محور المقاومة ينتصر.. والتحالف الصهيو-أمريكي إلى الغوص في المستنقع
البعث الأسبوعية – بشار محي الدين المحمد
مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة نلحظ أبواقاً تحاول التبرير لهذا الكيان الغاصب أفعاله الوحشية غير المسبوقة عبر التلميح إلى ضرورة الانتظار ومن ثم الانتظار لتطبيق مسار أوسلو “السلمي” الذي تم توقيعه في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض قبل ثلاثة عقود، حيث يحضرنا التساؤل اليوم ما الذي نفذ من بنود هذا الاتفاق حتى يومنا هذا، وماذا أبقى اليمين المتطرف الصهيوني منه سوى الحبر والورق الذي كتب به الاتفاق، وهل فعلاً يوجد دعاة سلام في “إسرائيل” حتى في الأقوال حتى لو فرضنا جدلاً أننا لن ندقق على الأفعال؟.
في عام 1973 قالت غولدا مائير رئيسة وزراء الكيان السابقة الملقبة بـ”أم إسرائيل”: “الطريقة الوحيدة التي نخسر بها القدس هي أن نخوض حرباً ونخسرها”، أما اسحق رابين رئيس وزراء الكيان السابق فقد قال في العام الذي اغتيل فيه بحجة أنه ميال للسلام والتفاوض مع العرب: “القدس ليست مادة للتفاوض”. إذاً أمام هذا كله وأمام ما نشاهده من وحشية لا يمكننا القول سوى إن المقاومة هي الخيار الوحيد لتحرير الأرض واستعادة الحقوق، وإن خيار المقاومة يحقق الانتصارات على جميع الصعد سواءً الميدانية أم السياسية، وبما يستغرب البعض هذا الكلام متأثرين بمشاهد القتل والدمار التي تقع من قبل وحوش ومتطرفي هذا الكيان على الأبرياء في غزة، ولكن بالمقابل ما هي المعطيات التي وصلنا إليها؟ فالاحتلال الإسرائيلي يواصل حتى اللحظة محاولاته لتحقيق أي انتصار مزعوم على الأرض وتقديمه لمريديه وشارعه المنقسم والرافض للحكومة بشكلها الحالي الأكثر فساداً وتطرفاً وفشلاً في حماية “أمن إسرائيل” بعد الاختراقات التي حدثت منذ بداية “طوفان الأقصى”. ومع ذلك يفشل جيش الاحتلال في التثبيت ولو على بعد أمتار داخل غزة بعد أن تبين له أن المقاومة الفلسطينية ما زالت ثابتة في نقاطها ولها الكلمة العليا والقرار على الأرض وأن ضرب بنيتها التحتية يمكن تحقيقه فقط في أحلامه، في وقت يهرع الإعلام الغربي لإظهار ما حصل على أنه تنفيذ إسرائيلي للتوصيات الأمريكية بعدم الإقدام على اجتياح بري والاكتفاء بتوغلات محدودة في غزة، في ظل ادعاءات واشنطن الدائمة حول مساعيها لـ”لجم” خطوات حكومة “تل أبيب” المتطرّفة أو إدعاء الخلاف معها رغم تقديمها خلال ساعات من طوفان الأقصى كل الدعم المادي والغطاء السياسي وأحدث أنواع القنابل والسلاح لها.
وواضح مدى الورطة الإسرائيلية في الوقت الراهن فهي تلعب أوراقها الأخيرة من خلال إقدامها على العملية البرية رغم إداركها جسامة المخاطرة، فلا شيء بقي أمامها بعد استنفذت ما تعتبره “بنك أهداف” – لم يؤدي سوى إلى قتل آلاف الأطفال والنساء والأبرياء- دون أن يؤدي العدوان إلى تحرير أسراهم أو ضرب البنية التحتية للمقاومة التي ما زالت حاضرة عبر صواريخها ومسيراتها ورجالها المترقبين لأي حماقة قد ترتكب على أرض غزة.
ورغم وعود متكررة من “القيادة الإسرائيلية” بخوض الاجتياح البري إلا أن بضع من الساعات كانت كفيلة لتحويل الاجتياح وتبديل الإستراتيجية إلى “هجمات تكتيكية محدودة”، أو استبدال الاجتياح الواسع بسياسة “القضم”، والطامة الكبرى لهذا الكيان الغاصب تكمن في فشل كل الاستراتيجيات على الأرض التي كانت وستبقى منيعةً حتى لو بعد 25 يوماً من القصف الفاشي وقطع كل أسباب وشرايين الحياة فيها، فالمقاومة لم تمارس حق الدفاع أو الصدّ فحسب، بل ما زالت تقوم بالهجوم وحتى الإنزال خلف خطوط العدو وتحديداً داخل غلاف غزة. إذاً بالنتيجة فإن العدو الإسرائيلي في إيجاد موطئ قدم في غزة، أو في إيقاف صواريخ المقاومة الفلسطينية حتى ولو ضمن المناطق التي ادعى توغله فيها، أو إلحاق الضرر بفاعلية عمل المقاومة وأدائها.
