ماذا لو “عزف الصمت” فنيات الصوت؟
البعث الأسبوعية- غالية خوجة
موسيقا كلاسيكية عالمية تتحرك كخلفية لمشهد شاشة العرض المؤلف من لقطة نهارية لحديقة عامة، ورسومات بخطوط بيضاء تتشكل حمامات وتطير لتتشكّل وتصبح الأنثى المحبوبة التي تطير بجناحين، بينما العاشق فيركض ليقبض على طيفها الأبيض المحلق دون جدوى، مما يجعلنا نفهم حكاية مسرحية “عزْف الصمت” المختزلة بهذا المشهد والتي تكشف عن ذاكرتها من خلال البطل العجوز، ومثّل دوره أحمد شنان المؤلف والمخرج أيضاً، الجالس على كرسي حديقة على مسرح دار الكتب الوطنية وخلفه مشهد الحديقة الافتراضي الذي تتحرك عليه ذاكرته مع شخصية المعشوقة لدقائق، ثم يصرخ وهو يرمي الجريدة: لا، لهذه القرارات بحق الحدائق والمدينة القديمة.
ذاكرة الحب القديمة
وبينما هو غاضب واقف، تأتي سيدة عجوز واسمها لقاء، مثلتها ياسمين الحموي، لتجلس على الكرسي الذي يختلفان عليه، فيتقاتلا بعكازيهما كما لو أنهما سيفان، لكنهما يتفقا على الجلوس معاً على الكرسي المفضل لدى كل منهما في الحديقة، وتبدأ موسيقا “مونامور” بالعزف، ويبدأ التعارف، وتتسرب الذاكرة العشقية القديمة لكل منهما بطريقة فلاشباكية، فيتحدث العجوز غسان عن امرأة أحبها منذ عقود، مؤكداً: كأنني أراها الآن، ترقص أمامي، لكن والدها رفضني عندما تقدمتُ لخطبتها لأنني فقير وهو من طبقة غنية وواصلة.
تتأرجح السيدة قليلاً وكأنها تستعيد طفولتها الضائعة، وتبدأ ذاكرتها بحكاية عشقها وكيف حفرت اسمها واسم حبيبها على شجرة الصنوبر الواقفة على المنصة، متسائلة بصوت صارخ: أين هم العشاق؟ مضيفة بطريقة تبدو إقحامية: أين هم عشاق الأرض؟ أين هم عشاق الوطن؟
بأداء بطيء أكثر من المتوقع، كان العرض يطرح الفكرة المكشوفة، معتمداً على الحوار وتداعياته والتناوبية في حكي الذاكرة، وكان العجوز ينصت لكلام السيدة العجوز، ويقول لها كلاماً عادياً: الحياة تجارب يا سيدتي، ولم يبق لنا سوى طين، ذكريات، صور، وبعض كلمات جميلة.
وكان من المتوقع أن ينتهي العرض مع هذه الكلمات، إلا أنه أصر على أن يكمل الحكي بين الشخصيتين، وسيرتهما المتقاطعة معاً، حتى بعدما ودّعا بعضهما البعض، قبل حلول الظلام كما قالت لقاء، إلاّ أن الظلام لم يحضر في شاشة العرض التي ثبتت طيلة العرض على لقطة للحديقة وقت الظهيرة حيث الشمس ساطعة!
تكرار وبطء
وبعد الوداع، عادت الشخصيتان إلى المنصة لتكمل الحوار وتكرر سيرة حبها القديم، فيتشبث البطل غسان بحالته، قائلاً: ما زلت أنتظرها رغم أنها سافرت، لا بد أن تأتي، هل هي أنت؟
إلاّ أن الغرور ما زال يسيطر على شخصية لقاء التي لا تعترف بوجوده بعد كل هذا الغياب فتسميه أحمد: أحببته، أحببت كرسي الحديقة، وشجرة الصنوبر، وأحببت أحمد.
كل منهما يعرف أن الآخر هو حبه القديم الذي يظل ذكرى كما يؤكد المشهد الأخير من لحظة ارتمائهما على الأرض في حالة “موت”.
تساؤلات غير صامتة
فماذا لو عزف الصمت فعلاً مبتعداً عن استطالة الوقت التي لم تكن في صالح العمل الذي قدم برعاية وزارة الثقافة، مديرية المسارح والموسيقا، مسرح حلب القومي بالتعاون مع الجمعية العربية المتحدة للآداب والفنون؟ وماذا لو اختزل المخرج الأداء البطيء، والمسافة الزمنية؟ ولم يكرر سيرة كل شخصية؟ ولو كان منطوق الشخصية أقوى؟ ولو غيّر الممثلان طريقة الأداء الأحادية من حيث تعابير الوجه والحركة؟ وماذا لو تحركت شاشة العرض ووظفت كتداخُل متناغم صامت مع المنصة كما في بداية العرض؟ ماذا لو أن العمل انتبه إلى الفنيات والتقنيات أكثر؟
أين العزف؟
الكاتب الإعلامي عبد الخالق قلعجي: بالتأكيد عندما نكون مع عزف للصمت يتحدث عن حديقة وكرسي وصنوبر وذكريات نكون مع مقولة جميلة من حيث المضمون، فهل حقيقة ارتقى أداء الممثلين؟ الإجابة تحتمل وجهات نظر، لأن الأداء لم يرتقِ لهذا المضمون، كما أن تفاصيل الصمت الذي يتحدثون عنه في هذا العرض كان من المفترض أن يعزفوا عليه، فأين العزف؟
محمد سقا فنان شاب: بشكل عام أحببت العمل، والمشاعر كانت الأصدق من التقنيات التي لم يوظفوها، مثل أسلوب الإضاءة، الأرجوحة التي استعملت قليلاً، لكن، هناك بعض الحركات المسرحية مثل العصوان وتظيفهما لا سيما في العناق.
الموضوع لامسنا
كثير من الحضور عاشوا موضوع العرض واقعياً، وهذا ما عبّرت عنه فاطمة كحيل طالبة رياضيات: تذكرت موقفاً حدث معي وكان حباً صامتاً ولم نتكلم أبداً.
بينما قالت راما قيقي طالبة معهد هندسي ميكانيكا كهرباء: الممثلة تشبه شخصيتي المتكبرة التي لا تستسلم، تشبهني وكلانا من برج الجدي، وهو من برج الحمل.