جدل حول شرعنتها.. البالة “بالدولار” خباياها وخفاياها تستنزف اقتصادنا!
لم تعد ملجأً وستراً للفقراء، فأسواق “البالة” اليوم كباقي الأسواق خلافاً للأعوام الماضية التي كانت تحصد زبونات الأسواق النظامية، فمع تجاوز سعر أي قطعة لباس منها وبجودة منخفضة كون أكثر من 90% من البضائع الجيدة معدّة للتصدير-برأي التجار- راتب الموظف الحكومي كان خيار إغلاق أكثر من 40% من محال البالة أمراً واقعاً لا خياراً أمام أصحابها ممن كانت هذه المحال تشكل مصدر رزق مريحاً لهم وملاذاً لأغلب شرائح المجتمع وسط التضخم الذي جرف معه آخر أمل للمواطن بالعيش بأدنى متطلبات المعيشة، حتى وإن كانت سترته قديمة ومعتقّة برائحة البالة بماركة غريبة عن جسده.
تراجع البيع
ورغم تراجع البيع لكن ذلك لم يمنع من تحويل الكثير من محال الأغذية والألبسة الجديدة في شوارع رئيسية “الشيخ سعد والبرامكة..” إلى محال لبيع “البالة” بعد خسارة أصحابها بمبيع تلك السلع وتوجّه المواطنين للسلع الأرخص حتى وإن كانت قديمة. فيرى رائد الصباغ “صاحب أحد محال البالة” أن تدني القدرة الشرائية لأكثر من 90% من المواطنين وارتفاع سعر الألبسة والأحذية الوطنية مقارنة بألبسة البالة جعله يعمل على تحويل محله التجاري من ألبسة وطنية إلى “أوربية”، الأمر الذي لاقى استحساناً من زبائنه القديمين، فانخفاض سعر الجاكيت في البالة إلى نصف سعر الوطني منها، والأمر ينطبق بالمثل على باقي الأنواع، جعل ربحه يتضاعف أكثر من 50% عن مبيع الوطني منها، إلّا أن الأمر لم يستمر أكثر من عامين، فارتفاع سعر أكياس البالة وأجور نقلها عليهم جعلها هي الأخرى تركب موجة الارتفاع، وبالتالي عزوف الزبائن عن شرائها، خاصّة وأن سعر أي قطعة أصبح يحتاج لنصف الراتب وفي الكثير من الأحيان يفوق الراتب في حال كانت القطعة “بكرتونتها” وفيها عيب صغير.
وبعرض سريع قدّم الصباغ مقارنة بسيطة بين أسعار الألبسة المحلية والبالة، فسعر بعض جاكيتات الجلد الطبيعي تجاوز الشهر الماضي المليون ليرة، في حين سعر الجاكيت ذي الجودة المتوسطة في البالة لم يتجاوز الـ300 ألف، إلّا أن هذا الرقم لازال بعيداً عن جيب المواطن، أما باقي البضائع “الكنزات والبيجامات والأحذية” فلا زال سعر أغلبها في البالة يبدأ من نصف راتب الموظف فما فوق، الأمر الذي جعل المواطن ينتظر موسم التنزيلات في البالة أيضاً، لافتاً إلى أن ارتفاع سعر البالة يتوقف على سعر الكيس منها والذي يزن 100 كيلو بسعر تجاوز الـ200 “دولار”، وبالتالي سينعكس هذا الارتفاع على المستهلك حتماً لتتراجع حركة البيع والشراء من 300 قطعة وسطياً في اليوم خلال الأعوام الماضية إلى 20 قطعة اليوم في أحسن الأحوال، ولم يجد الصباغ أي نفع إيجابي في حال تمّت شرعنة البالة في سورية، خاصّة وأنها ستعامل كباقي السلع المستوردة وستواجه المشكلات والصعوبات نفسها التي ستحدّ منها، وبالتالي ستوازي باقي السلع بالغلاء وانعدام الشراء.
