الأشجار “المسروقة”!
بشير فرزان
أيقظت التعديات المتزايدة على البساتين التي تقطع أشجارها وتسرق لتباع كحطب وبأسعار تترواح ما بين 3 و3.5 مليون ليرة الكثير من التفاصيل المتعلقة بملف قطع الحراج والأشجار المثمرة والتي تم تجاهلها رغم توفر العديد من الأدلة على التقصير وضعف الأداء، سواء من مديريات الزراعة أو من الوحدات الإدارية بمختلف مستوياتها، حيث بدا واضحاً غيابها عن المشهد الخدمي وعدم قيامها بالمهام الموكلة لها على أكمل وجه. والسؤال هنا: كيف يمكن نقل الأشجار بعد قطعها من محافظة إلى أخرى تحت عنوان مخلفات عمليات التشحيل؟ حيث يتم منح التراخيص الخاصة بذلك دون تدقيق في حقيقة ما يجري من عمليات قطع جائر وسرقات لأرزاق الناس بينما الجهات التي أشبعت يومياتها بالكثير من التصريحات عن الجاهزية والاستعداد لأي طارئ ما زالت نائمة تحت مظلة القوانين والقرارات التي تصدرها يومياً!
إذاً، واقع الحراج وبساتين الأشجار المثمرة، والجرائم التي ارتكبت، وما زالت ترتكب بحقها، كشف المستور وأذاب ثلوج الإهمال والتقصير وبين مكامن الخلل والفساد. وبالرغم من أن فاتورة هذا الكشف كانت كبيرة ومؤلمة وطنياً إلا أنها بعد وقوع هذه الأضرار ستكون كفيلة بإبعاد مظلات الحماية التي ساهمت في تجذر الأخطاء واستمرار المخالفات والتجاوزات، ولذلك يجب البدء بتقليم تلك الأيدي الخفية التي استسهلت العمل واستثمرت مواقعه على حساب المصلحة الوطنية، فما يجري في الوحدات الإدارية ليس خافياً على أحد، ويتم أمام أعين كل الجهات دون أن تتحرك؟!
وبالتوازي، هناك مسؤولية واضحة على مديريات الزراعة التي لا يسبقها أحد في إطلاق حملات التشجير وزراعة آلاف الأشجار التي لا تعيش لتضيء شمعة عامها الأول، حيث يقتص منها العطش والتجاهل لتكون مجرد أرقام في روزنامة الإنجازات الصاروخية التي لم تستطع، بالتعاون مع الوحدات الإدارية والحراجية، حماية مواقع التشجير أو المواقع الخضراء التي باتت قاحلة لعدم توفر الاعتمادات المهدورة في غير أماكنها الصحيحة. ولن نزيد هنا، فالقضية واضحة وضوح الشمس لمن يريد رؤيتها، فقد تركت الثروة الشجرية ولسنوات عديدة لمصيرها المحتوم بالقطع والتحطيب والحرائق، وبشكل يثبت حالة التسيب التي جعلت من المناطق المشجرة أهدافاً سهلة، لتكون في طريقها إلى الزوال خلال فترة بسيطة ما لم تتحرك الجهات المعنية لإنقاذ المناطق الخضراء في بلدنا، وما يجري في هذا المناطق يمكن تعميمه على كافة المحافظات. وهنا نستشهد بمأساة الغوطتين في محافظة ريف دمشق التي تخلت عن الغطاء النباتي الشجري لصالح مخالفات البناء والتجاوزات بمختلف أشكالها.
وفي ظل هذا الحقائق والإدانات، تبرز تلك التساؤلات الباحثة عن دور المديريات الزراعية والوحدات الإدارية في المراقبة والمحاسبة في ظل حزمة من القوانين التي تحمي الشجرة وتكسبها حصانة ضد أعواد الكبريت ومسننات المنشار والبلطات القاطعة وشفرات التركسات القاتلة التي التهمت آلاف الأشجار، سواء تحت عنوان البناء المخالف ضمن المناطق الزراعية، أو تلك التي تندرج في خانة البديل عن غياب المازوت والكهرباء المستخدمة في التدفئة، واستثمار ذلك من قبل بعض التجار لاستغلال المواطن وتدمير بيئته.
وطبعاً واقع الثروة الحراجية، وما آلت إليه خضرتها المحترقة، والجرائم المرتكبة بحق الأشجار – التي اجتمعت أسباب عديدة لإزاحتها وتغييبها من القرى والمدن – يفرض المطالبة بتكليف وزارة الإدارة المحلية ووزارة الزراعة بإجراء مسح فوري للثروة الشجرية، واتخاذ إجراءات سريعة في مسارات التشجير ووضع موازنة مستقلة لهذه الغاية، وبصورة عاجلة محاسبة البلديات المخالفة إلى جانب العمل مع وزارة العدل لاستصدار قوانين جديدة أو إحياء القوانين السابقة لحماية المساحات الخضراء والأشجار التي تسرق اليوم على مرأى من الجميع، ودون اكتراث بنتائج هذا العمل البشع بحق البيئة وحياة الناس.
والسؤال الأكثر أهمية في ظل هذا الواقع: ما فائدة التشريعات والقوانين إذا بقيت بموادها حبيسة الأوراق والادراج، بينما ينعم السارق والمخرب بعائدات ومكاسب مجزية من جريمته التي تتم بتصاريح وموافقات أصحاب الشأن؟