عن ابتذال مفهوم “حق الدفاع عن النفس”
أحمد حسن
وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، وضع اعتداءات بلاده الأخيرة على مواقع سوريّة في سياق” الدفاع عن النفس، والردّ على سلسلة الهجمات المستمرّة، ضدّ أفراد أميركيين في العراق وسورية”!!
واشنطن بأسرها، والغرب خلفها، تلطّت خلف ستارة الحجة ذاتها، أي حق الدفاع عن النفس، لتبرير جريمة إطلاق يد “إسرائيل” في ارتكاب المجازر الشنيعة وتدمير “غزة” وتهجير سكانها.
المشكلة هنا ليست فقط في نفاق “أوستن” وواشنطن من خلفه، بل في أن العالم، ومعه بعض العرب، يصفقون له ولمنطقه هذا، وأكثر من ذلك فإن بعضهم يتجاوز التصفيق ليدعو علناً إلى سحب الذرائع من يد أمريكا و”إسرائيل”، ويطالب بالتخلّي عن الأرض والعرض والحقوق المشروعة، حتى أن “أحدهم” كتب مؤخراً، وبلغة “المشفق” و”المحبّ”، ناصحاً، بل طالباً، من المقاومين مغادرة أرضهم حتى لا تبقى، كما يرى هذا الرجل، أي حجة لدى العدو للتدمير، والحق إنها نصيحة بائسة وفاضحة تنوس بين الجبن أو العته، إذا أخذنا حسن النية بعين الاعتبار، والعمالة إذا نظرنا فعلياً إلى تاريخ هذا “الحكيم” ومن لفّ لفّه.
وعلى ما يبدو فإننا نحتاج، في كل مرة، لتذكير السيد “أوستن”، كما هؤلاء “الحكماء”، ببديهيات وحقائق ساطعة سطوع الشمس، أولها أن الأمريكي لا “يتواجد” في سورية، وتحديداً في شمالها الشرقي، إلّا كقوة احتلال سافر، وحين تستهدف المقاومة الشعبية “قواعده” غير الشرعية هناك فهي لا تستهدف “أفراداً أمريكيين” -كما يصفهم أوستن متلاعباً بالمفاهيم ودلالاتها- جاءوا كسيّاح أو زوار أو رجال أعمال، بل تؤكّد حقها الشرعي في الحرية والاستقلال ضدّ من بدأ بالعدوان ومن يسرق جهاراً نهاراً ثرواتنا ويخطط لتقسيم بلادنا ويدعم الإرهابيين في سبيل تحقيق ذلك، كما أنه المسؤول الأكبر، مع سواه، عن “جوعنا” وعن حصارنا الاقتصادي الجائر وغير المشروع.
وبدورها فإن “إسرائيل” هي من تحتّل، ومنذ خمسة وسبعين عاماً، أراضي الغير، وهي من ترفض تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، وهي من تضرب عرض الحائط باتفاقات السلام التي عقدتها – حتى لو كانت عرجاء – و”أوسلو” مثالاً، وهي من تهجّر الفلسطينيين من أرضهم ليستوطنها بدلاً منهم أناس من قارة أخرى، وهي من ارتكبت بحقّهم، ولا زالت، المجازر الدورية طوال المدة السابقة كلها.
بهذا المعنى نحن، سواء في سورية أو فلسطين أو غيرها من المناطق المحتلة، لا نفعل حين نقاوم المحتل، سوى ممارسة حقنا الذي أتاحته لنا، بل فرضته علينا، شرائع السماء وجميع قوانين الأرض، وبالتالي نحن من ندافع عن أنفسنا وعن مستقبلنا، بل أيضاً عن مستقبل بعض “حكمائنا”، فنحن بصدورنا العارية وقوافل شهداءنا من نجعل لكم أهمية عند المحتّل، فلولا مقاومتنا لما كان لعمالتكم أي قيمة في سوق “النخاسة” العالمي.
خلاصة القول، حين يؤكد أوستن أن “الرئيس جو بايدن أمر بشنّ الضربات للتأكيد أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع مثل تلك الهجمات ضدّها، وستدافع عن نفسها ومصالحها”، وهو ما ينطبق حرفياً على الوضع في غزّة أيضاً، فإننا لا نصدق منها سوى الكلمة الأخيرة: “مصالحها”، والتي من أجلها سال ويسيل هذا الدم كلّه على امتداد خارطة العالم منذ نحو قرن.. ثم يخرج من بيننا من يصدق، ويتبّنى، ابتذال “أوستن” وسيّده لهذا الحق ويشدّ على يديهما، فلا نامت أعين الجبناء.