أسعار مواد البناء تسبق سعر الصرف وتضخم قيمة العقارات هو الأبطأ قياساً بغيره
دمشق – ريم ربيع
رغم الركود والشلل الذي أصاب سوق العقارات منذ أعوام، وتراجع الطلب إلى الحدود الدنيا مقابل عرض جيد، إلا أن الأسعار آخذة بالارتفاع وتسجيل أرقام قياسية جديدة، تارةً نتيجة ارتفاع أسعار مواد وتكاليف البناء، وتارة أخرى نتيجة ارتفاع سعر الصرف، وغيرها من الأسباب التي أقصت حلم الحصول على منزل من اعتبارات أغلبية السوريين المتخوفين اليوم من انضمام الإيجارات حتى إلى قائمة المستحيلات، أمام ارتفاع قيمتها التي لم تنجُ منها حتى مناطق العشوائيات ذات الخدمات الرديئة!
لكن ورغم كلّ الشكاوى والاعتراضات، ووصف الشارع لأسعار العقارات بالخيالية، إلا أن المشكلة، بحسب محمد الجلالي، الدكتور في الاقتصاد الهندسي، تتركز بالقدرة الشرائية أولاً، فأسعار العقارات مرتفعة بالقياس إلى الدخل العام، وليس التكلفة الحقيقية، إذ إنها أقل من تكلفتها، ولم تواكب التضخم بنفس سرعة ارتفاع سعر سلع غذائية مثلاً، أو ارتفاع سعر الذهب والدولار، وبالتالي فهي متدنية مقارنة بأسعار ما قبل الأزمة، وما يجب التركيز على معالجته فعلاً هو مستوى الدخل، ليصبح موازياً للمستوى العام للأسعار.
وأضاف الجلالي أن نسبة ارتفاع التكاليف من مواد بناء وإكساء، أكبر من نسب ارتفاع أسعار العقارات، فإن ارتفعت أسعار المواد 100% يرتفع سعر العقار 50% على سبيل المثال، والسبب أن سعر العقار يحكمه عاملا العرض والطلب، وحالياً العرض موجود، لكن الطلب يتأثر بشكل أساسي بالدخل المنخفض حتى بالنسبة للقطاع الخاص، مضيفاً أن هناك ركوداً بحركة البيع والشراء، وعدد المعروض أكبر بكثير من الطلب.
وعن سبب عدم تأثر السعر بانخفاض الطلب مقابل العرض، بيّن الجلالي أن السعر لا يتأثر نتيجة وجود مستوى عام مرتفع للأسعار، وقدرة شرائية منخفضة لليرة، أما بالقياس للقطع الأجنبي، فالقيمة التي لم تكن كافية لشراء عقار قبل الأزمة، أصبحت اليوم تشتري عقاراً أو أكثر، مضيفاً أنه لا يمكن المقارنة بدول أخرى، لأن هناك خللاً تنظيمياً وتخطيطياً لدينا، إذ يوجد أشكال مختلفة للملكية، وفروق أسعار كبيرة فيما بينها ضمن المدينة الواحدة، فيمكن أن نرى شققاً في أحياء محدودة جداً أغلى من دول أخرى، لكن لا تعمّم هذه الحالة.
أما بالنسبة للاستثمار، فقد رأى الجلالي أنه بحاجة مناخ وسهولة إدخال وإخراج القطع، فالاستثمار الكبير غالباً ما يأتي من مصادر خارجية تحتاج بيئة ملائمة، ورأس المال معروف أنه جبان يحتاج تطمينات، لذلك نرى وتيرة بطيئة بالبناء بسبب ضعف التمويل، مؤكداً أنه لا يمكن الحديث عن حلّ لمشكلة العقارات بمعزل عن الوضع الاقتصادي العام، من استقرار سعر الصرف، ومعالجة التضخم وسيطرة كاملة للمركزي، وتسهيل دخول وخروج الأموال، وإلغاء العقوبات.
وأوضح الجلالي أن ارتفاع أسعار مواد البناء أسرع من ارتفاع سعر الصرف، فضلاً عن تكاليف النقل، فطن الحديد أصبح بـ12 مليون ليرة، والبلوكة الواحدة 5000 ليرة، فيما لم يؤثر الرفع الرسمي لأسعار الاسمنت، لأن السوق سبقت هذا السعر منذ مدة طويلة.
بدوره الخبير العقاري الدكتور عمار يوسف رأى أن السبب في عدم التناسب بين أسعار العقارات وتكاليف مواد البناء يعود لمعيار موقع العقار، فالموقع يرفع السعر أكثر بأضعاف مضاعفة من تكاليف البناء التي أصبحت هامشية إلى حدّ ما، إذ هل يمكن مقارنة عقار بالمالكي مع آخر بالمساحة نفسها في المزة 86 يتمّ إنشاؤه اليوم؟.
وأضاف يوسف أن المنعكس السعري لزيادة مواد البناء 100% قد يكون 300% في المناطق “الراقية”، وأقل في غيرها، مؤكداً أن أساس المشكلة يتمثل بانهيار القدرة الشرائية لليرة السورية، فحركة البيع والشراء متوقفة بشكل كامل، ومن يبيع هو شخص مضطر إما للشراء بمكان آخر أقل سعراً ليستفيد من فارق السعر بمعيشته، أو بهدف السفر، ولن يكون هناك تنشيط للبيع والشراء، أو تحريك هذا الركود إلا بتعزيز القدرة الشرائية للمواطن. ورأى يوسف أن الاستثمار بالعقارات صحيح، لكن الغالبية اليوم أصبحت تتوجّه لاستثمار سيولتها بالذهب أو بالقطع بدلاً من العقارات، لأنه رغم ارتفاع سعر العقار بالليرة إلا أنه ينخفض بالدولار والقدرة الشرائية للذهب، مشيراً إلى أنه بالنسبة للإيجارات فالحركة مستمرة ونشطة لاضطرار الكثيرين للاستئجار، لكن أصبحت الأسعار مرتفعة بشكل غير مسبوق.