من جهةٍ أخرى يمكننا قراءة نجاح جبهات المقاومة المتعددة في المنطقة، فصحيح أنها ربما تكون مستقلة مكانياً، لكنها تظهر ازدياداً في ارتباط إيقاع لعملياتها بشكل متدرّج ربما قد لا يتحوّل إلى “الحرب الكبرى”، لكنه يغير استراتيجياته مع ازدياد وحشية العدو في غزة، حيث تكثّف المقاومة العراقية عملياتها ضدّ القواعد غير الشرعية في الجزيرة السورية وفي العراق بشكل يومي مترافق بخسائر بشرية ومادية للاحتلال الأمريكي. أما المقاومة الوطنية اللبنانية فقد أثبتت التحامها جوهرياً وموضوعياً مع إيقاعات المقاومة الفلسطينية في غزة إلى أبعد الحدود، بشكل يلبي حجم التطورات الميدانية، حيث بدأت المقاومة على سبيل المثال بإنزال سلاح جديد لتدمير مسيّرات العدو، ورأينا سماء لبنان نظيفة من قذارة أي طائرة مسيرة للعدو، كما ازداد مدى القصف ليطال أهدافاً في نهاريا المحتلة ليؤكد أن المقاومة لديها خيارات متعددة ضدّ الكيان الإسرائيلي مغايرة لفكرة الحرب الكبرى، ويمكنها أيضاً أن تضع بنك أهداف مدنية لتذكر هذا الكيان بقواعد القانون الدولي الإنساني الذي يجب عليه أن يلتزمه وإلا سيعامل بالمثل.
أما الإدارة الأمريكية فهي ما زالت تحاول جعل الكيان الإسرائيلي يستفرد بغزة وحدها ولفت نظرها عن موضوع اقتحام الضفة الغربية، بهدف التركيز على إبادة المقاومة الفلسطينية مع حاضنتها الشعبية في القطاع كهدفٍ استراتيجي وحيد في المرحلة الراهنة، وخاصةً أن سقف التوقعات الأمريكية من هذه الحرب قد انخفض إلى حدوده الدنيا، وبدأ الهبوط التدريجي على مدرج الواقع، فغزّة عصية على الإنكسار والمقاومة لم ولن تتخلى عن موقفها أو تسمح بتنفيذ مؤامرة تهجير شعب غزة إلى سيناء أو إلى أي مكان آخر من حكومة بنيامين نتنياهو المتطرّفة ومن خلفه الإدارة الأمريكية.
إن التطور اللافت أيضاً الذي تحقق للمقاومة يكمن الآن في عملية التفاوض من قبلهم على إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين في سجون ومعتقلات الاحتلال أو بالأحرى “تبييض السجون”، وهذا إن تحقق سيعني تطوراً في نهج وأسلوب المقاومة ليس فقط في غزة، بل أيضاً في الضفة الغربية التي ستكون أمام سيناريوهات أكثر تطوراً لدفاعها عن أرضها في وجه اقتحامات الاحتلال المتكررة وسينتقل هذا الاتقاد في شعلة المقاومة بلا شكّ إلى الأراضي المحتلة عام 1948.
أما المسألة التي شكلت صفعة قوية أخرى فاجأت قادة أمريكا والغرب فتكمن في المسيرات المليونية التي جابت أمريكا وكل المدن والعواصم الغربية مطالبة بوقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة ضدّ الأبرياء والأطفال، والمطالبة بفك الحصار عنها، والتي ستكون نتيجتها في المستقبل إسقاط الحكومات والأحزاب التي تقف خلف هذا الإجرام الفاشي الأعمى وغير المسبوق على مرّ التاريخ الحديث والذي أصبحنا نشاهد معارضين له حتى ضمن يهود أمريكا ذاتهم مع انفصال واضح للأمريكيين من أصل إسباني أو لاتيني أو إفريقي ومن كل الأقليات عن قرار إدارة بلادهم وبشكل سيزيد من حدة إنقسامات الشارع الأمريكي وأزماته.
وفي تطور لافت لاحظنا تشكل تكتل ضمن الجمعية العمومية والأمم المتحدة يناصر بقوة القضية الفلسطينية وبالأغلبية، وبشكل بدأ يظهر مدى العزلة الصهيوأمريكية على المستوى الدولي، وبشكل أجبر الإدارة الأمريكية على الاعتراف الصريح بوجود معارضة قوية لسياساتها على نطاق واسع، وسنلمس قريباً تغير في النهج الأمريكي والتصريحات الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية على وجه الخصوص أو ربما تجاه جميع قضايا التحرر الوطني على مستوى. ولمسنا بالأمس ما يشبه ذلك، حيث تحدث جيك سوليفان عم “مأساة المدنيين في غزة”، كما بدأ مسؤولون غربيون آخرون يتحدثون عن “ضرورة تحييد مدنيي غزة عن القتل والدمار وتطبيق القانون الدولي فيما يتعلق بالحروب”، وهذا يعتبر شيء جديد في التاريخ القاتم للإدارات الأمريكية والغربية وربما سنسمع تصريحات تثير دهشتنا بشكل أكبر في الأيام القادمة.