نفي قاطع
وبالعودة إلى تقديم البضائع المحلية بجودة رديئة للمواطن على حساب تصدير البضاعة ذات السمعة الحسنة للخارج، نفى الصناعي ماهر الزيات تصدير أكثر من 90% من البضائع الجيدة، كون إنتاج المعامل يتمّ حسب خطة وبيانات وطلبيات مسبقة، منها معدّة للخارج ومنها للتصريف محلياً، لافتاً إلى أن المعامل لدينا تضع في أولوياتها الحفاظ على السمعة التجارية والزبائن. وأوضح الزيات تراجع التصدير بشكل كبير منذ عام 2018 فبضاعتنا اليوم بشكل عام وليس تاماً غير منافسة، خاصّة وأن صناعة الخيوط بسورية في حدودها الدنيا ونحتاج لاستيراد غالبية أنواع الخيوط. وحول أهمية العمل على السماح للصناعي بأن يكون هو المستورد والمصنّع والمصدّر سينعكس إيجاباً على صناعتنا، وجد عضو مجلس الإدارة أن هذا الحلّ يحتاج لأموال كبيرة حسب القوانين الحالية، لذا يجب اليوم عمل جميع أعضاء الإنتاج معاً لاستمرار الدورة التجارية.
وحول ارتفاع سعر البالة تحدث الزيات عن شراء هذه البضاعة بالدولار ودخولها بشكل غير نظامي، في الوقت الذي يعاني المواطن من أزمة معيشية اقتصادية وركود كبير في قطاع الألبسة والبالة معاً، كونه يبحث عن أساسيات المعيشة لا اللباس، لافتاً إلى أن شرعنة البالة حالياً ضرورة للبعض وقاضية للبعض الآخر، وبرأي الزيات الشخصي فإن شرعنة البالة للملابس خطيرة فعن طريقها سيدخل الكثير والكثير.
سوق تهريب..!
في المقابل وجد الخبير الاقتصادي وأمين سر جمعية حماية المستهلك عبد الرزاق حبزة أن سوق البالة لا يتعدّى كونه سوق “تهريب”، لذا سيكون سعر البضائع الموجودة فيه منخفضاً عن الأسواق النظامية، حاله كحال السوق المستعمل للأثاث والكهربائيات، كون الألبسة والأحذية المعروضة مستعملة في النهاية، لافتاً إلى توجّه المواطنين للشراء من البالة بعد الارتفاع الكبير الذي طال أسعار الألبسة وتجاوز 100% هذا العام، منوّهاً بأن اللجوء إلى البالة هو “أصعب المرّين” بالنسبة للمواطن الذي يبحث اليوم عن أولويات الطعام والسكن تاركاً خلفه كماليات اللباس.
حبزة تحدث عن مطالبة الجمعية سابقاً بالسماح باستيراد البالة بشكل نظامي بهدف رفد خزينة الدولة بمبالغ إضافية من خلال الضرائب المفروضة عليها والجمارك وتخفيض كلفتها، والابتعاد عن الطرق الملتوية بالتهريب التي تحصل في البالة، خاصّة وأنها لا تحمل أي فواتير نظامية وغير مقوننة بضوابط لها، الأمر الذي يضرّ حتماً بالاقتصاد الوطني ويشكل نزيفاً للقطع الأجنبي في البلد. ولم ينكر حبزة تعرّض صناعة الألبسة المحلية لضغوط كبيرة في ظل ارتفاع أسعار الخيوط، لأن إنتاجنا المحلي قليل وأغلب المعامل اليوم تتوقف عن استيراد الخيط المصوّف نتيجة العقبات الكثيرة التي تواجه عمليات الاستيراد، لذا يجب تطبيق الحلول الموجودة بين أيدينا عن طريق دعم الصناعة المحلية بتأمين حوامل الطاقة اللازمة لتشغيلها، لنصل إلى زيادة إنتاج بسعر كلفة أقل وصولاً إلى تراجع الاعتماد على سوق البالة.
ميس بركات