هل مهدت اتفاقيات “أبراهام” الطريق لحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني؟
هيفاء علي
زعمت وزارة الأمن الداخلي التابعة لـ ترامب أن السبب في إبرام اتفاقيات “أبراهام” هو “الشر المطلق” لأولئك الذين وجدوا فقط “لقتل اليهود”، بينما تحدث ترامب عن اتفاقيات “أبراهام” زاعماً أنها تصبّ في سياق الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات بين “إسرائيل” وجيرانها العرب، والتي قال ترامب إنها ستغيّر مسار تاريخ الشرق الأوسط بعد عقود من الانقسامات والصراعات. أما إدارة بايدن، فقد رأت من جهتها أن من شأن هذه الاتفاقيات أن تجعل المنطقة “أكثر أمناً وازدهاراً”، وهنا يتساءل المراقبون كيف حدث العكس تماماً؟.
لعقود من الزمن، كان الحلّ السياسي للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، أي إنشاء دولة مستقلة للشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، في قلب الجهود المبذولة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وإحلال السلام بين الكيان الإسرائيلي المحتل وجيرانه العرب. كانت هذه مشكلة بسبب استمرار الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في تقويض إمكانية حل الدولتين للصراع، وعدم اهتمام الولايات المتحدة بالضغط عليه من أجل القيام بذلك.
لكن مع مرور الوقت، تحولت أولويات بعض الدول، وتحديداً “المطبعة” بعيداً عن قضية الشعب الفلسطيني. وكان هذا التغيير متسقاً مع موقف إدارة ترامب الوديّ للغاية تجاه الكيان المحتل وهدفه المتمثل في زيادة عزلة إيران في المنطقة. وبالتالي، اعتبرت اتفاقيات “أبراهام” الناتجة، على الأقل في عالم المحافظين الجدد، بمثابة ضربة “عبقرية” للقضية الفلسطينية: فبدلاً من إيجاد حلّ لمسألة الدولة الفلسطينية التي تبدو مستعصية على الحل، قامت اتفاقيات “أبراهام” بتهميشها، حيث تخلّى الموقعون عن هذا الشرط المسبق الذي طال أمده عندما استعادوا العلاقات الدبلوماسية وعمقوا التعاون الأمني والاقتصادي مع الكيان المحتل، عندما أغدقهم ترامب بالمكافآت.
وهكذا حلّت اتفاقيات “أبراهام” محل مبادرة السلام العربية التي أطلقتها المملكة السعودية، وشكلت منذ طرحها في عام 2002 حجر الأساس لأجندة العالم العربي لحلّ الصراعات، ووضع الفلسطينيين في المقدمة، إذ تستند اتفاقيات التطبيع الجديدة إلى افتراض أساسي وساخر مفاده أن محنة الفلسطينيين يمكن أن يتمّ تجاهلها ونسيانها بأمان من قبل حكومات المنطقة والمجتمع الدولي ككل، وقد ضغطت إدارة ترامب، على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للموافقة، في حين واصلت الدول الموقعة دعم القضية الفلسطينية طوال الوقت، زاعمة أن حملة التطبيع هذه من شأنها أن تضع حداً لخطط الكيان المحتل القائمة على ضمّ الضفة الغربية والتوسع الاستيطاني.
ليس هذا فحسب، بل إن نص الاتفاقات بالكاد يذكر الفلسطينيين، باستثناء بعض الضمانات الغامضة بمواصلة العمل من أجل التوصل إلى حل تفاوضي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وبينما بدأت بعض الدول العربية في تعزيز علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي المحتل، فقد ابتعدت أكثر فأكثر عن مواقفها التاريخية، فعندما اندلعت أعمال العنف في نيسان 2021 في المسجد الأقصى، واقتحمت القوات الإسرائيلية أحد أقدس الأماكن الإسلامية، كان ردّ الفعل العربي ضعيفاً.
لكن القضية الفلسطينية لا يمكن أن تُنسى ببساطة، وقد أدى التوقيع على الاتفاقيات إلى خلق مجموعة من التناقضات التي غذت التوترات التي اندلعت في السابع من تشرين الأول، إذ لم تتغيّر السياسة الإسرائيلية كما وعدت، بل ازدادت تصلباً، فمنذ عام 2020، عندما تمّ التوقيع على الاتفاقيات، توسعت المستوطنات، بل واشتدت، إلى جانب عنف المستوطنين. لقد دفعت حكومة نتنياهو إلى الأمام عدداً قياسياً من الوحدات السكنية للمستوطنين، ونقلت إدارة الأراضي المحتلة من أيدي جيش الاحتلال إلى أيدي المدنيين، وهو ما تمّ تفسيره على نطاق واسع على أنه علامة على خطط الضم.
كان بإمكان إدارة بايدن عكس جهود ترامب والضغط على الكيان المحتل لإنهاء هذه الخطط والتوسع الاستيطاني، مع الاستمرار في الوفاء بوعودها والتزاماتها بموجب عملية السلام، ولكن بدلاً من ذلك، واصل العجوز بايدن جهود ترامب للتطبيع من خلال الخروج عن السوابق الرئاسية وعدم حتى محاولة دفع عملية السلام إلى الأمام، في حين لم يوجّه انتقادات تذكر لانتهاكات الحكومة الإسرائيلية، بينما يواصل وزير خارجيته التأكيد على أن هذا الاتفاق يمكن “استخدامه لتعزيز” مثل هذا السلام.
وهكذا توضح الاحتجاجات الشعبية الكبيرة المؤيدة للفلسطينيين في الدول العربية رداً على العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة والضفة الغربية، أن كل الافتراضات التي دعمت اتفاقات “أبراهام” كانت معيبة بشكل كارثي، وخاصة فكرة أن رفض وجود الفلسطينيين من شأنه أن يهدئ الشرق الأوسط!.