ثقافةصحيفة البعث

محطات في حياة الفنان محمد الحريري.. مسيرة غنية ورحلة قصيرة

احتفى المركز الثقافي العربي -أبو رمانة- بالتعاون مع دار توتول للنشر بصدور كتاب “محطات في حياة الفنان محمد الحريري” للكاتبة إيمان النايف التي كانت حريصة على إصداره تحية وفاء لزوجها الذي رحل منذ 18 عاماً، وبيّنت في تصريحها لـ”البعث” وفي الندوة التي سبقت التوقيع، وشارك فيها الكاتب أيمن الحسن والفنان مازن لطفي أنه وبعد إصدار كتابها الأول العام الماضي “عاشقات الياسمين”، ورصدت فيه سيراً ذاتية لنساء كان لهنّ تأثير كبير على الساحة الأدبية في سورية، أرادت أن تلبي هاجسها بإنجاز كتاب عن مسيرة زوجها الفنان محمد الحريري وحياتهما معاً، وهي تجربة حياتية وشخصية، خاصة وأن فكرة جمع مقتنياته ومذكراته وما كُتب عنه في الصحف والمجلات والصور تراودها منذ سنوات لتعريف القارئ بهذا الفنان الذي رحل مبكراً، منوهة بأن ما جاء في الكتاب هو خلاصة 10 مفكرات ومجموعة كبيرة من الأوراق التي تركها الراحل وراءه، وفيها الرسائل التي كان يرسلها إليها وكل ما كتبه من خواطر وقصائد كان قد نظمها، وما دوّنه من يوميات شكّلت لها حافزاً لجمعها في مخطوط ومن ثم إصداره تكريماً له، مؤكدة أنها حرصت في هذا الكتاب على الشفافية والصدق، ولم تتردّد في نشر أيّ من الرسائل المتبادلة بينهما والتي عبّرت عن أفراحهما وأتراحهما، ورأت أن ما تركه الحريري كان أمانة في عنقها، لذلك قامت بنشر الكتاب لتذكّر الناس بهذا الفنان الذي ما زال التلفزيون يعيد عرض أعماله حتى الآن.

فن الرسائل

وأوضح الكاتب محمد الطاهر مدير دار توتول للنشر أن الدار سبق وأن نشرت للكاتبة كتابها الأول “عاشقات الياسمين”، والذي تناولت فيه عدداً من السير الذاتية لنساء سوريات مؤثرات في حياتنا الثقافية، وقد عملت الدار على تبنّي إصدارها الثاني “محطات في حياة محمد الحريري” الذي وثّقت فيه سيرتها الذاتية مع الفنان الحريري بشكل جريء وممتع، آخذة بعين الاعتبار الرسائل الخاصة بينهما والتي يمكن للمرء أن يحتفظ بها ولا يبوح بها إلا لنفسه، وقد حرصت الدار على تصوير جزء منها لتكون ناطقة بلسان قائلها، مشيراً إلى أن هذه الرسائل أخذت منحى أدبياً وهي تنتمي إلى فن الرسائل في الأدب العربي، ومن يقرأ الكتاب سيكتشف أن الكاتبة نفضت ما في سلتها من ذكرياتها مع زوجها، مع تأكيده أن الدار لم تضف على ما كتبته إلا أشياء بسيطة من النواحي الفنية حرصاً على أن تكون بروح ونفس الكاتبة التي كانت حريصة على نشرها من باب الوفاء لزوجها، وقد خطّت أناملها كلماته التي تحمل عبق الصدق والمحبة دون مبالغة أو رتوش، وتناولت في ثناياه بكل واقعية وصراحة ما كان بينهما من مشاعر وأحاسيس اعتملت في نفسيهما ومواقف متناقضة مع آمالهما دون أي تجميل وبلغة واقعية عفوية وبسيطة، مع سرد لمسيرة محمد الحريري الفنية في عالم التمثيل والتعريف بالأعمال التي شارك فيها في المسرح والسينما والتلفزيون.

ورداً على سؤال ماذا يقدّم هذا الكتاب للقارئ بيّن الطاهر أن السير الذاتية هي تعبير صادق عن الإنسان، ويمكن من خلال هذا الكتاب وما قامت به النايف أن تعطي دفعاً لمن يكتب، فليس هناك مانع من أن يكتب الإنسان سيرته الذاتية، ولاسيما أنها كانت مع زوج كان له أثر في الوسط الفني، مع تأكيده أن الحريري كان يملك لغة عالية، وكان للأستاذ علي عيد في الدار دور كبير في تقويم بعض النواحي الأدبية ليخرج الكتاب خالياً من الشوائب والأخطاء.

