ثقافةصحيفة البعث

تكريم الفنان العالمي الراحل عمر حمدي “مالفا” في ندوة ومعرض

ملده شويكاني

“عمر حمدي فنان كبير، تعرّفت إليه في متحف الشارقة، وفي بيروت، فنان يستحق أن تسجل سيرته في فيلم هوليودي، لأن حياته حافلة بالأحداث والتساؤلات عن معاني الفنّ والحياة”..

هذا ما قاله الناقد اللبناني فيصل سلطان عن الفنان التشكيلي السوري عمر حمدي الملقب بـ “مالفا”، والذي تمّ تكريمه بندوة أقامها الناقد والفنان أديب مخزوم بالتعاون مع مديرية ثقافة دمشق بعنوان “عمر حمدي من الحسكة إلى العالمية” لمناسبة الذكرى الثامنة لوفاته، في مركز ثقافي كفرسوسة بمشاركة د. محمد غنوم، ود. علي القيم، والفنانة لينا ديب- نائب رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين في سورية، وترافقت مع معرض جماعي “لقاء الأجيال” بحضور كبير تألق بفنانين وأساتذة في كلية الفنون الجميلة.

ثلاث مراحل

وقد أثنى د. محمد غنوم على مبادرة الوفاء بتكريم الراحل عمر حمدي، وتلخصت كلمته بثلاث مراحل أولاً النشأة، إذ نشأ حمدي في الحسكة المحافظة المهمة في وطننا المليئة بالحضارات القديمة، ورغم كلّ الأوضاع الحياتية والريفية الصعبة جداً، استطاع حمدي أن ينقل الكثير من مكونات هذه البيئة الأصيلة إلى أعماله. ثم بدأت تجربته تتبلور في دمشق المرحلة الثانية، إذ عمل بمجالات عدة لها علاقة بالفنّ، وبالإخراج والغرافيك والرسم، ولا تقلّ هذه المرحلة صعوبة عن المرحلة السابقة، إذ انتقل إلى بيئة جديدة وأصبح يعاني كما يعاني القادمون من المحافظات النائية إلى دمشق، لكنه أثبت حضوره سريعاً، فأعماله تعبّر عن فنان متمكن يعرف كيف يرسم ويفهم بالتشريح واللون، ولديه قدرة تعبيرية هائلة.

وتوقف غنوم عند حادثة حرق معرضه وكانت هذه الحادثة نقطة مهمّة في مسيرته، لأنه وجد أن الاختراق الفني ليس سهلاً. ثم تابع عن المرحلة الثالثة وهي الغربة واختياره العيش في النمسا- فيينا، وبدت براعته بالقدرة التعبيرية الخارقة ليس للأشخاص فقط وإنما في الوجوه وحركات الأيدي والطبيعة وكل الرسومات، ولاسيما أنه كان غزير الإنتاج، إلا أن هذه الغزارة ليست على حساب الكيف، فقدم أعمالاً في غاية الأهمية.

وردة الختمية والمالفا

وقدّمت الفنانة لينا ديب سيرة ذاتية عن حياته الممتزجة بالألم، إذ ولد في قرية نايف في الحسكة عام 1951، ومارس الفن منذ الطفوله وكتب بالنقد الفني وله محاولات شعرية وصدرت مطبوعات وكتب عن أعماله الفنية، ويعدّ من أهم الملونين في تاريخ المدرسة الانطباعية المعاصرة، سافر إلى فيينا عام 1978 وبقي فيها حتى وفاته عام 2015، حمل معه محبة بلده وطبيعتها فعبّر عن رؤاه الذاتية المفعمة بالمشاعر والأحاسيس الخاصة مثل ذكرياته ببيت جده الطيني وذكرياته مع والدته وقراءاته الأولى، فأثرت هذه العوامل باستنطاق الذاكرة المفعمة بالمخزون البصري والمعايشة الوجدانية للألم الذاتي بجماليات تعبيرية تنقل حضارة وثقافة وتراث بلده، فاتصفت أعماله بحمولة تاريخية فأصبح رائداً من روّاد الحداثة في تاريخ الفن المعاصر.

وتوقفت عند لقب المالفا الذي يعني وردة الختمية، ويعود إلى رسمه مجموعة أعمال لوردة الختمية في الستينيات، إلا أنه اضطر أن يرميها بالبئر في منزله خوفاً من والده، ووجد أن اسم مالفا مناسب في الغربة.

اعتمد على البعد التخيّلي الواسع لشاعرية اللون والأفكار بلغة بصرية مختزلة وعكس موسيقا الروح باللوحة، وعشق التفاصيل واللون والطبيعة واستطاع أن يحاكي الذات بصدق.

صناعة اللون

أما د. علي القيم فأشار إلى أن عمر حمدي جمع بين الأصالة والحداثة في آن واحد، ولم يترك بلده فنياً، إذ عبّر بريشته عما حدث في سورية، فكانت ريشته جزءاً من أعصابه وإحساسه المرهف، وكان خبيراً متجدداً عرف كيف يصنع اللون ويصيغ مفردات لوحته القريبة من عين المتلقي، واتسم بحضور قويّ.

