بين قلقها على “إسرائيل” ونزعتها العدوانية.. واشنطن ترفع معدّل المخاطرة في المنطقة إلى حرب شاملة
البعث الأسبوعية – طلال ياسر الزعبي
رغم جميع التصريحات الصادرة عن الإدارة الأمريكية حول عدم رغبتها في توسيع رقعة الحرب الدائرة الآن في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن ممارساتها على الأرض تشي بغير ذلك، إذ إن قيام الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير خارجيّته أنتوني بلينكن ووزير دفاعه لويد أوستن بزيارة فلسطين المحتلة وتقديم الدعم الكامل لرئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو في العدوان المتواصل على قطاع غزة حتى الآن، يجعلها شريكاً مباشراً في عمليات الإبادة الممنهجة التي يقوم بها الجيش الصهيوني ضدّ الأطفال والنساء والشيوخ في غزة، ولولا مباركة هذا العمل وتغطيته أمريكياً بالتعاون مع بعض دول الاستعمار القديم (فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا) لما أتيح لحكومة الاحتلال أن تسترسل على هذا النحو في تدمير غزة على رؤوس أهلها لتهجيرهم مرة أخرى من المنطقة التي تم تهجيرهم إليها سابقاً.
وعلى أيّ حال، هذه السياسة التي تنتهجها الإدارة الأمريكية في منع صدور قرار من مجلس الأمن ملزم بوقف إطلاق النار إنما تؤكّد أنها تحاول منح “إسرائيل” المزيد من الوقت للإجهاز على قطاع غزة بالكامل وتحويله إلى مكان غير صالح للحياة، وبالتالي إجبار سكانه مجدّداً على اللجوء إلى دول الجوار، مع وجود رفض كامل لهذا السيناريو منذ بداية العدوان على غزة، حيث أكّدت مصر رفضها الكامل لتوطين أهالي غزة في سيناء.
على أن الإصرار الأمريكي على زيادة حدّة المخاطر في المنطقة لا يمكن أن يؤدّي في نهاية المطاف إلا إلى توسّع رقعة الحرب إلى الإقليم بأكمله، وربّما تحوّلت الحرب إلى حرب شاملة شأنها شأن الحربين العالميتين الأولى والثانية، وخاصة مع وجود جبهة أخرى مشتعلة في أوروبا، حيث أكّد مستشار البنتاغون الأمريكي السابق دوغلاس ماكغريغور، أن سياسة الولايات المتحدة المتمثلة برفع حدّة المخاطر في منطقة الشرق الأوسط قد تؤدّي إلى تدمير “إسرائيل”.
وقال ماكغريغور: “هناك كل الشروط الممهّدة لحرب كبرى للغاية. نحن نقوم بتصعيد الوضع في جميع الاتجاهات. يبدو أننا نعتقد أن زيادة حدّة المخاطر سياسة ناجحة”، مؤكّداً خشيته من ألا يتبقى في النهاية شيء من “إسرائيل” إذا استمرّت هذه الحرب الإقليمية في التطوّر.
ورغم أن الإدارة الأمريكية تدرك جيّداً أنها “تدخل في مواجهة” مع العديد من الدول في الشرق الأوسط، وأن هذا الوضع يمكن أن يؤدّي إلى عواقب كارثية، غير أنها لا تزال تنفخ في نار الحرب، محاولة في الوقت ذاته الإيحاء بأنها تعمل على منع أطراف أخرى من الدخول في هذه الحرب دعماً للشعب الفلسطيني الذي تتم إبادته على مرأى العالم أجمع، وهو الأمر الذي بدأت بوادره تظهر تدريجياً من خلال الهجمات المتكرّرة للمقاومة العراقية على القواعد الأمريكية في كل من سورية والعراق، التي وقعت فيها إصابات مؤكّدة للجيش الأمريكي هناك، كما أن هناك تحذيراتٍ من هجماتٍ قد تستهدف القوات الأمريكية المنتشرة في مضيق باب المندب والخليج العربي.
ومع إصرار الإدارة الأمريكية على دعم الكيان الصهيوني في حرب الإبادة التي يشنّها على أهالي غزة، في الوقت الذي تحاول فيه إرسال رسائل إلى أطراف إقليمية بعدم الانخراط في الحرب الدائرة الآن، فإنها على وجه الحقيقة تطلب منهم عدم التدخل في حرب تشنّها بالشراكة مع الكيان المصطنع على غزة، وبالتالي فإن الأطراف الإقليمية لن تبقى مكتوفة الأيدي إزاء ما يجري حالياً، ومن هنا فإن إرسال الإدارة الأمريكية حاملات الطائرات إلى شرق المتوسط لم يأتِ فقط “لردع أطرافٍ إقليمية عن المغامرة” بالدخول في هذه الحرب، وإنما هناك شراكة أمريكية مباشرة في العدوان على غزة، وربّما تؤمّن هذه القوات الأمريكية بالإضافة إلى المساعدة اللوجستية والاستخبارية للكيان، كثافة نارية في قصف القطاع وتدمير المنازل فوق رؤوس ساكنيها.
