دراساتصحيفة البعث

في التحالف الاستراتيجي بين روسيا والصين وكوريا الديمقراطية

ريا خوري

أخذت العلاقات الروسية الكورية الديمقراطية أبعاداً جديدة من التقدّم والتطور، وازدادت من جديد على وقع الحرب الساخنة في أوكرانيا، وحالة الصراع المتزايد في منطقة شرق آسيا مع المحاولات المستمرة التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية لمحاصرة الصين وكوريا الديمقراطية بالعقوبات والأحلاف العسكرية والأمنية، ونشر المزيد من البنى التحتية العسكرية والأمنية الإستراتيجية، ومن بينها عناصر أسلحة الدمار الشامل الكيميائية والجرثومية والأسلحة النووية في الدول المجاورة.

إزاء الخطر الكبير المشترك الذي تشعر به القيادة السياسية والعسكرية والأمنية الروسية وبيونغ يانغ ومعهما القيادة الصينية في بكين، فإنَّ زيارة الزعيم الكوري الديمقراطي كيم جونغ أون إلى جمهورية روسيا الاتحادية في شهر أيلول الماضي، وزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى العاصمة الصينية بكين منذ أيام قليلة، واجتماعه بالرئيس الصيني شي جين بينغ، وإعلانهما عن إقامة علاقات إستراتيجية بلا حدود بين القطبين الكبيرين، تؤكد أنّ العلاقات بين الدول الثلاث، باتت تشكل قوة إستراتيجية عالمية وتحولاً جيو استراتيجي واضح المعالم في مجرى المواجهة بكل أشكالها مع الولايات المتحدة من دون أدنى توارٍ أو مواربة.

القارئ الحصيف لمجريات الأحداث المتلاحقة والمتطورة يدرك بوضوح، ومن خلال التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد لقائه بنظيرته وزيرة الخارجية في كوريا الديمقراطية تشويسون هوي، والزعيم الكوري كيم جونغ أون أن زخم العلاقات بين البلدين يتسارع بشكل لافت، حين قال: إن العلاقات بين بلدينا وصلت إلى مستوى كبير ونوعي جديد واستراتيجي، وإشارته إلى شعور القيادة الروسية بــ القلق البالغ من تكثيف وتطوير الأنشطة العسكرية والأمنية واللوجستية للولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان في المنطقة ومن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية.

وكان لافتاً ما قاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: نقدّر بشكل كبير دعم كوريا الديمقراطية المبدئي والواضح لما تقوم به روسيا الاتحادية في ما يتعلق بالعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وهذا أمر يثير الكثير من الخوف والقلق لدى الولايات المتحدة والدول الغربية على وجه الخصوص، والدول الحليفة للولايات المتحدة من خارج أوروبا.

وهنا ينشأ التساؤل الافتراضي وهو، لو سلّمنا جدلاً بالاتهامات الأمريكية حول الأسلحة الكورية المرسلة إلى روسيا صحيحة، فإنَّ الولايات المتحدة وحلفاءها يزوّدون أوكرانيا منذ بدء الحرب بكل ما تحتاج إليه من دعم عسكري وأمني ولوجستي عسكري واستخباراتي، لتمكينها من مواصلة الحرب، وإلحاق “هزيمة” بـروسيا الاتحادية، وبالتالي يصبح من حق روسيا البحث عن أي مصدر لتزويدها بالسلاح الذي تحتاجه على الرغم من امتلاء مخازنها الإستراتيجية من جميع أنواع السلاح العسكري القويّ.

يُذكر أن العلاقات بين روسيا وكوريا الديمقراطية ليست جديدة، فقد لعب الاتحاد السوفييتي السابق دوراً كبيراً ومهماً قبل حوالي خمسة وسبعين عاماً في تحريرها من الاحتلال الياباني، حيث دامت الحرب من عام 1950 حتى 1953. لذلك عندما يعلن وزير الخارجية الروسي لافروف أنّ كوريا الديمقراطية هي جارة مقرّبة وشريك تاريخي لروسيا، فهو يهدف من وراء ذلك القول: إنّ العلاقات بين البلدين تأخذ أبعاداً جديدة تتجاوز أي علاقات عادية بين البلدين.

إنّ الخطط الإستراتيجية التي وضعتها القيادة في روسيا تؤكد للعالم الغربي فشل كلّ محاولاته للتضييق على روسيا وعزلها عن العالم، فقد شكّلت زيارة بوتين إلى العاصمة الصينية بكين المتزامنة مع زيارة وزير الخارجية الروسي لافروف إلى بيونغ يانغ، وما نتج عنهما من نتائج كبيرة ومهمّة، كانت رداً مباشراً وقوياً على الولايات المتحدة الأمريكية ومعها التحالف الغربي.