الثقافة الرياضية الضعيفة تمنح الاحتراف الأعوج صك التمدد في كرتنا.. أنديتنا عاجزة عن صناعة اللاعبين والأزمات المالية مستمرة فيها حتى إشعار أخر!
البعث الأسبوعية-ناصر النجار
ينتظر منتخبنا الوطني لكرة القدم مباراتين قويتين بعد أسبوع سيلعب في أولهما مع كوريا الديمقراطية ومن ثم سيواجه المنتخب الياباني في أقوى مواجهتين تنتظران منتخبنا في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2026.
على صعيد الاستعداد فقد تحضر منتخبنا حسب المطلوب ولعب عدة مباريات حسب المتاح وفي الفترة السابقة الممتدة لأكثر من سبعة أشهر اطلع فيها المدرب الأرجنتيني هيكتور كوبر على واقع كرتنا وعلى مستوى الكثير من لاعبينا وقد بلغ عدد اللاعبين الذين جربهم أكثر من أربعين لاعباً فضلاً عن اطلاعه على العديد من اللاعبين من خلال مباريات الدوري، ومؤخراً وفي تجربة جديدة ضم إلى صفوف المنتخب ثلاثة لاعبين محترفين جدد واحد من السويد ولاعبين اثنين من الأرجنتين ولم نعرف حتى الآن رأيه بهم وتقييمه لأدائهم ومستواهم.
حديث اليوم لن نتطرق فيه عن واقع المنتخب وتوقعات الشارع الرياضي لما ستؤول إليه نتائج المنتخب إنما ستكون عن واقع اللاعبين المحترفين السوريين الذين يلعبون في الخارج أو الذين هم من أصل سوري ويبحثون عنهم هنا وهناك، فهل وفق الكشافون في هذه المهمة أم إن السوق الكروي يخلو من أي لاعب مميز من أصول سورية؟
تجربة صعبة
وللأسف فإن هذه العملية معقدة وبات يشوبها العديد من الشبهات، فلم نجد هؤلاء اللاعبين الذين يتمناهم منتخبنا وبات الاختيار مقتصراً على لاعبين معروفين ووجودهم لم يعد يسمن ولا يغني من جوع، بل إن وجودهم في المنتخب يمثل نقطة ضعف واضحة.
ورغم أن منتخبنا مملوء باللاعبين المهاجمين إلا أنهم ليسوا من الطراز التي تعشقهم كرة القدم، ويمكن اعتبار عمر السومة وعمر خريبين حالة استثنائية ولكن هذا لا يكفي للمنتخب لأننا بحاجة لأكثر من مهاجم لأمور كثيرة معروفة في عالم كرة القدم.
لكن المعضلة الأكبر والمشكلة الدائمة التي يعاني منها منتخبنا هي في خط الدفاع، فالمهام الدفاعية باتت ضعيفة جداً واللاعبون الذين يشغلون المراكز الحساسة باتوا من كبار السن ومن غير الطبيعي التعويل عليهم أو الاعتماد عليهم، ومع ذلك فلم نجد رغم توالي المدربين العرب والمحليين والأجانب البدائل المقنعة ودوماً نبحث عن لاعب ارتكاز أو ظهير أيمن أو أيسر، ونتذكر أنه منذ زمن المدرب فجر إبراهيم كنا ننادي بإصلاح الخلل الموجود بخط الدفاع ولم نتمكن حتى الآن من تحديد سبب الخلل لنبدأ بالعلاج.
كل هذه السنوات ولم نتعرف على لاعب جيد في أي مركز دفاعي، ولم نجد البدائل المهمة للسومة والمواس وعمرو ميداني وغيرهم من الأسماء التي اعتدنا عليها، وموضوع تغيير اللاعبين هو مفروض على كل المنتخبات في العالم أجمع فهناك لاعبين ينتهي عمرهم الافتراضي بكرة القدم في سن معينة وآخرون يضعف عطاءهم وتضعف جاهزيتهم ودوماً الحلول موجودة من خلال وجود لاعبين مؤهلين قادرين على تغطية اعتزال لاعب أو إصابة آخر، وهي ضمن فلسفة كروية تعرف هذه الاتحادات كيف تديرها، والنقطة الأولى التي تنطلق منها هي المنتخبات الصغيرة، فالعناية بهذه المنتخبات يجعلها تضخ لاعبين مهرة على الدوام وترمم كل نقص بمنتخب الرجال.
وضع مختلف
أما عندنا فالوضع مخالف لهذه القوانين والفلسفة الكروية وهذا مرده للسياسة الخاطئة في التعامل مع كرة القدم، فليس لدينا ثقافة كروية شاملة وليس لدينا خطة عملية للبحث عن اللاعبين، وما زلنا نعتمد على بعض السماسرة في الداخل وفي الخارج الذين يروجون لمصالحهم ومنافعهم الذاتية بعيداً عن مصالح كرتنا ومنتخباتنا الوطنية.