ومن هنا، أفاد موقع “أكسيوس” (Axios) نقلاً عن مصادر رسمية أمريكية وإسرائيلية بأن إدارة الرئيس الأمريكي تستعدّ لاحتمال توسّع رقعة الحرب في فلسطين إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط، وأنها تولي اهتماماً خاصاً لتوفير الحماية الكافية لقواتها في المنطقة.
فالقلق الحالي من التصعيد الإقليمي كان موضوع محادثة هاتفية بين وزير الدفاع الأمريكي ووزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت، حيث تعتقد أجهزة المخابرات الإسرائيلية أن المقاومة اللبنانية، ستزيد من شدّة هجماتها على الأراضي المحتلة بسبب العدوان الصهيوني على غزة، ولا أحد يمكن أن يضمن عدم خروج الأمر عن نطاق السيطرة.
ومهما حاولت الإدارة الأمريكية إخفاء دورها البارز في العدوان على غزة من خلال اشتراك جنودها مباشرة في الحرب البرية على القطاع، فإن المعطيات على الأرض تؤكّد عكس ذلك، حيث أكدت المقاومة الفلسطينية إفشالها محاولات اختراق عديدة شارك فيها عدد من قوات البحرية الأمريكية، وقعت خسائر في صفوفهم.
وتصريح كامالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي بأن واشنطن ليس لديها خطط لإرسال قوات إلى “إسرائيل” أو قطاع غزة، ربّما جاء ردّاً على تقارير تحدّثت عن مساهمة أمريكية فعّالة في الهجوم البرّي الفاشل على القطاع، حيث زعمت أن “الولايات المتحدة تزوّد إسرائيل بالمشورة والمعدات والدعم الدبلوماسي” في حربها على قطاع غزة، محاولة دقّ إسفين بين المقاومة الفلسطينية وأهالي غزة من خلال التمييز بينهما في التعامل، بينما تتم إبادة غزة عن بكرة أبيها بالصواريخ الموجّهة الأمريكية.
وفي الوقت الذي أرسلت فيه الولايات المتحدة الأمريكية حاملتي طائرات إلى شرق المتوسط لإسناد الجيش الصهيوني في عدوانه على غزة، مع الآلاف من جنود البحرية الأمريكية، أكّدت المقاومة اللبنانية أنها تعدّ الولايات المتحدة شريكاً كاملاً بالعدوان الإسرائيلي، معتبرة أن إرسال حاملات الطائرات إلى المنطقة يكشف ضعف الآلة العسكرية الإسرائيلية، ومؤكّدة أن هذه الخطوة لن تخيف شعوب أمتنا ولا فصائل المقاومة المستعدّة للمواجهة حتى تحقيق النصر النهائي والتحرير الكامل.
ولكن واشنطن استشعرت مؤخّراً أنها غير قادرة عبر هذا التصرّف على ردع الأطراف في المنطقة ومنعها من توسيع رقعة الحرب، فاضطرّت إلى نصيحة الكيان الصهيوني بالامتناع عن القيام بعملية بريّة، والقيام بدلاً من ذلك بحملة “جراحية” باستخدام الغارات الجوية وغارات القوات الخاصة لأسباب، من بينها الخسائر الكبيرة المتوقّعة في صفوف الجيش الإسرائيلي والخوف من توسيع رقعة المعركة، حيث هدّدت أطراف في المنطقة بذلك.
فقد حذر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان من أنه إذا “استمر الوضع الحالي والجرائم الإسرائيلية فإن اتساع دائرة الحرب وفتح جبهات جديدة ضد الكيان بالمنطقة وارد”، مؤكّداً دعم إيران الكامل لنضال الشعب الفلسطيني التحرري ومقاومته بهدف الحصول على كامل حقوقه الإنسانية.
وعلى هذا الأساس فإن كل الاحتمالات أصبحت واردة، وإذا لم تتمكّن واشنطن من إيقاف آلة الحرب الصهيونية في غزة، فإن جميع الأطراف في المنطقة بدأت تعدّ العدة لاتساع رقعة الحرب، وعندها لن يكون أمام الولايات المتحدة مزيد من الوقت لاستصدار قرار بوقف حرب شاملة لا يستطيع أحد التكهّن بنتائجها، لأنها على الأرجح لن تتوقّف إلا بزوال “إسرائيل” من الوجود.