مجلة البعث الأسبوعية

روميو لحود المبدع.. صانع النجوم والإنجازات

جمان بركات

زرع الفرح والبهجة أينما حلّ، مسرحياته ما بين مهرجانات بعلبك وجبيل ومسرح الإيليزيه شكلت فعل تفاؤل وإبداع مشهدي نافست ونجحت وأكدت أن صاحبها –روميو لحود- لا يقل شأناً عن كبار تلك الحقبة، فعرف له: “الشلال”، أول مسرحية احتضنتها مهرجانات بعلبك، وكرّت السبحة فقدم “ليالي لبنان”، و”القلعة” و”فرسان” و”العواصف” في مهرجانات الأرز عام 1971.

فقدت الساحة الفنية والثقافية اللبنانية منذ عدة أيام المؤلف الموسيقي والمسرحي روميو لحود الذي كان أحد رواد المسرح الغنائي اللبناني وفناناً تميز ببُعد ثلاثي مسرحي موسيقي بصري.

حارس المسرح الغنائي

ولد روميو لحود في بلدة حبالين في قضاء جبيل، درس التعليم الابتدائي في مدرسة القدّيس يوسف في عينطورة، وهناك اكتشف حبه للموسيقى على خشبة مسرح المدرسة، ثم بدأ دراسة هندسة الديكور في جامعة موزار لكنه تحول لدراسة سينوغرافي ميكانيك في معهد مونتكامودزو في إيطاليا، بدأ مسيرته المهنية الفعلية في 1964 عندما أعد أوبريت غنائي بطلب من جمعية مهرجانات بعلبك في إطار برنامجها ليالي لبنان، وفي 1969 قدّم عروضه في مسرح الأولمبيا في باريس.

أكثر من أربعين عاماً من الحضور المكثف كان خلالها ملحناً وكاتباً ومخرجاً ومصمّماً ومنتجاً وممثلاً، فاستحقّ لقب “حارس المسرح الغنائي” بتقديمه عشرات الاستعراضات الغنائية البارزة التي جال بعضها على مهرجانات عالمية مرموقة، فهو المخرج العربي الوحيد الذي دُعي إلى حفل تتويج شاه إيران ودُعي من قبل البلاط الملكي البلجيكي لتقديم حفلة في مسرح الفنون الجميلة في بروكسل.

مسيرته المسرحية الفعلية كانت في «الشلال» (1963) التي قدّم فيها تصوراً جديداً لتقديم المسرح الغنائي، فتعرّض لانتقادات واسعة لم تثبط من هزيمته، بل زادته إصراراً على المضي في خطه التجديدي الذي يقول بأنه أثبت بعد فترة صوابيّته، تنقّلت أعمال لحود على أهم المسارح العالمية والعربية، من بينها “كازينو لبنان” حيث قدّم مسرحيات “بنت الجبل” و”إسمك بقلبي” و”اوكسجين”، و”ياسمين” كذلك شارك مرات عدة في “مهرجانات بيبلوس”.

وكان لحود أحد عباقرة النغم اللبناني بتأليفه وتلحينه أكثر من 250 أغنية لا يزال كثير منها راسخاً في الذاكرة الفنية و”أحد أعمدة بعلبك” التي احتضنته شاباً وقدم فيها أعماله المسرحية الغنائية البارزة.

“موال”

قدم روميو لحود عطر شبابه الإبداعي في فن لبناني مسؤول، وكان الفولكلور اللبناني هاجسه الدائم، منه استوحى أسماء مسرحياته مثل “موال” (1965) الذي كان أول البرامج الفولكلورية اللبنانية بحسب الإعلان الذي رافق العرض، فكان روميو لحود أول من أطلق المسرح الدائم في لبنان عبر “موّالّ” الذي استمر عرضه لمدة أحد عشر شهراً، ثم قدم استعراضات “ميجانا” (1966)، و”عتابا” (1967) وهي المسرحيات الثلاث التي قدمها على مسرحه الخاص “فينيسيا” الذي اضطر إلى تركه عام 1969 بعد إعلان إفلاسه.

الإفلاس المالي في بداياته ربما كان بسبب رغبته الدائمة ألا يكون “تاجر أغنيات”، فهو لم يعتمد يوماً على الفن كمصدر للرزق، بل كان يحقق فيه شغفه وطموحه بصنع أغنيات حاضرة في البال دوماً مع تعاقب الأجيال، هو الذي كان يردد دوماً: “أنا صرفت مصرياتي على الفن وكنت ادفع من جيبتي لتمويل أعمالي”.