وكل المدربين الذين تعاقبوا على تدريب المنتخبات الوطنية كانوا يدركون هذه المسألة ويعلمون أن الحلول ليست متوفرة وهم متأكدون أن منتخباتنا لا تصلح حسب الفكر الذي يقودها لتحقيق أي انجاز أو بطولة أو حتى طفرة، ولكنهم يسيرون في الطريق ويسمعونا معسول الكلام مادامت فوائدهم كاملة وحقوقهم محفوظة، فما جناه هؤلاء المدربون من مال كان كافياً لإعداد منتخباتنا بطريقة جيدة.
والحقيقة التي نريد التذكير بها أن أغلب لاعبينا المحترفين في المحيط العربي لا يختلفون عن غيرهم من اللاعبين في الدوري المحلي والسبب أن الأندية التي يلعبون بها ضعيفة وغير متطورة وأغلبها تلعب في الدرجات الدنيا في دول الخليج وفي العراق أيضاً، لذلك لا يمكن أن نجد ضالتنا من اللاعبين في هذا المحيط فليس من الضروري إن احترف اللاعب خارجياً أن يكون مؤهلاً لينضم إلى المنتخب الوطني.
وهذا الكلام يصلح عن الكثير من اللاعبين الذين يلعبون في الدوريات الأوروبية، فليس شرطاً أن يكون هذا اللاعب جيداً، فهناك دوري هواة ودوري درجة رابعة وخامسة ولو كان هذا اللاعب او ذاك جيداً لما وجدناه في هذه الدرجات الدنيا من الدوري.
على الصعيد المحلي فإن أنديتنا لا تعرف كيفية صناعة اللاعبين رغم أن كرتنا مملوءة بالمواهب والخامات، والسبب أنها غير مؤهلة لذلك وينطبق عليها القول: (فاقد الشيء لا يعطيه) فأنديتنا للأسف تبحث عن اللاعب الجاهز ولا تريد رعاية اللاعبين ولا تضع اهتمامها في ذلك رغم أن الأمر حيوي جداً، وقد وجدنا كيف أن العديد من الأندية باتت تبحث عن لاعبين من هنا وهناك لأن السوق عجز عن تلبية طلبات أنديتنا، ولأن اللاعبين الجاهزين من أصحاب الخبرة باتوا لا يكفون بعددهم كل فرق الدوري وعددهم ما زال يتناقص يوماً بعد يوم، فإن هذا كله لا يدعم المنتخب لأن الأندية غير منتجة للاعبين بل هي مستهلكة لهم، وإذا نظرنا (على سبيل المثال) بمركز حراسة المرمى لوجدنا أن كرتنا تعيش في عجز فليس لدينا حراس مرمى بالمعنى الافتراضي المقبول والمطلوب، والحراس الجيدون يعدون على أصابع اليد الواحدة وبدأ زمنهم بالأفول.
احتراف خارجي
من جهة أخرى وإذا نظرنا إلى لاعبينا الذين يحترفون في الخارج غير مدركين لواقع الاحتراف وآلياتهم وكلهم يقع في شباك السماسرة والكثير منهم ضاعت حقوقهم، لذلك فإن أنديتنا ولاعبينا على حد سواء لم يعرفوا طريق الفائدة من هذه الانتقالات بسبب الجهل وعدم المعرفة في قوانين تسويق اللاعبين وبيعهم.
ومازالت عقود لاعبينا تأتي عبر المعارف والسماسرة فقط، دون أن يكون للاعبينا جهة تسويقية تضع سعراً احترافياً لكل لاعب، أي إن لاعبنا يذهب لأي نادٍ خارجي عبر الهاتف دون أن يكون هناك شركة اختصاصية تعمل على تسويقه لتضمن حقه من ناحية السعر التسويقي، وغير ذلك من بنود العقد وتفصيلاته التي باتت متشعبة وخصوصاً عند إنهاء العقد وما فيه من شروط جزائية أو غيرها.
والمعروف أيضاً أن الأندية لها حق في اللاعب الذي وقعت معه عقد احتراف وهذا ما نراه في كل الملاعب العربية والعالمية، فعند انتقال أي لاعب من نادٍ لآخر هناك عقود وطلبات مالية وغير ذلك، لكن أنديتنا تنازلت عن حقها في بيع اللاعبين إلى الأندية الخارجية فلم نسمع عن أي نادٍ قبض ثمن لاعب انتقل إلى أي دوري باستثناء عقد عمر خريبين المعروف، واللاعبون الذين انتقلوا هذا الموسم وقبله لم نسمع عن أي فائدة مالية وصلت لأنديتهم إلا إذا كانت هذه الفوائد تقبض في الخفاء، والفائدة الوحيدة التي وصلت لأسماعنا أن اللاعب المنتقل عليه أن يدفع لناديه كل المبالغ التي قبضها منه والسلام.