وتحدث الناقد أديب مخزوم عن التمازج اللوني بين الكلاسيكية والواقعية والتعبيرية والانطباعية والخلفيات التجريدية، وعن بصمته الخاصة التي لا يستطيع أحد أن يقلدها، وأشار إلى وصفه بساحر الخط والضوء واللون رداً على من يقول إنه ملوّن، فهو ساحر الخط بدلالة لوحاته الأولى المتصفة بليونة الخط واللون، وساحر الضوء في لوحاته الانطباعية.

أعلى سعر والتجريد

كما نوّه بالرسائل التي كانت متبادلة بينهما وهي أقرب إلى الحوارية الصحفية، وعرض كتيباً مصوّراً أرسله له عمر حمدي يتضمن لوحات لفنانين نمساويين بينهم عمر حمدي، فبيّن مخزوم سمات الفن النمساوي المبنية على التجريد، وجنوح حمدي نحو التجريد وهذا ليس غريباً عنه، فمنذ بداياته الأولى كانت خلفيات لوحاته تجريدية، ووصلت لوحاته إلى أعلى سعر يتقاضاه فنان عربي.

كما شارك الناقد فيصل سلطان برسالة أشار فيها إلى المراحل التي أوصلته إلى العالمية.

المالفا مع عرفان حمدي

وترافقت الندوة مع معرض جماعي من مختلف الأجيال ومختلف المدارس والأساليب وإن طغت الواقعية والتعبيرية من حيث البورتريه وتمازج الأنثى بالطبيعة والتشكيلات الحروفية، والإيحاءات بالمقاومة. وتوسّطت صورة المالفا مع لوحاته مدخل الصالة، لتتكامل مع لوحة شقيقه الفنان عرفان حمدي لوجه رجل شوّهته الحرب من الداخل مع خلفية عجت بكثافة تعبيرية بامتزاج لوني.

التراث الشرقي

وتألق المعرض بلوحة د. محمد غنوم عن مفردة الوطن بألوانه التي اخترقها اللون الأزرق، وعبّر محمد الركوعي عن التراث الشرقي والفلسطيني بتقاطعات هندسية تظهر الزخرفة والبيوت القديمة والشجرة الدالة على الثبات والأنثى برمزيتها إلى البقاء بألوان الإكليريك مستخدماً الرمل على سطح اللوحة.

الطبيعة الانطباعية

وجسّدت سوسن بواب بلوحتها الطبيعة الانطباعية المتداخلة مع التجريد لفصل الخريف وتغييرات ألوان الأشجار والتمازج الرائع بين البني والخمري الغامق، وتحولات الأخضر إلى الأصفر، فعكست اللوحة الإحساس الشفاف للخريف الذي يصفه كثيرون بالكئيب، مستخدمة الأكليريك على مساحة الخلفية، ثم المعالجة بالزيتي بالسكين فبدت الكثافة اللونية.

الطاقة الحيوية

وأشارت عبير أحمد إلى الطاقة الحيوية التي تتحلّى بها الأنثى بدلالة اللون الأحمر، ورمزت لأمنياتها بالعصا الحاملة عدداً من الأسماك وهي قابضة بيدها على صدرها، متمنية الخلاص من القوقعة التي وجدت فيها بتداخل لوني كثيف بين الألوان والأسماك لأن الأمنيات لا تنتهي.

عناق روحي بدلالات الأحمر

وبلمسات أنثوية رقيقة رسمت عبير كريمو ضمن مسارها باللوحة العاطفية بورتريه لثنائية الرجل والمرأة بوضعية متعاكسة وبتقارب رومانسي وعناق روحي مشكّلة بالسكين كثافة لونية من طبقات اللون الأحمر للألوان الزيتية.

الورد والأنثى

وبأسلوب تعبيري مزجت سهام زرزور بين وجه الأنثى وطبقات الورد بلوحة سمّتها بالأنوثة الحائرة، مستخدمة الإكليريك مع طبقات ورق الذهب وضربات الزيتي الخفيفة.

ثنائية واقعية

وبواقعية بحتة جسّد سليم نوفل ثنائية لزوجين جمع بينهما الحب والوفاء حتى الشيخوخة، مستخدماً الزيتي بدلالة الأخضر الموحي بالمحبة والسلام بالتداخل مع الأزرق الموحي بالهدوء النفسي والسكينة.

الأنثى والأزرق

ومن الفنانين الشباب ورد سعود الذي قدّم تجربة مختلفة بالنسبة إلية بألوان الزيتي بتصوير بورتريه لأنثى لوّنها بالأزرق بدلالة الاستمرارية، ولوّن الخلفية بتموجات الألوان النارية الأحمر والأصفر المعبّرة عن الطاقة الإيجابية للأنثى.

من طبيعة الربوة

وبعد الرسم المنقول عن صور عالمية أراد إلياس الإبراهيم أن يقدم صورة من أفكاره لأنثى أنيقة تتأمل داخل مشهد طبيعي، وتحطّ على يدها حمامة، استمدها من جغرافية منطقة الربوة، جمع فيها بين الأشجار والجبل بمسافة قريبة، نفذها بقلم الرصاص بحجم كبير.

خط أسود

وبخط أسود رسم أديب مخزوم وجه الراحل عمر حمدي على خلفية تجريدية انفعالية وعبّرت حركات اللون العريض عن شيء من العبث، وفي القسم العلوي رسم عازف ناي، لأن عمر حمدي اشتُهر ببداياته برسم عازفي الناي، ومن هنا جاءت فكرة اللوحة التي جمعت بين الواقعية والتجريد كما ذكر.