دراساتصحيفة البعث

تسليح المستوطنين.. نتنياهو يحول الكيان الصهيوني إلى ميليشيا كبيرة

د. معن منيف سليمان

توظّف “إسرائيل” عملية طوفان الأقصى لتسليح مستوطنيها، حيث تشهد مراكز التدريب زيادة غير مسبوقة في طلبات التدريب على السلاح، ومن شأن هذا القرار الصادر عن المجلس الوزاري الإسرائيلي، تمكين الآلاف من المستوطنين من امتلاك السلاح واستخدامه ضدّ الفلسطينيين بتغطية رسمية، تشرّع عمليات القتل والتصفية خارج القانون.

تسبّبت معركة “طوفان الأقصى” في إثارة الرعب والخوف الشديد بين شرائح واسعة من الإسرائيليين، وليس فقط بين أولئك الذين يعيشون بالقرب من الحدود أو في المستوطنات بالضفة الغربية والقدس المحتلتين.

وفي ظلّ انعدام الأمن والأمان، شجّعت الأذرع الأمنية الإسرائيلية على إقامة 600 فرقة حراسة مدنية بالبلدات اليهودية البعيدة عن مناطق الأعمال الحربية، وهو ما حفّز الإسرائيليين على التسلّح والتقدّم بطلبات للحصول على رخصة لحمل السلاح.

ومن أجل زيادة عدد المسلحين المرخصين، والإسراع في عملية تسليحهم، سارعت وزارة الأمن إلى إلغاء الشروط المقيّدة وتوسيع شروط الحدّ الأدنى لإصدار ترخيص حمل السلاح ومنح التسهيلات لاستصدارها، وتقصير مدّة فحص الطلبات.

ووفقاً للتقديرات التي استمعت إليها لجنة الأمن، فإن اللوائح الجديدة تعني أن نحو 400 ألف إسرائيلي إضافي سيكونون قادرين على التقدّم بطلب للحصول على رخصة سلاح.

يأتي هذا القرار، في ظلّ ظاهرة انتشار الميليشيات المسلّحة بين المستوطنين التي أصبحت تهدّد الفلسطينيين في الضفّة الغربية المحتلة وأراضي الـ48. ومن بين هذه المجموعات، برزت ميليشيا “لا فاميليا” اليمينية المتطرفة.

كما لوحظ مؤخّراً، حضور لافت لمنظمة “لاهافا” العنصرية التي تتبنى مبادئ وشعارات معادية للفلسطينيين بهدف ترهيب المقدسيين، إذ تسعى هذه المنظمة إلى التضييق على السكان العرب وضرب مصالحهم الاقتصادية.

إن طبيعة الميليشيات المسلّحة والظروف التي نشأت فيها، وخلفية قائدها وزير الأمن إيتمار بن غفير، وأخيراً تطور مشهد الصراع عقب “طوفان الأقصى”، سيدفع بلا شك باتجاه تعزيز خطط تسليح المستوطنين، وخلق مجتمع حرب إسرائيلي، في مواجهة الشعب الفلسطيني.

ويتزامن تكثيف تسليح المستوطنين في الضفة ومحيط غزة، ومناطق الـ48، مع توجّه حكومة الكيان الصهيوني لتهجير سكان غزة، وإعلانها الصريح لذلك، وهو المخطّط الذي تحدّته فصائل المقاومة، ورفضته دول المنطقة.

وشرع جيش الاحتلال الإسرائيلي، منذ يوم 7 تشرين الأول الماضي، في تنفيذ مخطّط لإخلاء غزة من سكانها، من خلال دكّ أحياء بكاملها على ساكنيها، ودفع السكان للنزوح إلى الجزء الشمالي من القطاع.

وظهر رئيس وزراء “إسرائيل” مؤخّراً في مقطع فيديو وهو يؤكّد أن حكومته ستعمل على تسليح مواطنيها للدفاع عن أنفسهم، من خلال توفير كميات من السلاح عبر استيرادها من الخارج، قائلاً: “نحن نساعد السكان من أجل التسلّح لكي يدافعوا عن أنفسهم”.

إن الحكومة الإسرائيلية تريد من خلال هذا التسليح أن تحوّل كل “إسرائيل” إلى ميليشيا كبيرة، في مواجهة الفلسطينيين، ثم في لحظة ما سيقود هذا الاحتكاك والتوتر إلى أن تصفي الميليشيا الكبيرة المسلّحة الوجود الصغير الأعزل المتبقي من الفلسطينيين. هذا المشروع قائم على أساس عدم الاعتراف بحق العربي في الوجود في هذه البلاد، وملاحقته، ليس فقط من خلال الإجراءات العنصرية والقوانين، بل أيضاً من قبل الوجود الفردي كناس عاديين.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن إيديولوجية الحكومة الإسرائيلية الحالية تؤمن بتسليح المجتمع الإسرائيلي والمستوطنين وتمكينهم من رفع سطوتهم على المجتمع الفلسطيني، مع التذكير بأن حكومة نتنياهو أتت في ظلّ حملة انتخابية حملت شعارات واضحة وهي: الاعتداء، والمساس، وتضييق هامش العمل السياسي لكلّ ما هو فلسطيني. وعليه فإن هذه الخطوة قد تهدّد الوضع القائم عسكرياً، ويمكن أن تؤدّي إلى مواجهات بين الفلسطينيين والمستوطنين، ولاسيما في الضفة الغربية.

