مجلة البعث الأسبوعية

من مرثية الحب إلى ترنيمة الحوريات.. أقدم 5 أغاني وأناشيد مكتشفة عبر التاريخ

لا شكَّ أنَّ الموسيقى بمثابة مرآة للتاريخ، فهي تحمل بين كلماتها وبين نوتاتها الموسيقيّة مجموعة غنيّة من المعلومات الاجتماعية والثقافية والدينية للشعوب القديمة، لدرجة أنَّ أسلافنا وجدوا طرقاً لكتابة كلمات ولحن الأغنية على البرديات والألواح الطينية. وهناك خمس أغاني تمّ التعرف عليها من الترانيم المسيحية إلى نشيد أقدم أبجدية عبر التاريخ.

 

– ترنيمة فوس هيلارون (ترنيمة الضوء)

منشؤها اليونان وتعود إلى أواخر القرن الثالث أو أوائل القرن الرابع الميلادي، وهي تعود لكاتب غير معروف ولكن يُعتقد أنَّ مؤلفها هو القديس باسيليوس الكبير.

وتعتبر ترنيمة “فوس هيلارون”، أو كما يطلق عليها أيضاً اسم “ترنيمة الضوء”ـ ثاني أقدم الترانيم اليونانيّة المسيحيّة بعد “أوكسيرينخوس هيمن”، ولا تزال مستخدمة على نطاق واسع من قبل الكنائس اليوم.

تمَّ توثيق الترنيمة لأول مرة في الدساتير الرسوليّة التي كتبت في وقت ما أواخر القرن الثالث أو أوائل القرن الرابع الميلادي. ويعتقد أنّ القديس باسيليوس الذي عاش بين عامي 329 و379 ميلادية هو من ألف هذه الأغنية.

ولكن موسوعة “ويكي أوكسفورد” تقول إنّ الترنيمة كانت تُغنى في الصباح والمساء وقبل وجبات الطعام وعند إضاءة الشموع.

وجاء في كلمات الترنيمة: (هلولويا، هلولويا.. أيها النور المبتهج بالمجد المقدس للآب الخالد، السماوي، القدوس، المبارك، يا يسوع المسيح.

بعد أن أتيت عند غروب الشمس، ورأيت نور المساء، ومن المستحسن في جميع الأوقات أن نحمدك بأصوات مبهجة).

 

– ترنيمة أوكسيرينخوس

نشأت في مصر ويعود تاريخها إلى نهاية القرن الثالث الميلادي تقريباً، لمؤلف غير معروف. وتعتبر ترنيمة أوكسيرينخوس أقدم ترنيمة مسيحية يونانية معروفة في التاريخ، وتمّ العثور عليها في في البردية رقم 1786 من برديات أوكسيرينخوس المكتشفة في مصر في العام 1918، وتحتوي على الكلمات مكتوبة باليونانية واللحن مكتوباً بطريقة “نوتات” النظام الموسيقي لليونان القديمة، وهي عبارة عن مدح للثالوث الأقدس.

وتقول في كلماتها: (معاً كل عظماء الله، الليل والنهار فليصمتوا، لا تدع النجوم مضيئة، أيها الأب والأبن والروح القدس، فلتجيب كل القوى، والمجد لله إلى الأبد المعطي الوحيد لكل الأشياء الصالحة).

 

– مرثية سيخيلوس

تعود مرثية سيكيلوس بتاريخها إلى سنة 100 ميلادية تقريباً، وقد انطلقت من مدينة تراليس اليونانية القديمة (تركيا حالياً)، ومؤلفها هو سيخيلوس ويقال إنه كتبها لزوجته يوتيرب.

وعلى الرغم من وجود مقطوعات موسيقية أقدم منها، فإنَّ مرثية سيخيلوس تعتبر أقدم أغنية تمّ العثور عليها بشكل كامل على الإطلاق، وقد عُثر على كلمات الأغنية منقوش فوقها نوتات اللحن المكتوبة بالنظام الموسيقي لليونان القديمة على شاهدة قبر في بلدة تراليس الهلنستية الواقعة حالياً قرب ولاية أيدن في تركيا.

والأغنية هي نوع من أنواع الحداد، ويعود تاريخ كتابتها إلى الفترة ما بين 200 قبل الميلاد حتى العام 100 ميلادي، وقد كتبها شخص يدعى سيخيلوس على شاهدة قبر يعتقد بأنها لزوجته أو ربما والدته، لتخليد ذكراها، كما أرفقها بكتابة عبارة: ” أنا شاهد قبر، صورة، وضعني سيخيلوس هنا كعلامة طويلة الأمد لذكرى بلا موت”.

وبما أنَّ النقش على الشاهدة واضح، لم يواجه الباحثون أي مشاكل في إعادة بناء لحن الأغنية أو كلماتها.

وقد تم اكتشاف مرثية “الحب الحقيقي” هذه لأول مرة في عام 1883، وتغيرت ملكيتها عدة مرات؛ لكن يتم عرضها حالياً في المتحف الوطني بالدانمارك.

وتقول كلمات الأغنية في مطلعها: “أثناء عيشك لا يوجد حزن على الإطلاق، فالحياة موجودة فقط لفترة قصيرة، والوقت يتطلب ما يستحقه”.

 

– ترنيمتي دلفي

تمَّ العثور على أول ترنيمة دلفية كُتبت إلى الآله الإغريقي أبولو في مدينة دلفي في اليونان من قبل عالم آثار فرنسي في العام 1893، وكل ما يعرف عن هذه الترنيمة أنها كُتبت في العام 138 قبل الميلاد، لكن للأسف فإن الجزء الذي يعطي اسم الكاتب غير واضح.

