بين حماية “إسرائيل” وحماية قواعدها.. هل تستمر السيطرة الأمريكية إذا نشبت حربٌ شاملة؟
البعث الأسبوعية – طلال ياسر الزعبي
تحاول الإدارة الأمريكية في كل ما تقوم به حالياً حول العالم، من نشر قوّات وأساطيلَ في المحيطين الهندي والهادي، وفي منطقة شرق المتوسّط، الإيحاء بأنها لا تزال قادرة على السيطرة أو التحكّم بمقاليد الأمور في العالم، وأنها لا تزال تقبض على الزناد وتمنع كل الأمور التي يمكن أن تتطوّر في هذه الأماكن بعيداً عن رغبتها.
ولكن الواقع في العالم لا يشي كثيراً بمثل هذه القدرات، حيث لا تزال الإدارة منذ أكثر من ثمانية عشر شهراً تضخّ السلاح في الجبهة الأوكرانية أملاً في تحقيق خرق ما يمكّنها من إضعاف روسيا وهزيمتها بالوكالة على يد النظام الأوكراني، وهذا الأمر ينسحب أيضاً على جميع المحاولات الأمريكية إحداث حالة رُهاب للصين أو كوريا الديمقراطية في الشرق الآسيوي، إذ تعمل على تعزيز وجود أساطيلها وحاملات طائراتها في تلك الأماكن ظنّاً منها أن ذلك يمكن أن يحقّق نوعاً من الردع لأعدائها المفترضين هناك، أو يساعد في إحكام قبضتها ونفوذها على تلك المناطق من العالم.
والآن وبعد عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها فصائل المقاومة في غزة وتمكّنت من خلالها من تمريغ أنف الكيان الصهيوني في التراب عبر عملية خاطفة قضت من خلالها على عدد كبير من قادة جيش الاحتلال وجنوده، وأسرت عدداً مماثلاً منهم، تحاول الإدارة الأمريكية رفع معنويات جيش الاحتلال الصهيوني من خلال الزيارات الكثيرة لمسؤوليها للكيان للتعبير عن تضامنهم ودعمهم غير المحدود له في مواجهة سكان قطاع غزة المحاصر، وإعطائه الضوء الأخضر للإيغال في دماء المدنيين من نساء وأطفال هناك، وتدمير المنازل على ساكنيها والعمل على تهجيرهم مجدّداً من القطاع للتفرّغ لتهجير سائر سكان فلسطين الأصليين في الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948، تحاول الإدارة الأمريكية الحالية الإيحاء بشتى الوسائل بأنها قادرة على إدارة هذا الصراع بالطريقة التي تحقّق فيها أمن “إسرائيل”، وفي الحقيقة استمرار هيمنتها على هذه المنطقة عبر “إسرائيل” التي تؤدّي هذا الدور الوظيفي بالنسبة إلى الغرب.
ومن هنا عمدت هذه الإدارة إلى الإسراع في نجدة قادة الكيان الصهيوني بعد الصدمة الكبيرة التي تعرّضوا لها على خلفية عملية “طوفان الأقصى” البطولية واهتزاز صورة هذا الكيان، في محاولة لاستعادة هيبته وهيبتها معاً، من خلال نشر قطعها الحربية وحاملة طائراتها “جيرالد فورد” شرق المتوسط ظنّاً منها أن ذلك يمكن أن يحقّق نوعاً من الرّدع لجميع أطراف محور المقاومة في المنطقة، ويمنعهم من التدخل لنصرة أهالي غزة في حرب الإبادة التي يشنّها جيش العدو عليها.
ولكن استشعار واشنطن وحلفائها الخطر الوجودي الذي بات يهدّد قاعدتهم المتقدّمة في المنطقة، وخاصة بعد الصدمة التي أحدثتها المقاومة الفلسطينية داخل الكيان الصهيوني، وفي دول الغرب الجماعي، دفعها فعليّاً إلى تعزيز وجودها العسكري، حتى لو بشكل استعراضي في محاولة لردع أطراف عديدة في المنطقة من توسيع رقعة الحرب، لأنهم يعلمون أن لا قدرة لـ”إسرائيل” على الحرب الطويلة، كما أنه لا تستطيع الحرب على عدة جبهات رغم الدعم الغربي الكبير لها، ومن هنا جاء إيعاز وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، بنشر بطارية من أنظمة الدفاع الصاروخي “ثاد” وكذلك بطاريات صواريخ باتريوت إضافية في الشرق الأوسط.
