صحيفة البعثمحليات

التلمذة الصناعية.. افتقار للكوادر التدريبية المختصة وتهرب منشآت القطاع الخاص من تمويلها

دمشق- زينب محسن سلوم

لا تزال مسألة التلمذة الصناعية خارج إطار الاهتمام الفعلي رغم أهميتها لجهة صقل المعلومات النظرية والمعارف المكتسبة خلال العملية التعليمية للخريج، وانعكاس ذلك على الواقع العملي، علماً أن لدينا عديد المنشآت الصناعية الكفيلة بأن تكون مختبرات عملية لأغلب الخريجين.

بيّن تيسير دركلت نائب رئيس القطاع الهندسي في غرفة صناعة حلب في تصريح خاص لـ”البعث” أن مدننا الصناعية هي مختبرات تدريب مجانية تؤمّن للطالب بيئة عمل لاكتشاف مهاراته، موضحاً أنه في ما يتعلق بالتلمذة الصناعية فإن نقطة البدء تكون في دراسة العائد من سوق العمل، والذي يتحقق من خلال طرح الخريج في سوق العمل وإن كان قد حقق الغاية المتوخاة من تدريبه، مشيراً إلى أن التلمذة الصناعية تحتاج لشراكة حقيقية بين قطاع الأعمال من جهة وقطاع التربية والتعليم المهني من جهةٍ أخرى، وتزداد الحاجة لهذه التلمذة نتيجة ارتفاع الاحتياج لليد العاملة الخبيرة والمدرّبة في سوق العمل، وخاصةً بعد الحرب وتداعياتها التي أدّت إلى قلة المعروض من تلك الخبرات في سوق العمل بفعل هجرة العديد من شباننا.

وحول تجربة غرفة صناعة حلب، بيّن دركلت أنها ابتدأت قبل الأزمة وكانت تقتصر على قطاعي التصنيع الميكانيكي وصناعة الألبسة، وكانت حاجة المعامل إلى تلك الاختصاصات هي من فرضت السير بالفكرة بقوة، ولكن للأسف مجريات الحرب على سورية أوقفت نجاح التجربة وصعّبت من تقييم أثرها، بعد أن نجحنا في توفير فئات كبيرة من العمال المدرّبين. ولفت دركلت إلى أن تجربة التلمذة الصناعية تقتصر في أسواقنا على ثلاثة اختصاصات، بينما على سبيل المثال تزخر التجربة في مصر بـ27 اختصاصاً، مشيراً إلى ضرورة إدراج اختصاصات عديدة متنوعة تناسب احتياجات سوق عملنا مع إعادة تقييم تجربة التلمذة ودراسة الأخطاء التي تشوبها لتلافيها.

وأكد دركلت وجود جدية حقيقية من قبل الحكومة وغرف الزراعة والصناعة واتحاد العمال واتحاد العمال بالتعاطي مع موضوع التلمذة الصناعية، مبيناً أن هذه الجدية وحدها لا تكفي؛ فالتعليم المهني يحتاج لمبالغ كبيرة يجب أن يتمّ رصدها من ميزانية التربية والتعليم والتعليم المزدوج. كما لفت إلى أن المتدرّب ضمن هذا التعليم المزدوج يتلقى التعليم النظري وجزءاً من العملي في المدرسة أو المعهد، ومن ثم يتابع تعليمه ضمن بيئة العمل (شركة- مؤسسة- معمل) ليكتسب مهارات وفنون وتقنيات العمل التجاري والصناعي ويجيد التحدث بلغة السوق، حيث لا يكتفي بالعلم الجامد النظري، بل يرى كيف يتعامل ربّ العمل وكيف تتمّ إدارة العمل على أرض الواقع.

وشدّد نائب رئيس القطاع الهندسي على ضرورة وجود مخصّصات مالية كافية لتطوير قطاع التلمذة الصناعية ضمن وقت قصير، وضرورة تطبيق القانون رقم 38 لعام 2021 الذي يتيح المدارس والمعاهد لشركات لها مجلس إدارة ومقررون ومحاسب وخازن وتراتب إداري وغير ذلك من دقائق الأمور التي يجب أن نكون في أتمّ الاستعداد لها، كما يجب أن تكون الكوادر مسؤولة عن تسويق المنتج وليس فقط التمرين.

ولفت إلى أنه لا بدّ من تغيير النظرة المجتمعية الظالمة لهذا القطاع والتصنيف الخاطئ لطلابه، مؤكداً أنه تمّ مؤخراً الوعي لهذا الموضوع، فالتسجيل في الثانويات الصناعية أصبح يتمّ أيضاً من قبل الطلاب الأوائل في الشهادة الإعدادية، مؤكداً أن مرحلة الفرز يجب أن تتمّ وفق المهارات والاختيار وحب العمل، لا على مقدار الدرجات المتدنية التي تفرغ هذا النوع المهمّ من التعليم من محتواه، موضحاً أن هذا الطالب له أهميته وفعاليته، فهو درس وسيعمل بما تعلّم، وعمله مبنيّ على أساسات علمية وعملية.

