مجلة البعث الأسبوعية

الفلاحون لا يعرفون شيئاً عن غرف الزراعة! اجتماعات دورية لا تنتج إلا الوعود والمزارع غارق في مستنقع المعاناة

البعث الأسبوعية – غسان فطوم

لو سألنا أي فلاح أو مزارع في ريفنا.. ماذا تقدّم له غرفة الزراعة في محافظته، فإنه سيستغرب السؤال وربما لا يفهمه، لأن الأغلبية العظمى من الفلاحين لا يعرفون شيئاً عن “مصطلح” الغرف الزراعية، وماذا تقدّم لهم، وتبريرهم لذلك أنها بعيدة عن مشكلاتهم الزراعية والصعوبات التي يعانونها، فالجمعية الفلاحية على علتها هي أفضل عندهم بكثير من غرف الزراعة التي يجتمع أعضاؤها للنقاش وتبادل وجهات النظر دون أن يأخذوا أي قرار نافع للفلاح ولو على سبيل الضغط على وزارة الزراعة، بل الحكومة، بضرورة تأمين مستلزمات الفلاحين ودعمهم.

مريح ومربح

في السياق ذاته، من يتابع تصريحات وزراء الزراعة خلال سنوات خلت سيجد أن القاسم المشترك بينهم يتمثل بدعوة غرف الزراعة “أن تأخذ دورها في دعم الفلاحين بشكل عملي”، ما يعني أن هناك تقصيراً في المهمة المنوطة بها، رغم ما تقدمه الغرف الزراعية من طروح ومقترحات لتعديل التشريعات والقوانين التي تعرقل تأمين مستلزمات الإنتاج ولو بقرارات استثنائية تتوافق مع كل مشكلة زراعية، لكن الفلاح لا يفهم إلا لغة الانجاز على الأرض، ولسان حاله يقول: هذه الأرض مهما كانت طيّبة وخيّرة لا فائدة منها إن عجز الفلاح عن حراثتها وبذارها وتسميدها وتسويق منتجها بشكل مريح ومربح.

كلام الوعود

رئيس جمعية فلاحية في ريف حمص الغربي عبّر عن أسفه باسم العديد من الفلاحين في قريته لغياب الدور الفعلي لغرف الزراعة التي تكتفي –حسب قوله- بالطرح الكلامي والكتب الورقية، مشيراً إلى أنها في كل اجتماع مع وزير الزراعة تعيد “ديباجة الكلام” المعسول نفسه الخاص بإيجاد حلول بديلة وداعمة للقطاع الزراعي والوعد بتأمين كل مستلزمات العملية الزراعية بدءاً من المازوت اللازم للحراثة مروراً بالبذار والغراس والأسمدة والأدوية وجني المحصول، وصولاً إلى نقله وتسويقه بأسعار مرضية تضمن تعب الفلاح.

 

لا يحتاج النصائح

بعض الفلاحين والمزارعين ممن يتابعون أخبار وزارة الزراعة تعجبوا من خبر إعادة تشكيل مكاتب إدارة غرف الزراعة في المحافظات، متسائلين عن الفائدة من هذا الإجراء إن كانت تلك الغرف تكتفي بالمطالبات ولا تسعى إلى أن تكون شريكة في صناعة القرار الزراعي، كعدم قدرتها أو مساهمتها فيما يخص تخفيض الرسوم والضرائب على المواد الأولية اللازمة للإنتاج الزراعي وتسويقه داخلياً وخارجياً.

كذلك تساءل أحد الفلاحين: ألا يكفي ما نعانيه من تقصير الإرشاديات الزراعية المنتشرة في القرى التي تمنّ على الفلاح أنها تُقدم له بعض النصائح التي يعرفها أكثر من مهندس زراعي أو موظف إداري في هذه الإرشادية أو تلك حيث يجلس طوال النهار دون عمل؟، مضيفاً: الفلاح ليس بحاجة إلى نصائح فهو عالم وخبير بأرضه وما يناسبها، الفلاح يريد دعماً يعينه على تكاليف حراثة الأرض وتأمين البذار الجيد،  ويحتاج إلى الأسمدة بأسعار مخفضة، والأدوية الزراعية، ويريد بالنتيجة سعراً جيداً لمحصوله، بدلاً من رميه في الأنهار أو تركه يتساقط تحت الشجر.

 

الثلاثي الزراعي

مهندس زراعي لم ينفِ أهمية دور الغرف الزراعية لكن بشرط أن يكون حضورها فاعلاً على الأرض، مشيراً إلى أن مطالب الغرف هي ذاتها المطالب التي يؤكدها اتحاد الفلاحين وفروعه في المحافظات، مؤكداً أهمية أن يكون للغرف الزراعية دور في القرار الزراعي الداعم للفلاح كما تفعل غرف التجارة والسياحة في دعم العاملين في قطاعي التجارة والسياحة، ومتسائلاً: لماذا يغيب التنسيق بين الثلاثي الزراعي (وزارة الزراعة، اتحاد الفلاحين، غرف الزراعة) في رسم السياسات الزراعية المجدية وتجاوز كل الصعوبات التي يواجهها الفلاح، والتي تضطرّه أو تجبره على هجر أرضه والأمثلة على ذلك كثيرة في ريف الساحل وحمص وحماة وغيرها من المناطق الزراعية؟.

من يتابع ويستمع إلى ما يقوله رئيس اتحاد غرف الزراعة، والمسؤولون عنها في كل محافظة يشعر بالأمل، ويخيّل إليه أن الواقع الزراعي سيكون بخير، لكن للأسف حساب الحقل لا ينطبق على حساب بيدر الفلاح عند جني المحصول، قياساً بما يتحدث رئيس اتحاد الغرف أو رؤساء الغرف عنه، فأغلب المزارعين يتحدثون بنبرة حزينة عند جني وتسويق المحاصيل، ولديهم الكثير من الملاحظات على أداء الغرف فيما يخص التسويق وأسعار المنتج الزراعي بكل أنواعه وفي كل مواسمه، وخاصة أسعار القمح والحمضيات والفواكه، في إشارة إلى الظلم الكبير الذي يلحق بالمزارعين بسبب جشع التجار وسماسرة سوق الهال نتيجة غياب خطط التسويق المنصفة لجهد المزارع وتكاليف موسمه الباهظة.

فلاحو الساحل في ريف اللاذقية يسألون: ماذا فعلت غرف الزراعة فيما يتعلق بإعفاء الفلاحين الذين هجّروا من المناطق الساخنة من فوائد القروض والغرامات، وإطلاق مشروع الزراعات المنزلية والزراعة المائية، ويأتي هذا السؤال رداً على ما تقوله غرف الزراعة من أنها تعمل على تحقيق ذلك.

بالمختصر، يريد الفلاحون والمزارعون، أياً كان نوع زراعاتهم، أن تكون الغرف الزراعية الصوت القوي المدافع عنهم، من خلال فرض حضورها البارز في المشهد الزراعي بعمل فعلي على الأرض، يمكن لمسه في تخفيض أسعار الضرائب والرسوم على المواد الأولية والمساهمة في توفير الأسمدة والأدوية بأسعار مخفضة، وغير ذلك من مستلزمات العملية الزراعية، إضافة إلى العمل على إصدار القرارات الداعمة للفلاح، ومربّي الثروة الحيوانية، الذين يعانون هم أيضاً من غلاء مستلزمات الإنتاج وعدم توفرها بالسعر المدعوم، ودون ذلك سيبقى دورها على الهامش لا فائدة منه.