 

روميو وسلوى

خطوته الأثيرة كانت مع زوجة شقيقه الفنانة الراحلة سلوى القطريب التي شكّل معها ثنائياً تاريخياً، فأصبحت معه سيدة من سيدات المسرح الغنائي اللبناني بعروض مثل “بنت الجبل” و”سنكف سنكف” و”الأميرة زمرد”، و”اسمك بقلبي”، و”أوكسيجين”، و”ياسمين”، و”حكاية أمل”، وبأغنيات مثل “خدني معك على درب بعيدة”، و”على نبع المي”، و”قالولي العيد بعيوني”، و”شو في خلف البحر”، و”بدي غني”، و”يابو العبا” و”يا استاذ الأبجدية”.

وكانت مسرحيته “بنت الجبل” عمله الأكثر قرباً إلى قلبه، وربما من هذا المنطلق، أعاد إحياء المسرحية عام 2015 على “مسرح الفنون” بعد 27 عاماً على عرضها الأول، فحلّت ألين لحود مكان والدتها سلوى بدور ليزا، وكان العرض آخر أعمال روميو بعد اعتكاف طويل عن الساحة واعتراضه على هيمنة شركات إنتاجية آتية من وراء الصحراء لتفرض ذوقها وتسهم في انحدار الفن والأغنية.

وانسحب بعدها من المشهد بعدما نال العديد من التكريمات مثل وسام الأرز الوطني برتبة ضابط، وكرّمته لجنة “مهرجانات بعلبك” عام 2017 من خلال حفلة استعادية لأعماله بأصوات فنانين شباب.

روميو والفنانون

كانت خشبة روميو لحود مسرحاً لعدد كبير من أبرز الفنانين اللبنانيين، وفنانون كثر تميزوا مع ألحانه، فمَن ينسى طوني حنا وأغنيتين في رصيده استحالتا من أبرز الأغنيات الشعبية اللبنانية هما “طال السهر وليالي العيد” و”شردلي الغزالة”، وكذلك الأمر بالنسبة إلى سمير يزبك وأغنيتيه “دقي دقي دقي يا ربابة” و”ويلي ويلي من حبن ويلي يا هل الله” اللتين أحدثتا بنجاحهما الكبير من التقدير لموهبة روميو.

من سمير يزبك وإيلي شويري وطوني حنا وأنطوان كرباج، مروراً بجوزيف عازار وعصام رجي، وصولاً إلى ملحم بركات، وكان مسرحه من أكثر المسارح التي احتضنت الأسماء الوازنة في مسيرة الفن اللبناني، وقد لخّص الراحل ملحم بركات تجربته مع روميو بقوله: “العمل في مسرح روميو مشبع بالحرية”.

الشحرورة

بعد سلوى القطريب، تبقى مسيرته الأبرز مع صباح، معه أطلت الشحرورة مسرحياً للمرة الأولى على خشبته، ومع فرقته الاستعراضية وقفت على مسرح الأولمبيا في باريس لتكون بذلك أول فنانة عربية تقف على هذا المسرح العريق، ومن ألحانه غنّت عدداً من أبرز أغنياتها مثل “يا مسافر وقف ع الدرب” ومن كلماته غنت “سعيدة ليلتنا سعيدة” وقدم مع صباح مسرحيات “القلعة”، و”فينيقيا 80″، “مين جوز مين”، “الفنون جنون”.

وجوه جديدة

اكتشاف لحود البارز كان مع مجدلا-نزهة مكرزل- التي قدمها في بعلبك عام 1970 بناء على طلب من لجنة المهرجانات بالابتعاد عن تكرار الوجوه ورغبتها في تقديم فنانة جديدة بعد فيروز وصباح.

تصدى روميو للمهمة وكانت مجدلا التي سمعها ترتّل في الكنيسة، فقدمها في مسرحية “الفرمان” (1970 تأليف الشاعرة نادية تويني) بمشاركة الممثلين أنطوان كرباج، جوزيف عازار، سمير يزبك، نبيه أبو الحسن، شوشو، عصام رجّي، فرقة “كركلا”، وأبرز ما غنت مجدلا وقتها من ألحانه كان “يا أحلى من السفر” و”عالدرب البعيدة”.

حبة الفن الجميل

صفحة من تاريخ الفن اللبناني طويت مع رحيل روميو لحود (1930 ـــ 2022)، صاحب الأثر الكبير في صياغة جديدة للفولكلور اللبناني وقولبته في إطارات تعرّضت لبعض الانتقادات ثم أصبحت راسخة في المشهد الفني المحلّي، وشكل رحيله آخر حبة من عنقود الفن الجميل مقفلاً ستائر مسارحه عله يجتمع بسلوى بمسرح السماء.