وفي سياق التشجيع للتعليم المزدوج والمهني، طالب دركلت بزيادة فرص دخول أوائل التعليم المهني والمزدوج إلى كليات الهندسة التطبيقية لتحفيز الطلاب على التفوق، مثمناً خطوة زيادة تلك الفرص في العام الماضي، إلا أنها ما زالت دون المطلوب نظراً للحاجة الماسة إلى مزيد من الفرص لتغذية اختصاصات ومتطلبات سوق العمل.

بدورها، مديرة الإشراف على التأهيل الفني في وزارة الصناعة، الدكتورة نبال بكفلوني، تحدثت عن واقع التعليم التقاني والمهني في معاهد ومجمعات مديرية الإشراف على التأهيل الفني بالوزارة، مبينةً وجود خمسة معاهد منتشرة في محافظات دمشق وحلب وحمص، وأربعة مجمعات أيضاً في دمشق وحمص وحلب ودير الزور لتكون داعماً ورديفاً للمؤسسات الصناعية، “بعضها خرج عن الخدمة خلال الحرب على سورية”، حيث تعمل على تزويد المؤسسات الصناعية باليد العاملة الخبيرة والمؤهلة ما يسهم في رفع سوية المنتج الصناعي الوطني ويزيد من جودته.

وبيّنت بكفلوني أن هذه المعاهد والمجمعات توفر للطلاب قاعات دراسية ومكاتب إدارية وعدداً من المخابر وورشات إلكترونية، ويتمّ تمويلها من موازناتها الجارية باستثناء المعهد التقاني للنسيج الذي يتمّ تمويله من قبل المؤسسة العامة للصناعات النسيجية. وأكدت بكفلوني حرص قطاع التعليم المهني في الوزارة على تبني برامج تدريب يتمّ اختيارها من خلال سبر احتياجات سوق العمل من حيث الكمّ والنوع، إضافةً إلى سبر احتياجات الطلاب المتدرّبين في ضوء قدراتهم ومؤهلاتهم الفنية واستعدادهم للتعلم، كما يجري التركيز على التشاركية مع القطاع الخاص في التخطيط لنظم وقضايا التدريب، وخاصةً في مواقع العمل لأن ذلك يلعب دوراً بارزاً في رفع كفاءة المتدرّب من خلال احتكاكه المباشر بسوق العمل من جهة وتسليط الضوء على إمكاناته من جهةٍ أخرى، ما يحقق متطلبات التنمية وسوق العمل في آن معاً.

وحول تساؤل “البعث” عن أبرز معوقات التلمذة الصناعية ضمن الوزارة، بيّنت بكفلوني أنها تتلخّص في عدم ارتباط الخريج بسوق العمل، وعدم إسهام منشآت القطاع الخاص بتمويل هذا التعليم رغم أهميته في رفدهم بعناصر مؤهلة ترفع سوية الإنتاج لديهم، ناهيك عن الافتقار للكوادر التدريبية المختصة، وتدني نوعية البنى التحتية وقدمها في منشآت التدريب، إضافةً إلى عدم توفر بيانات حول احتياجات سوق العمل أو وجود رصد دقيق لها، ناهيك عن غياب قاعدة بيانات لتتبع الأثر بالنسبة للطالب الخريج بعد انتهاء دراسته وما أنجزه على الصعيد العملي.

وأضافت المديرة: إن تدني أجر المدرّسين من خارج الملاك تسبّب في صعوبة استقطاب الكفاءات لرفد العملية التدريبية، وخاصة في الاختصاصات التي تتطلّب خبرة ومؤهلات نوعية.

وحول طموحات قطاع التدريب والتأهيل، بيّنت بكفلوني سعي القطاع لتأمين فرص عمل لجميع الخريجين، وسدّ ثغرة نقص الاختصاصات ضمن سوق العمل، سواء في القطاع العام أو الخاص، إضافةً إلى نشر الثقافة والتوعية بأهمية التعليم التقاني عبر الورشات والمحاضرات والمنصات على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن التعريف بمجالات سوق العمل والاختصاصات التي يتمّ التركيز عليها.

ويتمّ العمل على إعادة الالتزام بتعيين خريجي المعاهد التقانية والمجمعات التابعة للصناعة لرفد جميع المؤسّسات باليد العاملة المؤهلة، وبشكل يسهم بالحدّ من هجرة الشباب ودفع عجلة الإنتاج، فضلاً عن تحويل المعاهد والمجمعات إلى مراكز إنتاج ما يمنح قيمة مضافة للمتدرّب وللمدرّس، كما يتمّ العمل على التعاون مع المنظمات الدولية لتأمين تجهيزات متطورة للتدريب بما يتماشى مع تطور متطلبات سوق العمل، والتعاون مع القطاع الخاص في مجال تدريب الطلاب، وافتتاح اختصاصات تدريبية جديدة، ومنح المتدرّب بطاقة تقييم تؤهله لدخول سوق العمل.