ناس ومطارح عندما تختار المهنة صاحبها.. المختار.. إياس الملوحي.. زاد الخير في مشتل أبي خليل
من يعرف إياس الملوحي.. يعرف أنه يستحق هذه الجنة الصغيرة في مشتله.. سنين طويلة قضاها في وظائف و مهن متعددة ، ليستقر في المشتل أخيراً و هو يخطو في الخمسين. أول ما تعثر عليه هناك ابتسامته و هو يدرج بأصابعه سيجارته، و بصوته الأبح يرد على الاتصالات الكثيرة.. و هي في معظمها ليست اتصالات عمل.. بل هي تتمة ما بدأه قبلاً حين أعطى مهنة المختار مكانتها الحقيقية.
زواره، و من يعمل معه، من يسأل عنه، من يخاطبه.. من يسجل اسمه على جواله.. الجميع من أهالي مصياف يناديه بالمختار.. مع أنه لم يعد في تلك الوظيفية الحكومية.. مع ذلك استمر مختاراً من قبل الناس..
كيف يقوم الأشخاص العاديون ببطولاتهم المؤثرة في مجتمعهم دون ضجة و دون هالة! حكايته واحدة من تلك الحكايات لهؤلاء الناس الذين يعملون و كأن الخير فطرتهم.. و كأن زادهم هو دعاء الناس لهم.. لقد فعلتها والدته قبلاً .. المرحومة السيدة نجاح الخطيب.. حين كانت تذهب في الخمسينيات من القرن الماضي إلى القرى البعيدة لتقوم بعملها كقابلة قانونية و في أحيان كثيرة بدون مقابل. في ذلك الوقت حين لم تكن المشافي أو عيادات التوليد متوفرة، كان لخطواتها على الطرق الترابية الوعرة إلى البيوت البعيدة في أي وقت تطلب فيه، أثره على الناس.. و ها هو ابنها يخطو في ذلك الطريق المتعب .. فالمختار قد يكون مجرد موظفاً حكومياً يختم أوراقاً لمن يقصده.. لكن إياس الملوحي استطاع أن يصنع من هذا المنصب الصغير فاعليته الحقيقية.
بغمرات دفء شمس تشرين.. يبتسم و هو يتذكر أكثر من عشرة أعوام أمضاها في ( المخترة) من عام 2008 و حتى 2019 . بدأ الأمر رئيساً للجنة حي ثم وصل إلى أن يكون عضو مجلس تنفيذي لمجلس مدينة مصياف منتخباً بالغالبية. و في أحلك مرحلة مرت بها البلاد في مصياف، كان قد استلم معظم الملفات الخدمية و احتياجات المنطقة المرهقة و الملحة. وبإدارته لها استطاع أن يصنع صيته الطيب. أيضاً تمكن من دمج العمل التطوعي مع العمل الحكومي.. ومعه خرج العشرات من الأهالي لإطفاء الحرائق التي كانت تنشب في الجبل بفترات متقاربة، و معه خرجوا لإعادة التشجير.. و تكاد الصورة تبدو رمزية بهذا الشكل.. و بخاصة أنه من علق مجموع صور الشهداء على جدران الشوارع العامة في مصياف، و على نفقته الخاصة تقريباً.
و بعد ذلك… ترك المخترة !! لا يرغب أن يتكلم عن الأسباب و ليس من الصعب توقعها، فراجح كذبة المختار في فيلم بياع الخواتم كان حقيقة موجعة في واقع الحياة كصخرة لئيمة لا تستطيع الريح أن تأخذها كما فعلت في الفيلم.. ليت الحياة كأغاني و مسرحيات فيروز. عقد من الزمن تمكن فيه من خدمة الفقراء و الجرحى و ذوي الشهداء و خدمة مصياف المدينة التي تشهد شوارعها الآن قذارة لم تكن قبلاً و قد حرص بنفسه آنذاك على ترتيب حاجات هذا الأمر في البلدية. و أخيراً التفت إلى حياته الخاصة و أنشأ مشتله. وعندما ظنّ أنه يقوم بعمله الخاص و لأجل نفسه. تحول المشتل إلى مركز مخترة عفوي، لم يطلبه بل أتاه بنفسه.
و اختلطت الغراس مع ما غرسه قبلاً.. و فاحت شتل الورد و هو يتصل بالأسماء التي دونها للعائلات المحتاجة، فتصل إليه الأدعية، و قد ُفك ضيقها. فهو أكثر من يثق به المتبرعون من مغتربين و غيرهم. و مع أسماء آخر تشهد مصياف لهم باخضرار أياديهم ، يقوم بما يلزم لعون الناس في هذه الأيام القاسية الضنينة.
ليس من الصعب حشد المبادرة عند ذكر اسمه، فإياس ملهم و أب روحي لكثير من الشباب، ومرجع لكثير من الجمعيات، و له من المصداقية ما جعل كثير من الناس يودعون معه تبرعاتهم العينية و المالية، كما حدث في فزعة الأهالي في مصياف أثناء كارثة الزلزال.
مشهده في المشتل و هو يتابع ورده و غراسه مع ظله كمختار، تشرح كيف تختار المهنة صاحبها..
ميسون عمران