ولقرار تسليح المستوطنين خطورة كبيرة على حياة الفلسطينيين في الضفة والقدس المحتلة، فهو يأتي بمثابة ضوء أخضر يمنح المستوطنين ارتكاب جرائم قتل وإعدام ميداني لأيّ فلسطيني ودون أيّ عقاب أو مساءلة قانونية، وخاصة في ظلّ التحريض عبر خطاب الكراهية المستمر، ما سيحوّل الاحتكاك اليومي مع الفلسطيني إلى نزوة إسرائيلية، وبالتالي يصبح كلّ إسرائيلي يشعر بأن لديه رخصة لقتل الفلسطينيين.

وتصاعدت اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية، بعد عملية “طوفان الأقصى”، وخلال شهر تشرين الأول، ووصلت إلى القتل بدمّ بارد. فقد استشهد شاب فلسطيني برصاصة في صدره أطلقها مستوطن في بلدية الساوية بنابلس. وكان مستوطنون قد توعّدوا فلسطينيي الضفة الغربية المحتلة بـ”نكبة كبرى” جديدة على غرار ما حدث عام 1948 “بما في ذلك القتل والتهجير”، عبر وضع منشورات على مركبات المزارعين الفلسطينيين قرب بلدة ديراستيا، شمال غرب سلفيت.

أما في القدس، فقد اقتحم عشرات المستوطنين باحات المسجد الأقصى في المدينة المحتلة مرّات عدة خلال هذا الشهر، وسط تشديد قوات الأمن الإسرائيلية الإجراءات الأمنية على أبواب المسجد ومنعها المصلين من الدخول، في وقت كان المستوطنون يؤدّون شعائراً تلمودية في ساحات المسجد الأقصى وأجروا جولات استفزازية.

كما تضمّنت اعتداءات المستوطنين، حرق وتكسير عشرات مركبات ومنازل الفلسطينيين بحماية جنود الاحتلال في بلدات ومناطق عدة بالضفة الغربية. وشملت اعتداءات المستوطنين بالضفة الغربية في استغلال هذا الوضع بدخول القرى وإرهاب المزارعين الفلسطينيين وطردهم من أراضيهم بتصعيد الاعتداءات، التي تزامنت مع بدء موسم قطاف الزيتون الذي يقبل الفلسطينيون عليه في مثل هذا الوقت من كل عام.

وبحسب منظمات حقوقية، فإن المستوطنين يستغلون حقيقة أن الاهتمام المحلّي والدولي يتجه نحو غزّة، لمواصلة طرد السكان الفلسطينيين من التجمعات الرعوية في المناطق المعزولة في الضفة الغربية، وإحدى هذه المناطق، هي وادي السيق، الواقعة قرب رام الله، وكانت موطناً لمجتمع بدوي فلسطيني يبلغ عدد سكانه نحو 200 شخص. وأفاد عدد من الأهالي عن أضرار لحقت بممتلكاتهم، من ضمنها هدم مبانٍ، وسرقة مواشٍ، وقطع أشجار، وسرقة محاصيل زراعية، وإتلاف خزّانات مياه، وتقطيع أنابيب مياه، وتحطيم ألواح شمسية. كذلك، سدّ مستوطنون طرقاً زراعية يستخدمها سكان التجمعات الفلسطينية ومنعوهم من الوصول إلى أراضيهم. وفي حالات عدّة، أمر مستوطنون وجنود إسرائيليون، الأهالي بإخلاء منازلهم وأراضيهم خلال مهلة محدّدة وتوعدوهم بالأذى إذا ما أبوا.

وقالت منظمة “بتسيلم”  في تقرير موسّع لها قبل أيام: “بالنظر إلى ما يجري على أرض الواقع، يبدو أن المستوطنين يتصرفون، تحت غطاء الحرب، بلا أي وازع أو رادع، حيث لا أحد يعمل على وقف عنفهم، إذ تتركز مساعي التهجير في منطقة “ظهر الجبل” شرق رام الله وفي منطقة الأغوار وفي تلال جنوب الخليل”. وأضافت أن “تصاعد مستوى عنف المستوطنين في الضفة الغربية محاولة رخيصة لاستغلال الحرب كفرصة لمواصلة تحقيق أهداف إسرائيلية سياسية تسعى قدماً نحو الاستيلاء على المزيد والمزيد من الأراضي الفلسطينية”.

ويعتقد العالم أن الحكومة الإسرائيلية تستخدم الميليشيات المسلحة لقتل الفلسطينيين وللمساعدة في توسيع الاستيطان والاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية، وهناك تصريحات ومواقف لبعض المسؤولين الإسرائيليين تعدّ دليلاً على دعمهم للمستوطنين والميليشيات، وقد يشيرون إلى أنهم يؤمنون بحقوق المستوطنين في الضفة الغربية ويعارضون أي جهد للإخلاء أو تقييد أنشطتهم.

في النهاية، إن إعادة تكرار الإجراءات العقابية التي تتبعها “إسرائيل” منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية، التي ورثتها عن الانتداب البريطاني، ما هي إلا “إعلان إفلاس لحكومة نتنياهو”، لاسترضاء المستوطنين وإقناعهم بأنها توفّر لهم الأمن والحماية، في ظلّ عمليات المقاومة الفردية المتصاعدة التي تكشف هشاشة المنظومة الأمنية الإسرائيلية.