدوا المرضى رغم انعدام الإمكانيات، وعن أمّ جاءت إلى المشفى فلم ترَ ابنها المريض ولا الطبيب ولا المشفى!
اللحظات المتشظية مع المشهد الذي لا يصدّق تتجمّد رغم انصهارها، تتجمّد في حالة حِداد أبدية، فلا الزمان يستطيع أن يوقظها من غيبوبتها المصدومة، ولا أن يجرفها مع لحظاته الأخرى، الزمان مصاب بهول الفجيعة، لكنه فخور بالمقاومين الفلسطينيين وهم يمسكون بأرضهم التي لن يهجروها رغم التهجير والمجازر والإبادة، فخور بهذه الأرواح المضحية من أجل وطنها، فخور بالإرادة التي تتغلّب على الظلم والظالم والقاتل والمحتل ومن يدعمه، فخور بالمستقبل الذي يراه قريباً لأنه مستقبل انتصار الحق الفلسطيني على الباطل الصهيوني.
الزمان يتساءل مع الأشلاء والأنقاض والدماء والأرواح واللحظات: كيف يحدث هذا في زمن تكنولوجي رأى فيه العالم كلّ هذه المجازر الإبادية والعنصرية؟ أين العالم؟ هل ما زالت هناك إنسانية على الكرة الأرضية؟ كيف يشاهد الناس أشلاء الفلسطينيين فلا يوقفون الظالم المتوحش عن ظلمه المتوحش؟ ولا ينصرون أهل الحق المقاومين بوطنهم الأزلي فلسطين؟ وكيف يسمحون لهذا الاحتلال الغاشم أن يرتكب جرائمه الدموية والعنصرية الفظيعة التي لا يقبلها عقل ولا ضمير فيطلق قذائفه الوحشية وعباراته العنصرية على الفلسطينيين “حيوانات بشرية”؟!!.
الزمن يستغرب مما يحدث، وينشر دهشته في كافة الأرجاء الأرضية والسماوية، فيصل استغرابه للناس في كل مكان، فتهبّ ضمائر الشعوب الحية، وتنادي: الحرية لفلسطين بكل اللغات، وتنادي معهم جميع الكائنات الأخرى والجمادات وهي ترى الرعب وتناله مثلهم، فكم دعت اللهَ حجارةُ مشفى المعمداني أن تكون نيران الصهاينة برداً وسلاماً على الأرواح البريئة الشهيدة، وكم نادى غبار الأدوية المترمّد على المرضى، وكم نادت ذرات حديد الأسرّة على الأمهات المتشظيات اللواتي اختلطت أشلاؤهن بأشلاء أبنائهن وأجنّتهنّ النازفين، وكم نادت النيران التي أحرقت هذه الأجساد البريئة بأنها براءٌ مما يفعله هذا المحتل الجحيمي!.
الأصوات الفلسطينية البريئة المستغيثة من أية مجزرة صهيونية تنبع من كلّ مكان، وستظل تصرخ كاشفة عن أشنع الجرائم التي لا يعقل أن يرتكبها بنو بشر ينتمون لآدم وحواء!
الأرواح المتمسّكة بوطنها العربي الفلسطيني تطارد قاتليها في كلّ مكان، وأصواتها تتجذر أشجاراً وحجارة وعلماً فلسطينياً لا ولن يركع، الأرواح البريئة تضيء غزة، وعطرها يفوح على مدى الأزمان، وصوتها يحسبه أعداؤها الصهاينة وداعميهم قذائف تشتعل في أعماقهم، فيهرعون إلى الملاجئ، بينما ترتعد منها البارجات المعادية، الأرواح البريئة تضيء وتصبح حمماً في حياة وقبور الغزاة، الأرواح تتلألأ كما تلألأت من قبل، وتجتمع إرادتها في طوْفان القدس المستمر حتى النصر أو النصر.