شقاء الإنسان يتجسد في حياته

وأشاد الكاتب أيمن الحسن في مشاركته بالوفاء الذي تحمله الكاتبة إيمان النايف لزوجها، ووصفه بالأمر الإيجابي أن تسعى الزوجة إلى إظهار صورة زوجها بهذا الجمال والبهاء عبر كتاباته وما خطّه قلمه الجميل، لتؤكد للأجيال الشابة أن الوفاء قيمة سامية وعليا، متسائلاً في الوقت ذاته: لماذا لم ينشر الحريري كتاباته في حياته؟ هل لم يكن راضياً عنها؟ موضحاً أن القراءة الانطباعية لكتاباته توحي بثقافته وروحه التواقة للحرية والتمرّد، وهذا ليس غريباً عنه وهو الفنان مفرط الحساسية، لذلك استنتج من قراءته لبعض ما كتبه أن شقاء الإنسان يتجسّد في حياته، وأن الكتاب على صغره يحتمل قراءة معينة بمضامينه ودلالاته، وهو لا يحتوي على الرسائل المتبادلة بين حبيبين فحسب، بل على قصة حب، إضافةً إلى بعض الخواطر والأشعار التي كتبها الحريري والمحطات المهمّة في سيرته الفنية وشهادات من قبل من عرفوه.

ممثل استثنائي

ورأى الممثل والمخرج الإذاعي مازن لطفي في مشاركته أن الفنان محمد الحريري رحل باكراً وهو في قمة عطائه، وقد عُرِف بثقافته وتواضعه، وتعرّف عليه في منتصف القرن الماضي بعد انتسابه لنقابة الفنانين، ودعاه للعمل في الإذاعة، وكانت البداية التي جمعتهما برنامج درامي بعنوان “سنابل الأدب” عام 1983 ومن ثم “الوجه الآخر” و”ظواهر مدهشة” وغيرهما، وكان لطفي حريصاً على تقديمه لكبار المخرجين في إذاعة دمشق أمثال مروان عبد الحميد، نزار شرابي، فاروق حيدر، محمد عنقا، فهمي البكار، فقدّم في الإذاعة أكثر من 200 عمل وعُرِف بحضوره وأدائه المميزين وحسّه العالي، وامتاز بأخلاقه المهنية وعفّة نفسه وخجله، مؤكداً أن الحريري لم يكن ممثلاً عادياً بل كان ممثلاً استثنائياً، وقد التقيا كممثلين في مسلسل “حمّام القيشاني” وكانت فرصة رائعة له من خلال تجسيده لإحدى الشخصيات الأساسية.

حضوره مميز

من يقرأ الكتاب يجمع على أن رحلة الفنان محمد الحريري الحياتية والفنية، وإن كانت قصيرة إلا أنها غنية وتدلّ على موهبته الفذة وحضوره المميز، وقد كان استثناء برقيه وثقافته وفكره، وهو الذي ترك وراءه مكتبة أغنت شخصيته.

يُذكر أن محمد الحريري بدأ نشاطه التمثيلي مع المسرح المدرسي في مدينة حلب، ثم عمل في فرقة هواة السينما بين العامين 1967 و1969 من خلال تصوير بعض الأفلام الصامتة، ثم انتسب لفرقة مركز التدريب المهني التابع لسد الفرات والتي قدّمت عدة مسرحيات في مدينة الثورة بحكم عمله في سد الفرات، وسرعان ما انتسب إلى فرقة المسرح الشعبي في حلب واشترك في مسرحية “عرف كيف يموت”، وفي العام 1975 أخرج عدة مسرحيات للمسرح الشبيبي، ثم أصبح عضواً في المسرح القومي والمسرح العسكري ونقابة الفنانين، وشارك في فيلم “ملابسات حادثة عادية جداً” ونال جائزة لجنة التحكيم الخاصة وشهادة تقدير من نقابة الفنانين عندما عُرِض في مهرجان دمشق السينمائي الثاني، كما شارك في فيلم “حب للحياة” تأليف وإخراج بشير صافية عام 1981 وفيلم “صهيل الجهات” إخراج ماهر كدو عام 1992 وحاز على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان دمشق السينمائي الثامن، وله عشرات الأعمال في التلفزيون كـ”الدغري- هجرة القلوب إلى القلوب- دمشق يا بسمة الحزن- نهاية رجل شجاع- الجوارح- حمام القيشاني- صقر قريش- ذكريات الزمن القادم-عشتار- دوار القمر” والأخير كان آخر أعماله وهو من إخراج خالد الخالد 2004 كما تمّ تكريمه عن أعماله السينمائية في مهرجان دمشق السينمائي عام 2007.

تخلّل الندوة عرض فيلم وثائقي عن حياته حمل عنوان “محمد الحريري مسيرة الفن والحياة”، إعداد الكاتب والإعلامي عماد نداف.

أمينة عباس