“هجمات المقاومة لم تأتِ من فراغ”
طلال ياسر الزعبي
ربّما كانت هذه العبارة هي الأشدّ وقعاً على قادة الاحتلال الصهيوني وجميع المسؤولين الغربيين الحاضرين في قاعة مجلس الأمن، فهي على بساطتها تحمل في طيّاتها إقراراً أمميّاً واضحاً بأن كل ما يحدث في فلسطين المحتلة منذ ما يزيد على 75 عاماً تتحمّل مسؤوليّته السلطات القائمة بالاحتلال، فكيف إذا كان هذا الاحتلال يمارس جميع أنواع الجرائم بحق شعب واقع بالقوة وبتآمر دولي واضح تحت نيره، من تجويع وإذلال وتشريد وتدمير للمنازل فوق رؤوس ساكنيها وإبادة جماعية وتمييز عنصري فاق كل مقاييس التمييز في العالم.
هي عبارةٌ كلّفت الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الكثير من الانتقادات، فشنّت ما تسمّى “الخارجية الإسرائيلية” هجوماً شرساً عليه، معتبرة أن حديثه مثير للغضب والدهشة ووصمة عار عليه وعلى الأمم المتحدة، ليس لأنها وصّفت ما يحدث حقيقة، بل لأنها عرّت الكثير من المواقف في هذا العالم، وخاصة في المنطقة العربية، لأنها باختصار مرادفة أصلاً للعبارة القائلة: إن المقاومة هي السبيل الوحيد لتحرير الأرض ونيل الحقوق.
ردّ الفعل الهستيري هذا إنما يدلّ على أن “إسرائيل” لَمْ تعتَدْ على هذا النوع من الانتقاد من الأمم المتحدة، لأنها تفترض سلفاً تبعية هذه المنظّمة للغرب المتواطئ معها، فلا ينبغي لها، وهي التي تتخذ من نيويورك مقرّاً لها، أن تنتقد ممارسات الاحتلال الصهيوني الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، أو أن تدين الإبادة الجماعية التي ترتكبها “إسرائيل” بحقه، فهي تعيش أصلاً فوق القانون، و”وجودها” في هذا العالم بعد كل هذا التاريخ الدموي دليلٌ على ذلك، فبأيّ حقّ يقوم غوتيريش باتخاذ هذا الموقف “المتحيّز والمشوّه” الذي يخالف التأييد الغربي الواضح لجرائم “إسرائيل”.. هذا الرجل يغرّد خارج السرب، لأنه دافع عن القانون في وجه من يعدّ نفسه فوق القانون، وبالتالي ينبغي عليه التراجع عن تصريحه والاعتذار لـ “شعب الله المختار” الذي ينبغي أن تُباد مجموعات بشرية بأكملها من أجل أن يحيا، وينبغي أن يعيش العالم حرباً عالمية ثالثة كُرمى لعيونه، بل لا بدّ من معاقبة الأمم المتحدة بمنعها من الحصول على تأشيرات، وهذا ربّما أكبر دليل على رفض هذا الكيان وجود المنظمة، فإما أن تكون ناطقة باسمه، وإما أن تُعاقب.
موقف غوتيريش هذا ربّما عرّى كثيراً من المسؤولين العرب الذين يعاينون كيف أوغل هذا الكيان في سفك الدم العربي منذ عقود طويلة، حيث تعاملوا مع الأمر على أنه أمر طارئ، وأن هذا الكيان موجود بشكل طبيعي، وبالتالي ينبغي التعامل مع المسألة بفصلها عن سياقها التاريخي، دون النظر إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن في الاحتلال.
إن الكيان الذي اعتاد على المجازر من دير ياسين إلى قانا إلى غزة وغيرها، لن يكون في يوم من الأيّام حمامة سلام، لأنه لا ينظر إلى العرب على أنهم كائنات تستحق الحياة، ولأنه نشأ أصلاً على حساب تهجير شعب كامل من أرضه وقتله وتشريده. ومن هنا فإن الغرب الذي لا يزال يمنع إصدار قرار أممي ملزم بوقف هذا العدوان على غزة، إنما هو شريك في سفك الدماء.