دراساتصحيفة البعث

اعتبارات متعدّدة للدعم الأمريكي لـ”الكيان الصهيوني”

بشار محي الدين المحمد

إن أي متابع لما تقوم به “إسرائيل” من جرائم وحشية غير مسبوقة في غزة وفي المنطقة، والمترافق بتصفيق وتشجيع غربي أعمى، يصاب بالدهشة فعلاً مما يجري ومن الدعم غير المسبوق لهذه الممارسات التي قد تصل حدّ تهديد المصالح الأمريكية ذاتها، ويثير التساؤل عن سبب تجدّد وزيادة هذا الدعم بالسلاح والأموال والمواقف السياسية.

ربما قد نلمس خيوط الإجابة لو قرأنا مسيرة زعماء الإدارة الأمريكية وشرحهم لدرجة التماهي بينهم وبين يهود أمريكا ويهود هذا الكيان الغاصب، والذين أقرّوا جميعاً بحبهم لليهود وتعاطفهم مع ما يدّعوه من مظالم بحقهم، وهذا مرده إلى التغلغل الكبير لليهود ضمن المجتمع الأمريكي من خلال المعلمين الذين يسردون لطلابهم منذ الصغر حكايا وقصص عن ظلم مفترض قديم متجدّد بحقهم، بادعاء أفلاطونية الكيان الإسرائيلي وتحقيقه لـ”الخير بوجه قوى الشر”، محاولين تقمّص دور الشعوب المظلومة عبر التاريخ كالعبيد السود الذين تم اضطهادهم واستعبادهم، محاولين إيجاد أوجه شبه بينهم في التعرّض للفاشية والعنصرية والنبذ خارج أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، ناهيك عن تأثير الكتاب اليهود وقدرتهم العالية وأعدادهم الكبيرة، حيث نجحوا في امتلاك قلب القارئ الأمريكي وإعماء بصيرته بأكاذيبهم. كل ذلك يمكن أن يصنف ضمن المبرر الثقافي والأدبي للدعم والذي يخلص للقول: إن على الأمريكيين ألا يتركوا اليهود “عرضةً للاضطهاد مجدداً”.

أما على صعيد التفسير السياسي للدعم، فإن كل من وصل إلى سدنة البيت الأبيض لم يتظاهر حتى بحبه أو دعمه للشعب الفلسطيني، أو مناصرته لقضيتهم، بل كان وما زال كل ما يعنيهم هو تحقيق مصالح اليهود وكيانهم، ودعمهم بكل الوسائل.

ويعود ذلك على المقلب الجمهوري لكون معظم أعضاء هذا الحزب من الإنجيليين البيض الذين يربطون مصيرهم بمصير اليهود لأسباب ونبوءات دينية مشتركة.

لكن المستغرب على المقلب الديمقراطي، هو أن الديمقراطيين يدّعون السعي نحو المساواة والعدالة بين الشعوب بغض النظر عن الدين والانتماء، ويفترض على الأقل أن يكونوا حياديين تجاه القضية الفلسطينية، ولكنهم للأسف يعتنقون مواقف نظرائهم شكلاً ومضموناً، وذلك لأن دوائرهم الانتخابية هي إما من أغلبية يهودية، أو فيها عدد قليل من اليهود المؤثرين على مسار الانتخابات.

ويمكننا أن نضيف هنا دور منظمات الدفاع عن اليهود أيضاً، وعلى رأسها “الإيباك” الذين نجحوا عبر عقود بمنع الساسة الأمريكيين من إدانة أي عمل إسرائيلي وحشي في مؤسسات المجتمع الدولي ومحافله، لتبرئة الكيان من أي جريمة قد يتورّط بها للحيلولة دون مساءلته. والأبشع من ذلك أن “الإيباك” أصبح خلال العقدين الماضيين أكثر تطرّفاً حاله حال “حكومة” بنيامين نتنياهو، حيث نجحوا في سياسة لإزالة أي فروقات بين الحكومة الأمريكية و”الحكومة الإسرائيلية”، وهذا لمسناه بوضوح من خلال هرولة الرئيس الأمريكي ووزرائه ومسؤوليه إلى الكيان الإسرائيلي لإطلاق التصريحات التي تعبّر عن حالة التماهي والدعم الأمريكي غير المحدود لجرائم “إسرائيل”، وما رافق ذلك من تحّركات أساطيل وجسور جوية ومنظومات صواريخ أمريكية في المنطقة دفاعاً عن مدلليهم.

