“الباب”.. على خشبة مسرح القباني
يستعدّ المخرج المسرحي غسان الدبس لتقديم عرضه المسرحي الجديد “الباب” تأليف ياسر آل حسن، اعتباراً من اليوم الأحد على خشبة مسرح القباني بدمشق، بمشاركة مجموعة من الممثلين الشباب من خلال نص يراه المخرج منسجماً مع الظروف المحيطة بنا والتي تقف عائقاً أمام أحلام الكثيرين، ليطرح مجموعة من التساؤلات حول الأحلام وإمكانية تحقيقها إن توفرت المفاتيح بين أيدينا والعقبات التي تحول دون تحقيقها في ظل وجود من يتاجر بالأحلام، مسلطاً الضوء أيضاً على العنف الذي يُمارَس على الرجل والمرأة معاً.
وجبة فنية بامتياز
لم يتردّد غسان الدبس في هذا العرض في التعامل مع ممثلين طموحين لديهم شغف وهاجس العمل في المسرح والذين ينتظرون فرصة للتعبير عن هذا الشغف، مؤكداً في الوقت ذاته أنه وإن تبنّى هؤلاء الشباب، إلا أنه تعامل معهم كممثلين محترفين ليعطيهم فرصة التعبير عن طاقاتهم وإمكانياتهم، مع تأكيده أنه ليس مدرباً، وهم ليسوا في ورشة إعداد ممثل، وإن كانت التوجيهات وآلية الملاحظة برأيه مختلفة بين الهاوي والمحترف. ورأى الدبس أن أهم تقنية لإيصال فكرة أي عمل بالنسبة لأي مخرج هي الممثل، فهو الآلة الحيّة التي عن طريقها يتمّ إيصال المعلومات، لذلك أتاح المجال لكل الممثلين لتقديم اقتراحاتهم، ومن خلال الحوار الدائم معهم تمّ التوصل لما يريده الجميع، مع إشارته إلى أن المخرج في النهاية هو القائد الذي يوحّد الرؤى ويضبط الحالة العامة للعرض، لأن الممثل قد يشطح بخياله أحياناً بعيداً عن الفكرة والسياق العام للعمل، فتكون مهمته كمخرج ضبط ما يقوم به وقيادته نحو المسار الصحيح، مع إيمانه أن نجاح أي عمل يتوقف على جميع المشاركين فيه لأن العمل في المسرح عمل جماعي، يشارك فيه الكاتب والمخرج والممثل والعناصر الفنية جميعها، وبمقدار ما يكون عمل هؤلاء صحيحاً يتمّ تقديم وجبة فنية بامتياز. أما حضوره كممثل في عرض من إخراجه فسببه أنه ممثل قبل أن يكون مخرجاً، وهو في هذه الحالة يعمل ضمن حيّز الشخصية، ولكن مع وجود عين تراقب ما يقوم به لأنه مؤمن أنه وإن كان مخرجاً فلابدّ من وجود عين تراقب ما يقوم به على الخشبة.
قراءة مختلفة للنص
ويبيّن الدبس أن اعتماده على نص لكاتب سعودي لا يعني عدم وجود نصوص محلية جيدة، ولكن ما حدث أنه التقى بالكاتب الذي قدّم له مجموعة من النصوص التي كتبها، وقد أعجب بنص “الباب” لأنه شديد التعبير عما نعيشه اليوم من ظروف تتلاشى فيها الأحلام حتى لو كانت بسيطة، مشيراً إلى أنه وكما هو مؤمن بأن تعامل المخرج مع الممثل حالة صحية، كذلك كانت علاقته مع الكاتب قائمة على الثقة، حيث لم يتدخل كمخرج بالنص إلا بمقدار ما يتطلّب عمله كمخرج له الحق في تقديم قراءة مختلفة للنص الذي كتبه الكاتب، مع احترام الفكرة الأساسية وعدم خدشها، لذلك لم يبتعد عن النص أثناء العمل على الخشبة ولا حتى في عملية الإعداد له والتي اقتصرت على تقديم الرؤية البصرية التي تتناسب مع النص وفكرته الأساسية التي لم يحاول الدبس نسفها كما يفعل بعضهم لأنها نتاج فني بذل فيه الكاتب الجهد والتعب والوقت، مع عدم تردّده في أي وقت من الأوقات في التواصل مع الكاتب ومناقشته في أي إشكالية صادفها، وإشارته إلى أن هناك كتّاباً يعتبرون النص مقدّساً، وهذا أمر غير صحيح لأن العمل المسرحي يقوم على تقديم رؤية بصرية سمعية، وبالتالي يجب أن يكون الكاتب والمخرج شريكين لإيصال النص إلى برّ الأمان. أما اختلاف البيئات باعتبار أن النص سعودي فلم يكن عائقاً بالنسبة للدبس، فمعاناة المرأة مثلاً والتي سلّط العرض الضوء عليها تكاد تكون واحدة وإن اختلفت البيئات، وما يُمارَس على المرأة في جميع أنحاء العالم يكاد يتشابه.
