دراساتصحيفة البعث

الصين تتمسك بعدالة القضية الفلسطينية

عناية ناصر

إن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قضية معقدة أخلاقياً، فالفلسطينيون في غزة في حالة يرثى لها، ويعانون من العنف التعسفي من قبل “إسرائيل”. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بـ”الحق في الدفاع عن النفس”، فإن لـ”إسرائيل” التي تحظى بدعم الولايات المتحدة حججها الخاصة.

يمكن القول إن ازدواجية المعايير هي السائدة في العالم، وجميع الأطراف تعترف بالمبادئ الأخلاقية الأساسية، ولكنها تعطي الأولوية لما هو مفيد لنفسها وتترك ما هو ليس كذلك، ولا تزال الحضارة الإنسانية تفتقر إلى العمق، والقوة، وليست الأحكام القيمية التي تصدرها الأغلبية هي التي تحدد الأخلاق.

إن الولايات المتحدة تتربع على قمة القوة العالمية، الأمر الذي يمكنها من قيادة العالم الغربي والسيطرة على أغلب آليات الرأي العام العالمي. أما فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن الولايات المتحدة و”إسرائيل” تقفان جنباً إلى جنب لحماية مصالح الأقوياء، وتحديد ما هو عادل وما هو شر. ولا يتوافق تعريفهما إلا جزئياً مع وجهة نظر المجتمع الدولي وأوروبا، باعتبارها في المعسكر نفسه مع الولايات المتحدة، قد تنازلت إلى حدّ ما عن موقفها الأخلاقي، ولكنها ما زالت تحتفظ ببعض التحفظات، الأمر الذي أدى إلى نشوء الجدل حول دعم الموقف الإسرائيلي. أما بالنسبة لموقف الصين من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن الصين تدعم العدالة الحقيقية، التي تشمل تعزيز الجهود الإنسانية العاجلة، ومعارضة أي عنف، ودعم “حل الدولتين” الذي أقرّته غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والمساعدة في الحفاظ على التوازن بين الجوانب المختلفة للعدالة التي تسعى إليها مختلف الأطراف.

ليس للصين مصلحة خاصة في الشرق الأوسط، وعملية تعزيز العدالة هي أيضاً عملية تحقيق المصالح الوطنية، حيث كانت المصالح الوطنية للصين مرتبطة دائماً بالمبادئ الأساسية للتعايش السلمي والمنفعة المتبادلة والمساواة في المجتمع البشري. وعلى المستوى الدولي، هناك أصوات غير راضية عن الصين، وخاصة من “إسرائيل” والمتشددين في الولايات المتحدة الذين يدعمون “إسرائيل” دون قيد أو شرط، لكن هذه الأصوات ليست قوية بشكل خاص.

لقد أكسب موقف الصين من أزمة غزة الفلسطينيين المزيد من الاحترام والتفهم في العالم، وهو ما يعدّ بالتأكيد نتيجة إيجابية. فهناك موقف متميز داخل الرأي العام الداخلي في الصين تجاه جانبي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث يتعاطف معظم الناس مع فلسطين وينتقدون “إسرائيل” بشدة.

لقد كانت “إسرائيل” متغطرسة، لكنها تعرضت هذه المرة لضربة قاسية وانتقمت بطريقة فوضوية. وإذا نظرنا إلى أغلب الدول الأوروبية، يمكن رؤية وبسهولة أنها تواجه جميعها تحديات جيوسياسية خارجية وركوداً اقتصادياً داخلياً، الأمر الذي يؤدي إلى ارتباك استراتيجي.

وإذا نظرنا إلى العالم ككل، من الولايات المتحدة إلى أي دولة أخرى، فسنجد أنهم جميعاً مبتلون بالمشاكل، وأساليبهم في التعامل مع المشاكل في الغالب بسيطة ومتهورة، مع العديد من المخاطر الخفية.

وبالمقارنة مع الصين، صحيح أن الشعب الصيني يواجه تحديات، لكن الصين تمتلك وسائل وأدوات وفيرة نسبياً للتعامل معها، وسيطرتها الإستراتيجية الشاملة قوية. حالياً، الحربان اللتان تجريان في العالم بعيدتان نسبياً عن الصين، وإذا ما كان الوضع في شرق آسيا سيتصاعد أم لا، فإن ذلك يعتمد على سلسلة من الألعاب المعقدة، وبإمكان الصين أن تأخذ زمام المبادرة الإستراتيجية في هذه الألعاب.

إن هذا العالم لديه مبادئ راسخة، ولكن هذه المبادئ غالباً ما تستخدم بشكل انتقائي، والعالم ككل لا يزال “غير معقول”. إن الصين تتمتع بالقدرة على الدفاع عن مصالحها الأساسية، ولكن توسيع مصالحها يتطلب حكمة، وتحتاج أيضاً إلى تعزيز قوتها، وهو الأمر الأكثر أهمية. إن كون الصين أكثر قوة يعادل اتخاذ خطوة أخرى إلى الأمام في التفكير الاستراتيجي، لذلك سيكون لدى الصين فهم أوضح لمنطق العمليات العالمية وستوجد طريقاً أكثر فعالية لحماية أمنها بما يتماشى مع التغيرات العالمية.