هذا الأمر يدل على جهل أنديتنا بالتعامل مع الاحتراف ولو كانت العقود مع اللاعبين سليمة لكانت الحصيلة جيدة وتعين هذه المبالغ الاحترافية أنديتنا على الصعيد المالي كتعويض عن لاعب يعتبر ركيزة في النادي باعتبار أن المتعاقد معهم لاعبون دوليون وليسوا لاعبي أحياء شعبية.
هذه ملاحظة مهمة يجب أن تضعها أنديتنا بعين الاعتبار حتى لا يقال إن هناك خلل ما في هذه العملية وحتى لا تقع أنديتنا في شبهات العقود.
عشوائية وتخبط
أسعار اللاعبين جزء من تفاصيل الكرة وربما هي سبب رئيسي في الكوارث التي تلحقها، وحتى الآن لا ندري ما الأسس التي يتم إتباعها في تحديد سعر اللاعب المحلي، لكن الواقع يجعلنا نتعجب من الأسعار المدفوعة للعديد من اللاعبين وقد بلغت أسعاراً خيالية.
في البداية لا يمكن المقارنة بالأسعار بيننا وبين بقية الدوريات العربية لأمور عديدة لسنا بوارد ذكرها الآن، إنما من المفترض أن يتم تحديد السعر وفق معطيات محلية بحتة، والمعطيات التي يجب أن تكون أساس السعر هي معطيات فنية متعلقة بعطاء اللاعب في السنوات الأخيرة والعمر الرياضي وعضوية المنتخبات الوطنية.
فلاعب المنتخب الوطني يختلف بسعره عن اللاعب القادم من الدرجة الأولى، واللاعب الهداف يختلف عن المهاجم وهكذا فهناك معطيات فنية يعلمها المدربون ويعرفونها من خلال متابعتهم للدوري وفرقه ولاعبيه.
وإبقاء الأسعار (معومة) لا يصب بمصلحة الأندية ويصب فقط بجيوب المستفيدين من ضعاف النفوس بالأندية وبجيوب الوسطاء، وهؤلاء هم المشكلة وهم من يرفعون الأسعار بشكل جنوني، والمشكلة الأكبر التي تضع الأندية في قفص الاتهام عندما تتعاقد بمبالغ كبيرة مع لاعبين مصابين وإصاباتهم مزمنة أو مع لاعبين انتهت صلاحيتهم وهنا الطامة الكبرى التي تشعرك أن وراء الأكمة ما وراءها؟
هذه القضية يجب أن تجد الحل اللازم من القائمين على الرياضة وكرة القدم عبر تحديد سقف العقود المالية وتحديد الشرائح، ومن الطبيعي ألا تقضي هذه الإجراءات على فساد العقود لكنها ستحد من الهدر غير الطبيعي.
الحل الآخر بتوجيه الأندية إلى الاستعانة بجيل الشباب وخصوصاً أن الكثير من لاعبي الدوري بلغوا سن الاعتزال، وعندما تصدر تعليمات تفرض على الأندية وجود عدد معين من اللاعبين الشباب ضمن فرق الرجال وعدم جواز التعاقد مع أكثر من ثلاثة لاعبين تجاوزوا الثلاثين من العمر فإن ذلك سيساهم بتخفيف الدفع المالي وبتجديد دم الفرق والدوري.
من جهة أخرى لا نجد أن العقود التي تجري مع اللاعبين والمدربين مكتملة الفصول ودوماً نجد أن حق النادي ضائع في زحمة المصالح!
هذه العوامل التي نتحدث عنها هي عوامل مهمة في تطوير كرة القدم، لأن ما يجري في أنديتنا هو عمل عشوائي وارتجالي بامتياز، وهذا كله ينعكس على كرتنا التي فقدت بريقها تماماً، وإذا كان منتخبنا الوطني فشل بحضور جيد في كل المباريات الرسمية والودية وما فيها من بطولات ودورات بحضور أغلب لاعبينا محترفين، فكيف لو شاركنا بمنتخب من اللاعبين المحليين، وتجربة المدرب حسام السيد ما زالت حاضرة في ذاكرة الجميع؟
وإذا لم نبدأ بتنظيم أنديتنا إدارياً ومالياً لن نصل إلى العمل الفني الجيد، والفكر الاحترافي الذي ننادي به يبدأ من العمل الإداري المنظم ومن القيود المالية السليمة، لذلك لا بد من وضع الرجل المناسب في المكان المناسب بعيداً عن لغة الولاء للأشخاص وهي لغة خشبية يجب نبذها والاستغناء عنها بمعايير الكفاءة والخبرة والنزاهة، ولابد من المحاسبة الجادة لكل من يعيث بأنديتنا فساداً.