والمهم في هذا الأمر أن البنتاغون أعلن صراحة، أنه بعد مشاورات مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، تم اتخاذ قرار بـ”تعزيز مكانة وزارة الدفاع في المنطقة المذكورة”، أي أن الأمر بالفعل تابع لشعور القوات الأمريكية أنها عاجزة عن السيطرة على الوضع في ظل امتداد جحيم الحرب إلى عدة جبهات، على الرغم من أن واشنطن سبق أن أرسلت حاملة الطائرات “جيرالد آر فورد” مع خمس سفن مرافقة، وكذلك حاملة الطائرات “دوايت دي أيزنهاور” مع ثلاث سفن مرافقة، إلى منطقة الشرق الأوسط.
فالأمر إذن جاء بشكل طارئ، ليس لحماية “إسرائيل” فقط، بل لحماية منظومة الهيمنة بالكامل، حيث بدأ الأمريكي يشعر بالفعل بحجم الخطر الموجود على قوّاته في العراق والخليج وسورية، بعد تزايد الهجمات على القواعد الأمريكية في المنطقة، وهذا ما يفسّر نشر بطارية للدفاع الصاروخي من طراز ثاد وعدة كتائب إضافية من منظومة باتريوت للدفاع الجوي في المنطقة، وتعزيز حماية القوات الأمريكية هناك، بل نشر قوات إضافية لتعزيز الاستعداد والقدرة على الردّ بسرعة إذا لزم الأمر، حسب الوزير الأمريكي.
وفي الحقيقة، تولّدت قناعة لدى الولايات المتحدة خصوصاً، والغرب عموماً، أنّ أيّ توسّع للصراع خارج بقعة فلسطين المحتلة لن تتم السيطرة عليه، فهي بين خيارين إما انفلات الوضع وتدحرج النزاع إلى حرب إقليمية شاملة لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية التغيير في نتائجها رغم كل ما تحاول التهديد به لكل من سورية وإيران، أو الاستمرار في تغذية حرب الإبادة التي تشنّها على قطاع غزة، مع كل ما يحمله ذلك من استنزاف عسكري لها بالدرجة الأولى لأنها الداعم الأول عسكرياً للكيان الصهيوني بالسلاح، أو من مخاطر دخول أطراف أخرى في الحرب وهو ما يمكن أن يقود إلى هزيمة استراتيجية لها على الأرض، وخاصة أن الغرب مجتمعاً وليس فقط واشنطن، سيكون عاجزاً عن التكهّن في مآلات هذه الحرب، في الوقت الذي تؤكّد فيه جميع الدراسات أن الغرب الجماعي بقيادة حلف شمال الأطلسي “ناتو” عاجز حالياً عن الدخول في مثل هذه المغامرة مع استنفاد أغلب ذخائره في أوكرانيا، كما أن قدرته على استخدام السلاح النووي محدودة في ظل التأثيرات المشتركة لجميع الأطراف في الصراع، فليس ممكناً استخدام السلاح النووي في منطقة يكون الكيان الصهيوني في القلب منها.
ومن هنا فإن استقدام مزيد من حاملات الطائرات الأمريكية وبطاريات صواريخ الدفاع الجوي الأمريكي إلى المنطقة، ليس مؤشّر قوة كما تحاول الولايات المتحدة الإيحاء به، وإنما هو مؤشّر قلق وضعف بالدرجة الأولى، لأن الولايات المتحدة لو كانت في موقع قوّة لأمرت “إسرائيل” بالردّ القوي على ما تسمّيه استفزازات حزب الله في الشمال، ولكنها من خلال التشديد على عدم استدراج الحزب إلى الحرب إنما تقدّم أكبر دليل على أنها لا تريد توسيع نطاق المعركة، وبالتالي فإن الكيان ليس في موقع يؤهّله ضمن الظروف الحالية للصمود في مواجهة أيّ حرب إقليمية، ومن هنا شدّد الوزير الأمريكي على أنه يتم اتخاذ هذه الإجراءات في إطار “التخطيط للطوارئ”، وأن نشر قوات أمريكية إضافية “سيساعد في الردع، ويعزّز حماية القوات الأمريكية في المنطقة ويساعد في الدفاع عن (إسرائيل)”.