في حين أنّ ترنيمة دلفي الثانية هي أحدث قليلاً وقد تم تأريخها إلى عام 128 قبل الميلاد، وقد ظهر في نقش منفصل اسم الكاتب وهو ليمينوس.

ومع ذلك تشير الأبحاث الحديثة إلى أن كلا النشيدين قد كُتبا في نفس الوقت تقريباً في 128 قبل الميلاد لأداءهما في دورة الألعاب البيثية وكلتاهما مكتوبتين للآله الإغريقي أبولو.

وقد كتبت الأغنية الأولى على شكل كلمات منقوش فوقها نوتات اللحن المكتوبة بالنظام الموسيقي لليونان القديمة، بينما تستخدم الثانية الكلمات فقط.

ولسوء الحظ، كلتا الأغنيتين غير مكتملتين، لكن علماء الموسيقى بذلوا قصارى جهدهم لتجميع الأجزاء معاً لنتمكن من الاستماع إليها.

 

– أقدم أغنية في التاريخ “ترنيمة الحورية”

تعتبر ترنيمة حورية البحر، والتي تسمى أيضاً ترنيمة عبادة الحوريين، أقدم أغنية في العالم، وقد تمّ اكتشافها في خمسينيات القرن الماضي كجزء من من حوالي 36 ترنيمة مكتوبة باللغة الحرانية لكن باستخدام الخط المسماري على ألواح طينية يزيد عمرها عن 3500 عام، وذلك في مدينة أوغاريت القديمة “رأس شمرا” في مدينة اللاذقية، في حين قامت الدكتورة آن درافكورن كيلمر، المتخصصة في علم الآشوريات بجامعة كاليفورنيا، بفك رموز تلك اللغة في العام 1972.

واكتشف العلماء أنّ هذه الأغنية كانت تعزف على القيثارات، وهي آلات موسيقية كانت معروفة لدى الأوغاريتيين، وبأنها كانت موجهة إلى الإلهة نيغال التي كانوا يعبدونها في تلك الفترة وتمثل حارسة الحدائق والبساتين.

وتُعد الأغاني الحورية “أقدم أغاني في التاريخ”، وقد نُقشت بالكتابة المسمارية على ألواح طينية أثرية عُثر عليها في أوغاريت العمورية الكنعانية، وقد احتوى أحد الألواح الصلصالية المكتشفة على كامل كلمات ترنيمة الحورية التي تُمجد الآلهة “نيغال” آلهة البساتين ما جعل منها أقدم عمل موسيقي.

في عام 1957 اكتُشف في أوغاريت 36 رقيماً طينياً تحمل رموزاً تشير إلى أقدم تنويط موسيقي، وقام بفك رموز بعض هذه الرقم العالم السوري “راؤول فيتالي”، والذي قام بتحديد درجات السلم الموسيقي، حيث أطلق المنقبون على هذه المجموعة “ح” إشارة إلى اللغة الحورية التي كُتبت بها هذه الرُقم مكسرة باستثناء الرقيم”ح-6″.

وقد أشار عالم الآثار الأمريكي هانس غوتربوك إلى أن الكلمات الأكادية المكتوبة تحت النص الحوري هي نفس أسماء الأبعاد الموسيقية المذكورة في رُقُم بلاد الرافدين، وقد حملت هذه التدوينات الموسيقية العائدة لعام 1400 قبل الميلاد تضرعاً وابتهالا للآلهة “نيغال” آلهة البساتين والتي تسمى السيدة العظمى المثمرة، وقد وجِدت بشكلٍ شبه كامل ما يجعلها – بحسب المختصين – أقرب مثال للتدوين الموسيقي في العالم.

وقد تابع فيتالي ترجمته للنص الموسيقي نصاً كتابياً يحمل إرشادات لعازف آلة “الهارب” وكيفية عزف الترنيمة موسيقياً، وقد استطاع الموسيقار السوري مالك جندلي أن يضع الإيقاع والهارموني، ويعيد التوزيع الموسيقي، بعد أن حوّله إلى عمل فريد بعنوان” أصداء أوغاريت”، ثم قدم مقطوعاتها برفقة الأوكسترا الفلهارمونية الروسية، وذلك في عام 2008، حيث تدور فكرة النص الموسيقي، حول ابتهال يتحدث عبر أنشودة حزينة عن زواج إله القمر “يرخ” من الآلهة “نيغال” والذي لم يسفر عن إنجاب، فشعرت نيغال أنها ارتكبت إثماً في حياتها تُعاقب بسببه، فراحت تتضرع إلى الآلهة وتقول كلماتها المدونة بأسلوب السلم السباعي الموسيقي:

سأرمي عند قدمي الحق (أو قدمي عرشك المقدس) خاتم رصاص

سوف أتطهر؟

وأتغير من بعد الخطيئة

لم تعد الخطايا تغطيها ولا حاجة أكثر إلى تغييرها

قلبي مطمئن بعد أن أوفيتُ نذري

سوف تعزني مولاتي

ستجعلني عزيزاً على قلبها

فنذري سيغطي ذنوبي

وسيحل زيت السمسم بدلاً مني

في حضرتك اسمحي لي

إنك تجعلين العاقر خصيبة، والحبوب تعلو صعوداً

إنها الزوجة التي ستحمل الأطفال إلى أبيهم..

هي التي إلى حد الآن لم تُعطِ أطفالاً تحمِلهم.