اقتصادصحيفة البعث

خيار الضرورة يحتّم التغيير في السياسات

قسيم دحدل 

صحيح أننا تعرّضنا لحرب إرهابية تدميرية، ولا نزال نتعرّض لعقوبات وحصار اقتصادي ظالم ممنهج، وصحيح أننا نعاني نتيجة لذلك من تبعات اقتصادية ومالية ومعيشية قاسية ومؤلمة، لكن هذا كله لا يعني أننا عاجزون عن إيجاد المخارج والحلول لما نحن فيه من أزمات وليس أزمة، لأنه وكما كانت الفرص الكبرى – تاريخياً – تولد من رحم الأزمات الكبرى، كذلك يجب علينا كدولة وحكومة ومؤسّسات وأفراد، أن نستولد ونجد تلك الفرص، ليس المُنقذة مما نحن فيه فقط بل وأيضاً الفرص التي نعيد من خلالها النهوض والانطلاق الاقتصادي بناءً على ما نمتلكه من ميزات نسبية في اقتصادنا المعروف بتنوعه وغناه.

ما تقدّمنا به يخطئ كثيراً من يعتبره خطاباً، إنما هو تشخيص يتيح البناء عليه، وأول مداميك هذا البناء تحفيز وجذب الأموال القادرة على تحقيق ما نصبو إليه من استثمارات استناداً إلى ما نمتلكه من ميزات نسبية في قطاعاتنا الاقتصادية المختلفة.

الوصول لما نطمح إليه يمرّ من ضرورة إعادة النظر بكل سياساتنا دون استثناء، حتى ولو كانت تلك الإعادة تقتضي منا الولادة الجديدة بكل معانيها، مع الأخذ بالحسبان الخصوصية السورية الجديدة المختلفة، والتي فرضتها المتطلبات المغايرة تماماً لما كان قبل الأزمة.

وما دام التمويل يشكّل العقدة بالنسبة لنجار سياساتنا النقدية والمالية والاقتصادية، فلا شك أن البحث عن الممولين والمستثمر يتطلّب نسف كل ما هو تقليدي وقديم ثبت عقمه، بدءاً من العقلية والدور وليس انتهاء بالفكرة والرؤية والعمل.

وحتى لا نكون كدولة وحكومة ومؤسسات، كذاك الذي يلجأ “للادخار” طوال عمره أملاً بتأسيس مشروع يُحسّن من خلاله وضعه، يقتطع من هنا وهناك لتوفير ما أمكن من السيولة، لكن دون جدوى، ويأخذ من الرابح نسبياً في عمله ليسند المتعثر الخاسر، ويستدين مما هو مديون.. وهكذا دواليكم، كلما حاول أن يسدَّ ثقباً في “قربته” يظهر آخر، ليجد نفسه في النهاية أمام مستنقع من العجوزات والتشوهات والاختلالات المتحركة التي تبتلع أية فوائض أو عوائد مالية ونقدية وغير ذلك..، وفي الختام يرجع بـ”خفي حنين..”!!.

هنا يطرح السؤال المصيري: هل هذا صحيح..؟ الجواب: بالطبع لا. وبناءً عليه فلا بدّ من التغيير الكلي لسياساتنا المالية والنقدية والاقتصادية، حيث لا خيار غير خيار الضرورة، أمام أن يبقى قطاعنا – على سبيل المثال لا الحصر – عبارة عن دكاكين لأبسط الخدمات وأعتقها، في الوقت الذي من المفترض أن يكون حاملاً ودافعاً وداعماً كبيراً للاقتصاد (وهذا غير موجود..).

كذلك – مثلاً – لا بدّ أن يشمل التغيير البنية التشريعية التي بُنيت على أساس السياسات الكلية والقطاعية والمكملة، لِتُبنى-برأينا- على أساس الأولويات المتناسبة مع المفرزات والمتطلبات غير المسبوقة، استناداً إلى حوامل اقتصادية حقيقية لا ريعية.

وفي القطاع المؤسساتي لا بدّ من إعادة النظر بوجود هذا القطاع والعمل على التخلّص مما يثقل عليه ويبقيه في حالة شلل تام، وهنا يؤكد المختصون أن التخلص من نحو 40 مؤسسة من شأنه أن يحسّن العمل والاقتصاد.

ولو جئنا للنفقات الجارية في الموازنات، فسنجد أنها نفقات غير مسترجعة وفيها من الهدر الكمّ الكبير، الأمر الذي يحتّم التغيير في هذا الجانب الذي يشكل عبئاً على الموازنة العامة للدولة، حيث الملاحظ أن تلك النفقات تكون على حساب الميزانية الاستثمارية التي لم تتعدَ الـ18% من موازنة العام 2023!!.

سياسة الدعم أو التعويض، التي لم تكن لتميّز بين الغنيّ والفقير، والتي كان مبرّر تطبيقها الرواتب والأجور القليلة، سياسة عفا عليها الزمن، حيث وبالتجربة كان فيها من الفساد والهدر للمقدرات ما انعكس على المالية العامة بشكل سلبي جداً (التمويل بالعجز).

هذا وغيره الكثير من المحاور التي يُعمل عليها حالياً، لتحديث السياسات الاقتصادية بما يتناغم من أهدافنا المستقبلية وبشكل يبدأ من الكلي إلى الجزئي، في ضوء ما نمتلكه من إمكانيات وموارد حقيقية لا نظرية.. وهنا على الكلّ أن يكون إيجابياً لناحية خلق حالة من الحوار الوطني الذي يقودنا إلى ما نطمح إليه من واقع اقتصادي ومعيشي، وأول تلك الحوارات يجب أن تكون تحت قبة مجلس الشعب وبشكل مستمر وفاعل (لا كما هو حالها القاصر حالياً)، بين ممثلي الشعب والحكومة!!.

Qassim1965@gmail.com