الدفع إلكترونياً وعبر المصارف.. تسهيلات مالية وتسريع للأعمال التجارية
البعث الإسبوعية – زينب محسن سلوم
يكثر الحديث في أيامنا هذه عن التحول إلى الدفع الإلكتروني في مجمل قطاعاتنا ومؤسساتنا، واعتماد طرق تسهل عملية تحويل الأموال إلكترونياً ولحظياً من أبعد مكان إلى أقرب مكان للمستلم أو الشخص الذي يجب الدفع له لقاء خدمة ما، وضبط السيولة النقدية وحدّ استخدامها.
وخلال استعراض “البعث الاسبوعي” لآراء متنوعة حول تلك المسألة، قال سامر “طبيب”: أتوجه كل فترة إلى شركات الاتصالات الخلوية وأقوم بإيداع مبلغ خمسين ألف ليرة لدى الموظف أو آلة الدفع على باب الشركة، ويمكنني عبر هذا المبلغ تحاشي الوقوف على طوابير فواتير المياه والهاتف الثابت والكهرباء وتحويل رصيد لجوالي وبأجررمزي لا يزيد عن 10% من قيمة الرصيد، لكن للأسف “الحلو ما بيكمل” فالازدحام شديد على آلات تعبئة الرصيد، والتطبيقات أحياناً تعاني انقطاعات لأسباب مجهولة، أما التحويل عبر المصارف العامة لدفع تلك الفواتير فيحتاج خطوات معقدة يتحاشى كثيرون الإقبال عليها.
أما جواد “طالب جامعة” بين أن الحوالات تصله عبر الشركات في القطاع الخاص بإجراءات ميسرة ولحظية، ولكنها للأسف ذات تعرفة عالية جداً، فقد حصلت الشركة على مبلغ نحو 12 ألف ليرة لقاء تحويل مبلغ 600 ألف ليرة، في حين تحصل المؤسسة العامة للبريد على مبلغ أقل من 7000 ليرة عن كل مليون ليرة، ولكنه “لن يغامر” حسب تعبيره حيث اعتدنا في الشركات العامة تكرار ذرائع وأعطال الشبكة والطابعات وعدم وجود موظف خلف مكتبه أو وجود ضغط وازدحام أو ربما سيناريوهات أخرى قد تعرقل الخدمة مهما كانت فورية.
بدورها أشارت فدوى “موظفة عامة” إلى أن مسألة قبض الراتب من الصرافات بحاجة إلى حلول عصرية، فلماذا لا يتم التعامل بالراتب كرصيد يمكن الشراء به من المحال ومحطات المحروقات وغيرها من المرافق الأساسية، بدلاً من البحث عن صراف يعمل أو صراف غير مزدحم، أو صراف مملوء بالنقود.
من جانبه، الخبير واستشاري تطوير الأعمال والاستثمار فراس الشحادة قال في لقاء مع “البعث الاسبوعي”: إن موضوعي الدفع عبر المصارف والدفع الإلكتروني يأتيان في إطار خطة الحكومة لتحقيق التحول الرقمي حتى عام 2030، لكن هذه الخطوات المتفائلة تحتاج مجموعة من الإجراءات؛ فالدفع الإلكتروني بالنهاية يحتاج إلى طريقة سلسة للدفع، وقطاعنا المصرفي يحتاج إلى ضبط إيقاع حركته وتنمية وتوسيع البنى التحتية له، موضحاً أنه وبعد إصدار قانون المصارف الخاصة فقد أشارت الدراسات المترافقة مع المشروع إلى أن كل خمسين ألف نسمة من السكان يجب أن يخصص لهم فرع مصرفي في منطقتهم، لكن على أرض الواقع لو أخذنا المنطقة من حي المهاجرين في دمشق وحتى نزلة شورى يتبين لنا وجود فرع مصرفي واحد بنحو عشر موظفين لخدمة عدد ضخم من المواطنين، وإذا تم الدفع بشكل شبه كامل عبر المصارف فسنكون أمام كارثة حقيقية لأن ذلك يتطلب تكثيف فروع المصارف وكوات وآلات الدفع في كل مكان، وتنشيط عمليات الدفع والحوالات حتى عبر محلات السوبر ماركت، فلا داعي للبحث عن فرع لشركة أو مصرف، بل الأمر يحتاج عمقاً وتنوعاً وتشبيكاً أكبر في جميع الفعاليات المصرفية والقائمين بنقل الأموال.
