خزائن البحث العلمي الزراعي تشكو القلّة! غياب البيئة السلسة لتنفيذ البرامج البحثية وضعف في التقنيات
البعث الأسبوعية – ميس بركات
على الرغم من إجماع أهل الخبرة على أن التنمية الزراعية شرط ضروري للتنمية الاقتصادية وتأكيد المعنيين بتطوير الواقع الزراعي في الحكومة على أهمية التنمية الزراعية وإمضائهم على مشاريع وخطط سابقة ومستقبلية لما يخدم هذا الهدف، إلّا أن الواقع لا زال يشي بتراجع العائد الاقتصادي الأول في بلدنا “الزراعي”، فعلى عكس المفروض لا زلنا حتى اليوم غير قادرين على اعتبار الزراعة حجر الأساس بالنسبة لاقتصادنا من جهة رفد السكان بالغذاء والدواء وتوفر فرص العمل، إضافة إلى المساهمة الكبيرة بتأمين مورد للقطع الأجنبي من خلال الصادرات، إذ لم يستطع هذا القطاع أن يحتل وزنه الحقيقي في الاقتصاد الكلي في بلدنا ولم يرقَ لما تحظى به القطاعات الأخرى، سواء لجهة رأس المال أو لجهة مواكبته للتطور التكنولوجي ليبقى العنوان العريض لهذا القطاع كثافة استخدام المورد البشري مقابل الانخفاض في كثافة رأس المال!.
صعوبات متغلغلة!
ومع تصاعد وتيرة ارتفاع أسعار الخضار والفواكه المحلية وإلقاء اللوم على التصدير كان هناك العديد من المشاكل والصعوبات “المتغافلة” عن حلولها أو وضع خطط لتجنّب الوقوع في مصيدتها من تدهور للأراضي الزراعية وتصحر يلتهم الأراضي الزراعية ويهدد وجودها نتيجة التغيرات المناخية وما تبعها من جفاف من جهة والضغوط السكانية وما رافقها من إفراط في استخدام الموارد الطبيعية وغياب الإجراءات القانونية، ناهيك عن إغفال تطبيق المخططات التنظيمية التي تراعي الحفاظ على الأراضي الزراعية التي تشكل البنية التحتية الأساسية لاقتصادنا الزراعي، إذ يجد عبد الرحمن قرنفلة “خبير زراعي” ضرورة استمرار توفير رأس مال للبرامج البحثية الزراعية والاستفادة من تجارب العالم في مجال البحث والتطوير الزراعي لما لها من تأثير كبير على الإنتاجية الزراعية والأمن الغذائي، لافتاً إلى أهمية محاكاة تجارب الدول الأخرى من ناحية عدم الاعتماد على التمويل الحكومي فقط في البحث العلمي الزراعي وتوفير بيئة سلسة مريحة لتسيير البرامج البحثية الخاصة، لكن للأسف –يقول قرنفلة- هذا الأمر غير متاح لدينا فالتمويل الخاص غير مستغل بأي شكل كونه يتطلب توفير بيئة ممكنة للسياسات من خلال الحوافز الضريبة وحماية حقوق الملكية الفكرية والإصلاحات التنظيمية، واعتبر قرنفلة أن العلاقة بين القطاعين الصناعي والزراعي علاقة وثيقة فالصناعات التحويلية تعتمد من خلال مدخلاتها على مخرجات القطاع الزراعي خاصة القطن والقمح، وكذلك يعتمد القطاع الزراعي في جزء كبير من مدخلاته على الصناعة التحويلية مثل ” الأعلاف- الأسمدة”، فمن الضرورة العمل على ربط استراتيجي بين القطاعين وتنسيق برامج عمل تخدم العاملين فيهما، و إقامة مجمعات زراعية صناعية وتوزيع المصانع لتكون قريبة من مناطق الإنتاج الزراعي الذي يوفر لها المادة الخام.
إعطاء الثقة للفلاح
في المقابل لم ينف الدكتور سليم الداوود “كلية الزراعة” أهمية البحث العلمي الزراعي إلّا أن مواجهة المشاكل الأساسية التي لا زلنا ندور في فلكها حتى قبل سنوات الحرب يعتبر أمر ضروري قبل البدء بالبحث عن التطوير والتقانة، ولعلّ أهمها توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي من بذور ومبيدات ومحروقات بأسعار مدعومة، إضافة إلى منح القروض الزراعية اللازمة والميسرة للفلاحين وإعفائهم من كل أنواع الضرائب لتشجيعهم على التمسك بزراعة الأراضي وإنتاج كافة أنواع المحاصيل الزراعية، ومن ثم نقلها وتسويقها، إذ لا زالت مشكلة تسويق المحصول الزراعي تتلطّى خلف أراضي الفلاحين ليعيشوا في حالة خوف وتأهب لتلقي الخسارة في موسم جني المحصول وسط وقوف الجهات المعنية مكتوفة الأيدي في كل عام دون التعلّم من تجاربها الخاسرة على مدار الأعوام السابقة والتي للأسف منعت الكثير من الفلاحين من الوصول إلى ضفة الأمان وحماية تعبهم وجهدهم، ولفت الدكتور الزراعي إلى أهمية ربط الفلاحين من خلال الوحدات الإرشادية واتحاد لإعطاء الثقة للفلاح بتأسيسه وإدارة مشروعه بنفسه، وتشجيع الجهة المسؤولة عن تطوير المنتجات الزراعية، باستخدام التكنولوجيا لزرع كافة أنواع المنتجات الزراعية في مناطق غير المناطق الأساسية لإنعاش القطاع الزراعي وتعويض خسائر المحاصيل الرئيسية أو غيابها، وتكثيف الإنتاج الزراعي من خلال تعاون الدولة مع مراكز الأبحاث الزراعية التابعة للجامعات، لاسيّما وأننا اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى لهذه البحوث والتجارب في كافة المجالات لتطوير اقتصاد البلد كون قطاع الزراعة من الدعائم الأساسية لاقتصاد سورية لذا كان لابد من السعي لإثراء البحث العلمي والإسهام في خدمة القطاع الزراعي للنهوض به بما يتيح الاستفادة المثلى للطاقات الزراعية، من خلال تطبيق التقنيات الزراعية الحديثة ونتائج البحوث الزراعية والحزم التكنولوجية المرافقة لكل من المنتجات الزراعية، الأمر الذي ينعكس على إنتاجية وحدة المساحة إيجابيا وبالتالي على الإنتاج الزراعي عموما لمواجهة الطلب المتزايد على الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي.
الخروج من النمطية
لا شك أن الوضع الراهن لم يعد يحتمل الوقوف مكتوفي الأيدي أمام هجرة الكثير من الفلاحين لأراضيهم وجوع المواطن لخضار بلده التي يقل ّ إنتاجها عاماً تلو الآخر، فشحذ الطاقات للعمل الحقيقي والفعلي والواقعي على الأرض والانتقال من مرحلة إعداد السياسات والبرامج والخطط إلى مرحلة التنفيذ وزيادة الإنتاج والإنتاجية وتطوير العمل على ارض الواقع بات ضرورة وجب تحقيقها قبل فوات الأوان، خاصة وأن تطوير الإنتاج الزراعي يتبعه تطوير الاقتصاد وهو الذي سيحقق الأمن الغذائي الوطني وبالتالي سيؤدي إلى تطوير باقي القطاعات ذات الصلة بقطاع الزراعة كالصناعة والتنمية البشرية والريفية، وهذا يتطلب الخروج من النمطية المتداولة في التحليل والتقييم واقتراح البدائل القابلة للتطبيق الفعلي.