دراساتصحيفة البعث

“لو لم تكن موجودة لقُمنا باختراعها”.. “الكيان الصهيوني” قاعدة متقدّمة للاستعمار الغربي

ليندا تلي

تشير كل المعطيات أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد الاستفادة من عملية “طوفان الأقصى” للتغطية على هزيمتها في أوكرانيا، فهل تريد أمريكا فعلاً التغطية على فشلها الذريع في العملية التي ورّطت فيها الأوكرانيين، أم تخاف من تورّط أطراف ثالثة في النزاع القائم في غزة، وبالتالي تأزم الوضع واندلاع حرب إقليمية في الشرق الأوسط؟.

منذ اليوم الأول لانطلاق صواريخ المقاومة الفلسطينية ودكّها عمق الكيان الصهيوني، أكّدت إيران حقّ الفصائل الفلسطينية في الدفاع عن أرضها، وأن استمرار القصف الإسرائيلي للقطاع واستهدافه المدنيين سيشكّل سبباً كافياً لتوسيع نطاق الحرب واضطرار أطراف إقليمية أخرى للانخراط في المعركة، مؤكدة أن هذا ليس خيارها الأول وإنما تستهدف وقف الحرب وليس توسّعها.

في مقابل الوضوح الإيراني وشفافية موقفه، أرسلت أمريكا رسالتين إلى إيران تؤكد فيهما ظاهرياً أنها لا تنوي توسيع دائرة الحرب وليست معنية بتوسيع رقعة الأزمة في المنطقة، في الوقت الذي أرسلت فيه مئات المعدات العسكرية والدعم الشامل للكيان الإسرائيلي، ما يعني بشكل قطعي تأصّل النفاق الأمريكي وسريانه بالفطرة اللذين تعرفهما إيران، وليست بوارد تصديق حيادية الإدارة الأمريكية في النزاع القائم في غزة. إيران لم تنطلِ عليها حيل البيت الأبيض حيث سارعت إلى تحذير الثعلب الأمريكي من خروج الوضع في المنطقة عن السيطرة إذا لم توقف “إسرائيل” اعتداءاتها على قطاع غزة، وأن المنطقة أشبه ببرميل بارود في حال لم تضع أمريكا والكيان الصهيوني حداً وبشكل فوري للجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في غزة.

محللون سياسيون يقولون: إن تعزيزات أمريكا وجاهزيتها العسكرية في الشرق الأوسط تأتي نتيجة طبيعية لتخوّفها من خصمٍ يقضّ مضجعها هو محور المقاومة في المنطقة كلها، حيث سارعت أمريكا مؤخراً عبر إعلان البنتاغون إلى إرسال منظومة دفاع جوي من طراز “ثاد” وأخرى من أنظمة “باتريوت” إلى الشرق الأوسط رداً على الهجمات الأخيرة على القوات الأمريكية في المنطقة، إضافة إلى خشيتها من انخراط المحور في عملية “طوفان الأقصى”. هذا التخوّف كان قد تكشّف عند القيادة الفرنسية عبر حضّ الأخيرة حزب الله وإيران على عدم الانخراط في النزاع بين “إسرائيل” والمقاومة الفلسطينية، معربة عن قلقها حيال الوضع المتوتر على الحدود بين لبنان و”إسرائيل”، تلا ذلك الدعم زيارة تضامنية للرئيس الفرنسي إيمانويل ما كرون بعد أن سبقه نظيره الأمريكي في زيارة لرئيس حكومة الاحتلال لإظهار التضامن معها. بريطانيا دخلت على الخط وأكّدت دعمها “إسرائيل” على لسان رئيس حكومتها، مخاطباً رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو: “نريدك أن تنتصر”.