ولفت شحادة إلى أن البنية التحتية الحاملة للتحول الرقمي والأنظمة المرتبطة به وعلى رأسها الدفع الإلكتروني، ألا وهي “شبكات الاتصالات” تعاني خللاً كبيراً؛ فالإنترنت يغيب في ساعات الذروة أو لدينا عدد محدود من بوابات الإنترنت، أو لدينا مقاسم لا تعمل عند غياب التيار الكهربائي وغيرها من المشكلات التي يطول شرحها وتتعدد أسبابها، والتي إن لم تحل فلا نجاح سيكتب لمثل تلك التحولات في الدفع لأن البنية التحتية الموجودة في شركات اتصالاتنا الحالية لن تستوعب كمية وعدد تطبيقات الدفع، فهي الآن تشهد توقفاً متكرراً للكثير من هذه التطبيقات رغم أن الضغط عليها لم يبلغ أشدّه بعد.
وعلى الصعيد القانوني لفت الخبير إلى أن قانون الدفع عبر المصارف لأصحاب المهن الذي صدر مؤخراً -وإن لم تصدر تعليماته التنفيذية بعد- وغيره من القوانين التي تضمن التحول الرقمي وتشجيع الاقتصاد المعرفي وقانون الاستثمار، تحتاج العديد من الأمور لإنجاحها، فعلى سبيل المثال هذه القوانين تصدر دائماً بصيغ غامضة وناقصة وتترك المجال للشك والتأويل والتفسير، كما تصدر دون أي ترويج أو شرح عبر منصات التواصل الإجتماعيولبيان الغاية المراد تحقيقها والرؤية والهدف وتوعية المواطن لأهميتها بشكل يتوافق مع ذوي الثقافة المتوسطة في مجتمعنا، ولكن للأسف هذا لا يحدث ودائماً نجد التساؤلات تكثر والتحليلات “وأغلبها مغلوطة” تكون أكثر.
وأضاف الشحادة: القانون وعلى رغم قوته قد يوقفه قرار وهذه كارثة، فمثلاً قانون الاستثمار رقم 18 يمكننا تقييده بمجرّد قرار واحد يصدر عن المركزي والعكس صحيح، وقانون الدفع عبر المصارف لأصحاب المهن أيضاً اكتنفه الغموض لجهة عدم بيان المهن، وعدم الترويج لاستعمال هذا النوع من الدفع لدى الشريحة المعنية به وإقناعهم بحسناته والأهداف المتوخاة منه. فهل يمكن بموجب هذا القانون أن أدفع لتاجر الجملة في سوق الهال ثمن طلبية خضار عبر المصارف، وهل فعلاً سيقبل هو ذلك؟. والكارثة أن وضع شرط الدفع عبر المصرف في أي عمل ربما يلغيه بالنسبة للكثيرين، فمثلاً عندما قررت شركات الاتصال الخليوي حصر طريقة دفع ثمن الرصيد الوحدات من قبل بائعي الرصيد عبر المصارف أحجم عدد كبير من الباعة عن مواصلة هذا العمل بسبب الإضطرار للوقوف في طابور المصرف وصعوبة التنقل وغيرها من السيئات التي ستعصف بهامش الربح القليل أساساً.
ونوّه الخبير بأن خطوات الحكومة تتجه فعلاً إلى هذين النوعين من الدفع، ولكن السؤال أين وصلنا وما هو زمن التنفيذ المحدد للتحول، وهل من خطط عملية تضمن حدوث هذا التحول دون سلبيات تفشل العملية أو تتسبب في تمديد وقت تطبيقها بصورة خالية من الإشكالات؟.