حالة غير صحية
يؤمن غسان الدبس أن إبراز عضلات المخرج أمام الفكرة حالة غير صحية، فالمخرج يجب ألا يبرز عضلاته على حساب النص، لأن النص الجيد يرفع مستوى العمل، وإبراز العضلات برأيه يجب أن يقوم على فهم النص بشكل أساسي لتقديم عمل متكامل وجيد، وهذا يستوجب ضبط الأنا العليا إن تفاقمت لدى المخرج من أجل العمل من خلال العلاقة الجيدة بينه وبين الكاتب.
مسرح الطفل
لا يخفي غسان الدبس -الذي اعتاد على تقديم الأعمال المسرحية الموجّهة للطفل-أن هاجسه ومشروعه الأساسي هو مسرح الطفل، وأن في جعبته نصوصاً كثيرة ينتظر نقلها إلى خشبة المسرح، مؤكداً أن مقوّمات العمل في مسرح الطفل أصعب بكثير من مسرح الكبار، وأن مسرح الأطفال يحتاج إلى إبهار كبير يوازي إبهار التلفزيون والتقنيات التي يتابعها طفلنا اليوم، وبالتالي فإن المخرج الذي يريد أن يتوجّه للطفل يجب أن يُقدّم عملاً لا يقلّ عن مستوى ما يشاهده اليوم عبر الوسائل الكثيرة المتاحة بين يديه، وإلا فإن الثغرة ستكون كبيرة بين هذه الأعمال والطفل الذي يجب ألّا نستهين بذكائه، لذلك يبرّر الدبس لبعض الممثلين رفضهم العمل في مسرح الأطفال الذي يحتاج إلى دراسة خاصة نفتقد إليها، والتي يجب أن ترمّم عبر دورات توجّه للممثلين الذين يعملون في هذا المسرح لتأهيلهم وإعدادهم للعمل بشكل صحيح فيه، لأن التوجّه للأطفال يختلف على صعيد التمثيل والحوار، وهنا تبرز صعوبة العمل فيه برأيه، لأن أي إشارة للطفل يجب أن يتمّ التفكير بها كثيراً، خاصة وأنه مقلد في فترات عمرية معينة.
الجمهور شريك حقيقي
يوضح الفنان مجد مغامس المشارك كممثل في المسرحية أن النص أغراه كثيراً لأنه يحفّز الخيال والطاقات لدى الممثل، خاصة وأنه يطرح العديد من الأفكار والإشكاليات والتساؤلات، مشيراً إلى أن أهم ما يميّز عرض “الباب” أنه يطرح المشكلة دون حلّ لخلق حوار داخل الصالة لإيجاد حلول قد تكون أفضل من تلك التي قد يقدّمها العرض، وبهذا يتحول الجمهور برأيه إلى شريك حقيقي بدلاً من أن يكون مجرد متلقّ مستسلم لما يقدمه العرض كما في كثير من العروض.
ويبيّن الفنان علي عهد إبراهيم الذي يجسّد دور الموظف حسون أن المسرح إسقاط لهواجسنا وأحلامنا في الحياة، ومسرحية “الباب” تتحدث عن هذه الهواجس والأحلام وكيفية الوصول إليها، مع الإشارة إلى الظروف القاسية التي تحيط بها في بعض الأحيان ودور المتاجرين بعدم تحقيقها، ويرى أن أهم ما في هذا العمل أن الممثل فيه لا يحتاج لصياغة أي فرضية لتوجيه رسالته لأنه يعيش ما يطرحه العرض الذي يتحدث عن بعض أحلامه. وعبّر إبراهيم عن سعادته بوجوده فيه كأول عمل احترافي بعد مشاركته في ورشة عمل أشرف عليها المخرج مأمون الخطيب.
في حين يشير الفنان حاتم أتمت الذي يجسّد دور السمسار في العرض إلى أن وجوده ضمن العرض، وهو خريج كلية الصيدلة وشغوف بالمسرح، تجربة مهمّة بالنسبة له، خاصةً وأن ما يطرحه العمل يشبه حالته كشابّ درس في كلية الصيدلة، إلا أن حلمه كان العمل في المسرح الذي اكتشف على خشبته مقدار الجهد الذي يبذله الممثل في الوقت الذي يستسهل فيه البعض العمل فيه، والذي يحتاج إلى مجهود نفسي وروحي وجسدي، موجهاً الشكر للمخرج الذي وجّهه بشكل صحيح عبر ملاحظاته التي طوّرت أدواته التي تعرّف عليها ضمن الورشة التي شارك فيها بإدارة المخرج مأمون الخطيب.
يُذكر أن مسرحية “الباب” من إنتاج مديرية المسارح والموسيقا، الممثلون: رغد سليم، علي عهد إبراهيم، مجد مغامس، حاتم أتمت، غسان الدبس.
أمينة عباس