منذ إقامة دولة “إسرائيل” المزعومة، سعت الولايات المتحدة إلى دعمها عسكرياً بمليارات الدولارات من الأسلحة والعتاد وزيادة مساعداتها العسكرية لقوات الاحتلال عبر مطالبة عجوز البيت الأبيض في كلمة متلفزة له الكونغرس بالتصديق على ميزانية “عاجلة وغير مسبوقة” تكون مخصّصة لدعم “إسرائيل”، واصفاً تلك الميزانية بأنها التزام غير مسبوق بأمن “إسرائيل”، ومن شأنه أن يعزز تفوّقها العسكري والنوعي، واستثمار ذكي سيؤتي ثماره على الأمن الأمريكي لأجيال مقبلة، وشدّد على أن نجاح “إسرائيل” وتفوّقها العسكري “أمران حيويان” للأمن القومي للولايات المتحدة.

مصادر إعلامية أمريكية بيّنت أن تلك المساعدات ستموّل جاهزية أنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية، بما في ذلك تعزيز منظومة القبّة الحديدية، كما ستستخدم هذه الأموال أيضاً في تجديد مخزونات الذخيرة.

ومنذ انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، قدّمت الولايات المتحدة دعماً عسكرياً كبيراً لـ”إسرائيل” تضمّن أسلحة وطائراتٍ وسفناً، كما زوّدت بخلية من قوات العمليات الخاصة التي بدأت بالفعل بمساعدة الكيان المغتصب في عمليات الاستخبارات والتخطيط العسكري.

وأعلن البنتاغون الأمريكي تحويل مسار حاملة الطائرات الهجومية “يو إس إس جيرالد آر. فورد” للإبحار باتجاه “إسرائيل” بطاقمها المكوّن من حوالي 5000 فرد، كما أرسلت البحرية الأمريكية أيضاً مجموعة ثانية من حاملة الطائرات الهجومية “يو إس إس أيزنهاور” إلى البحر الأبيض المتوسط، لتكون قريبة “عند الحاجة إليها”.

دعم بايدن لـ”إسرائيل” ليس وليد هذه اللحظة، وإنما ظهر سابقاً عبر مؤتمر صحفي له عام 2013 حينما كان يشغل منصب نائب الرئيس، إذ قال: “إن وجود إسرائيل مستقلة وآمنة على حدودها ومعترف بها من العالم هو في المصلحة الاستراتيجية العملية للولايات المتحدة الأمريكية، وإذا لم تكن هناك “إسرائيل”، فسيتعيّن علينا (أمريكا) أن نخترع “إسرائيل” للتأكّد من الحفاظ على مصالحنا في منطقة الشرق الأوسط”.

أمّا عن تحوّل “إسرائيل” إلى “مسمار جحا” الأمريكي في المنطقة، وتطوّر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ووصولها إلى ما وصلت إليه اليوم، فقد قال أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة ستانفورد جويل بينين في مستهل كلامه: في حرب 1967 (إسرائيل) هزمت العرب في ستة أيام دون أي مساعدة عسكرية أمريكية وهو ما جعل المسؤولين الأمريكيين يقولون، “هؤلاء الرجال جيدون”.. نحن في حالة فوضى في فيتنام، دعونا نكن متصلين بهم!، وهذا الدور الذي تلعبه “إسرائيل” لمصلحة أمريكا ظهرت ثماره عقب هجمات 11 أيلول، فمع تشكيك الولايات المتحدة في حلفائها في المنطقة، اعتمدت بشكل أكبر على “إسرائيل” بناءً على تصوّر مفاده أن لديهما المزيد من القيم والمصالح المشتركة، رغم أن “إسرائيل” كانت تؤدّي الدور نفسه بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية قبل تلك الأحداث، وخلال الحرب الباردة، مع اختلاف واحد فقط هو أن الحرب وقتها كانت ضدّ الشيوعية، وكانت واشنطن تنظر إلى الكيان كحصن متقدّم في مواجهة المد الأحمر في عدد من دول المنطقة.

فخلال الحرب الباردة كان يُنظر إلى الدولة العبرية في واشنطن على أنها “حصن” ضد النفوذ السوفييتي في الشرق الأوسط ومواجهة للقومية العربية. ورغم أن العالم تغيّر منذ ذلك الحين، إلا أن المنطق الاستراتيجي للتحالف الأمريكي الإسرائيلي لم يتغيّر وفق ما جاء في مقال لديفيد بولوك في مؤسسة “معهد واشنطن”.