السياسيون الأمريكيون.. تفكير استقطابي وجنون عظمة إيديولوجي
عناية ناصر
أشار ميتش ماكونيل، زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ الأمريكي، في مقابلة إعلامية أجراها مؤخراً، إلى الصين وروسيا وكوريا الديمقراطية وإيران باعتبارها “محور الشر الجديد”، حيث اعتبر أن تلك الدول تشكل تهديداً مباشراً للولايات المتحدة.
يُذكر مثل هذا الخطاب، الصادر عن سياسي بارز في أقوى دولة في القرن الحادي والعشرين، والذي استخدم لوصف الصين، الشريك التجاري الرئيسي لأكثر من 140 دولة في العالم، باللغة المتعصبة والقاسية التي كانت تُستخدم في “محاكم التفتيش” الأوروبية في العصور الوسطى، هو أمر سخيف ومثير للقلق العميق في الوقت نفسه، ولا يمكن إلا أن يثير مخاوف عميقة بشأن جنون الأيديولوجية الأمريكية والمخاطر الهائلة التي قد تنطوي عليها.
إن ماكونيل ليس أول شخص يقول هذه الكلمات، ونظراً للجو السياسي غير الصحي الحالي والجمود في السياسة الأمريكية، فمن المرجح ألا يكون الأخير، حيث أدلت سفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى الأمم المتحدة والمرشحة الرئاسية الجمهورية نيكي هيلي بتصريحات مماثلة مؤخراً، بل بلهجة أكثر حدة.
بين الجمهوريين المحافظين، لا يعتبر ماكونيل الأكثر تطرفاً، لكنه الآن يقول مثل هذه الأشياء علناً، وعليه من الواضح أن التفكير الاستقطابي وجنون العظمة الإيديولوجي ينتشران بسرعة في واشنطن، ومن المؤكد أن الدولة التي تتمتّع بأقوى قوة عسكرية على مستوى العالم، والتي تتصرف على نحو يذكر بمحاكم التفتيش، الفجة والمتطرفة، سوف تكون لها عواقب مخيفة.
إن وصف الآخرين على أنهم “أشرار” يعني أن من يفعل ذلك هو ممثل “للعدالة”، ومن الطبيعي أن يقف على أرضية أخلاقية عالية. إذا كان الطرف الآخر يعتبر شريراً، فإنه يصبح من العدل أن نضرب “الجانب الشرير”، كما لو كان الشخص يتصرف نيابة عن العدالة. فالعدل والشر لا يتركان مجالاً للتسوية أو التعايش، إنها معركة “اقتل أو تُقتل”، وإذا استمر هذا الاستقراء، فسوف يصبح العالم أكثر وحشية من مجتمع الغابة، والمشكلة تكمن في من يستطيع تحديد ما هو “الشر” وما هي “العدالة”؟.
مما لا شكّ فيه أن الولايات المتحدة تفتقر إلى المؤهلات، لأن استخدامها لهذا التفكير الثنائي الأبيض والأسود في النظر إلى عالم اليوم المتنوع والتعامل مع العلاقات الدولية المعقدة للغاية، هو في الواقع تحويل نفسها إلى الجانب “الشرير، إذ كم من الجرائم تُرتكب باسم العدالة؟ لقد ذكر السياسيون الأمريكيون مصطلح “محور الشر” مراراً وتكراراً في السنوات التي أعقبت هجمات 11 أيلول، ورغم أن الأهداف تغيّرت، فإنها تشير باستمرار إلى الدول التي تسعى الولايات المتحدة إلى قمعها.
في ذلك الوقت، غزت الولايات المتحدة العراق بحجة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وهو ما ثبت فيما بعد أنه لا أساس له من الصحة. وفي الأعوام الأخيرة، وتحت شعار “الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان”، حرضت الولايات المتحدة على العديد من الحروب والصراعات والأزمات الإنسانية في مختلف أنحاء العالم. لذلك عندما يتباهى الساسة الأمريكيون بـ”الشر” و”العدالة”، ينبغي عليهم أولاً أن يروا كمية الدماء التي أريقت من الأرواح البريئة التي لم ترتكب أي ذنب!.
والآن، يعود الساسة في واشنطن مرة أخرى إلى وصف الصين وروسيا المسلحتين نووياً بأنهما جزء من “محور الشر”، وهو ما يدفع الناس حتماً إلى الاعتقاد بأنهم يجهزون الرأي العام ويسعون إلى الحصول على الشرعية للتعدي على مصالح البلدان الأخرى. والرسالة الأساسية من عبارة “محور الشر” التي يستخدمها الساسة الأمريكون هي ما يشيرون إليه بـ”تواطؤ القوى المعادية لأمريكا”، وهذه هي في الأساس العملية التي تسعى الولايات المتحدة من خلالها إلى تحديد الأعداء وخلقهم.
وفي سياق خطاب واشنطن المهيمن حول “الديمقراطية في مواجهة الاستبداد”، فإن أولئك الذين يقفون مع الولايات المتحدة يعتبرون “عادلين”، في حين يتمّ تصنيف أولئك الذين يعارضونها على أنهم “أشرار”. إن هذا التفكير الثنائي المتطرف، هو أكبر تهديد للسلام العالمي، ويجب أن يعارضه الناس في جميع أنحاء العالم بقوة.