ويمكننا القول: بكل بساطة السياسي الأمريكي الذي يعادي “الإيباك” لا انتخابات له ولا مستقبلاً سياسياً له، وستلاحقه تهم معاداة السامية وغيرها من مكائد اليهود، كما سيخسر مصدراً أساسياً لتمويل حملاته الانتخابية. بل الخلاف بين أي رئيس أمريكي ورئيس حكومة الكيان الإسرائيلي ممنوع، وسيكلفه مستقبله السياسي.

أما في السياق الفكري والإيديولوجي لهذا الدعم، فيمكننا أن نستشهد بقول هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية وسيدة البيت الأبيض سابقاً “نرى في قصة (إسرائيل) حكايتنا”، حيث يمكننا الاستنتاج من هذا القول مدى التشابه الوحشي والعدائي بين الدولتين، فأمريكا أيضاً أبادت شعباً واحتلت أرضه ونهبت ثرواته وطمست حضارته لتحقق غايات ومصالح شعوب مهاجرة، وهذا تحديداً ما يصبو إليه الكيان.

أما على الصعيد الإستراتيجي والذي تحاشى الكثير من الكتاب والساسة الأمريكيون الحديث عنه، وهو تمثيل “إسرائيل” للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط والدفاع عنها وحمايتها، رغم أن اللوبي الصهيوني يقول: “أمريكا تدعمنا لكن ذلك ليس إحساناً منها”، مدعياً أنهم ساعدوها في الحرب الباردة وتفكيك الإتحاد السوفييتي، وأنهم حتى بعد ذلك يساعدون أمريكا في القضاء على حركات التحرر في الشرق الأوسط، مدعين أنها حركات إرهابية.

إن اجتماع كل تلك الأسباب يفسر سبب إقدام أمريكا على خطوات غاية في الحمق وتؤثر على أمريكا ذاتها، وأكبر مثال على ذلك هو غزو العراق الذي كلفها مليارات الدولارات، وآلاف الجنود القتلى لمجرّد إدعائهم بخطر العراق عليهم، رغم أن الخطر الحقيقي كان في وجود جيش متطور وقوي يُشعر حكومة الكيان الإسرائيلي بحالة من الهلع، فأقنعوا الإدارة الأمريكية بضرب هذا الجيش وتفكيك مؤسسته حرصاً على كيانهم ولو على حساب المصالح الأمريكية، وكان هذا الغزو مشروعاً فاشلاً باعتراف الأمريكان نفسهم الذين عدلوا عن الفكرة وانسحبوا دون تقديم أي تبرير لما غامروا من أجله حتى اللحظة.

وأمام ذلك فإن العرب لا يملكون معلمين وأدباء مؤثرين ولا جماعات تمويل ولا جماعات ضغط ممكن أن تؤثر في التعليم أو المجتمع الأمريكي، أو حتى في مسارات السياسة الأمريكية التي باتت تخدم مصالح “إسرائيل” بل تفضلها على المصالح الأمريكية، وهذا ما يفسر ضعف التعاطف مع القضايا العربية وعلى رأسها القضية المركزية، والسكوت الأمريكي والغربي عن جرائم العدو الإسرائيلي ودعمهم له، وهذا ينذر أيضاً بأن أمريكا لن تنسحب من الشرق الأوسط ولو أدعت بأنها تركز على منطقة آسيا – الهادي لتطويق الصين، وهذا يجب أن يكون حافزاً لكل قوى التحرر والمقاومة لتوحيد صفوفها وحشد كامل قوتها ضدّ التحالف الصهيو-أمريكي الذي لن يفهم لغة العقل أو العاطفة.