قيادات الغرب المتوحّشة
عبد الكريم النّاعم
بداية أوضّح أنّ التوحّش الذي نعنيه هو توحّش الجشع البشري، والأنانيّة، والنّهب الذي لا يشبع، وهو أشدّ شناعة ممّا توصف به الحيوانات المفترِسة من وحشيّة، فالحيوان لا يفترس إلاّ وهو جائع، فهو مدفوع بضغط الغريزة المركَّبة فيه، أمّا قيادات الغرب فإّنّها ينطبق عليها القول القرآني الكريم “كلّما امْتلأتْ تقول هل مِن مزيد”؟!!
كما أُشير إلى أنّ المعنيّ بالتوحّش هو “قيادات” الغرب، لا شعوبه، فالشعوب متشابهة في العديد من الخصائص البشريّة، بحكم تكوينها البشريّ، ولو قلْنا غير ذلك، لانْزلقنا إلى مهاوي الزّعم الصهيوني التّلمودي الذي يدّعي أنّ الصهاينة هم “شعب الله”، وأنّ بقيّة الناس خُلقوا على صورة البشر ليليقوا بخدمة بني إسرائيل!!.. زعْمٌ تدعمه قيادات الغرب بكلّ ما أُوتيتْ من قوّة، لا لأنّها تستخدمه تارة، ويستخدمها أخرى فحسب، بل لأنّه يشبهها في العمق، فهو مرآتها التي ترى فيها صورتها.
يُلاحَظ في كلّ خروج للغرب الأوروبي، ثمّ الأمريكي، أنّ في هذا الخروج كارثة بشريّة، ففي القرون الوسطى خرج الأوروبيّون تحت شعار الصليب لتحرير القدس من أيدي (الكَفَرة)!! ودامت الحروب ما يقرب من مئتي سنة حتى تمكّن شعب هذه البلاد من دحْر ذلك الغزو، وكان ثمن ذلك الكثير الكثير من الدماء، والخراب، والعذاب.
حين خرج الأوربيّون باتجاه الأرض الجديدة التي اكتشفها بالمصادفة كولومبس، كانت البداية اجتثاث شعب تلك البلاد التي سُمّيت فيما بعد باسم أمريكا، فأبادوا سكانها، ودمّروا حضارة ما يزال المؤرِّخون المنصفون يتحدّثون عن تقدّمها الإنساني، وعن رُقيّ مجتمعاتها، وظلّت بذرة الإبادة تسري في دماء الكثيرين من القادة فيها، والذين جاؤوا فيما بعد، وسيستمرّ ذلك حتى تأتي ظروف يتفشّى فيها الضعف في ذلك الجبروت الظالم المُظلم، ويمكن أن نُلاحظ هذه الروح في كلّ ما خلّفتْه أمريكا خارج بلادها، فهي لم تترك إلاّ الخرائب، والأحزان والمآسي، فيوم ألقتْ قنبلتها الذريّة على اليابان، كانت اليابان قد أعلنت استسلامها، فلماذا ارتكاب تلك الجريمة إلاّ تلبية لروح التوحّش، الذي لا تردعه إلاّ القوّة؟!!
– لا بدّ من التأكيد على أنّ قادة الغرب الأوروبي يتحمّلون قسطاً أخلاقيّا وازناً في ارتكاب الجرائم الأمريكيّة، حيث وُجدت، لأنّهم ارتضوا أن يكونوا ذيلاً ذليلاً تابعاً لإرادة واشنطن، وأبرز دليل على ذلك موقفهم مما يجري في فلسطين، وفي أوكرانيا، فهم رغم تضرّرهم، ورغم أنّهم واجهوا شتاءً قاسياً، وأنّ نسبة التضخم في بلدانهم بدأت تظهر نتيجة ذلك الانحياز.. رغم ذلك يصرّون على التبعيّة المجرمة الآثمة!!
المؤكَّد أنّ المؤرّخين سيحتاجون إلى صحائف سوداء واسعة لتسجيل المخازي التي خلّفها الأمريكان حيث حلّوا، فأحداث فيتنام، رغم ما تراكم عليها من تتالي الأحداث التي تكاد لفظاعتها تُنسي ما قبلها.. رغم ذلك لا تزال ماثلة في الذاكرة الإنسانية، وما فعلوه في أفغانستان لا تزال رائحته تزكم الأنوف، وما ألحقوه في العراق في الحربين اللتين شنّوهما عليه، سيظل دخانه ما دامت آثاره، وهي ما زالت تتفاعل، وليست مجزرة العامريّة إلاّ واحدة من مئات تركها التوحّش الأمريكي فيه، وما فعلوه في الشمال الشرقي السوري ما تزال نكباته تتلاحق، وهم يسرقون نفطه، ويجنون خيراته، وكأنّهم يمارسون واحدة من ألعاب القمار المضمونة!!
أمّا ما يجري في أرضنا المحتلّة فوق أرض فلسطين فهو من أوسع آفاق التوحّش الغربي، لأنّ ما يجري من تدمير وإبادة لشعب غزّة، على يد الصهاينة، هو بموافقة ودعم من قيادات الغرب المتوحّشة، مستفيداً من صمت بعض (حكام العرب) المتواطئين.
لا يفلّ الحديد إلاّ الحديد…
aaalnaem@gmail.com