صحيفة البعثمحليات

“هدية ما من وراها جزيّة”

غسان فطوم
مشاعر متناقضة تنتابنا عندما نقرأ ونسمع ونشاهد قصص نجاح السوريين في الخارج.. نعم نفرح بتميزهم في أي بلد كانوا، لكن بذات الوقت نشعر بالألم عندما نعلم أن هذا السوري الناجح تعلّم ونجح في الوطن لكنه هاجر عندما استهانت واستخفت الجهات المعنية بخبرته ولم تقدر كفاءته، فخرج طالباً تحقيق طموحاته وأحلامه ولقمة عيشه الكريمة.
على سبيل المثال، وفيما يخص القطاع الصحي، شهدت السنتان الأخيرتان هجرة مئات بل عشرات آلاف الأطباء من ذوي الخبرة والخريجين الشباب الأوائل في كليات الطب البشري في جامعاتنا، ما زاد من آلام القطاع الصحي في المشافي الحكومية نتيجة النزيف الحاد في عدد الأطباء المختصين، ولاسيّما في اختصاصات التخدير والأشعة، أو في الصحة العامة والطب الشرعي. ورغم صدور العديد من القرارات والمراسيم بتحسين راتب وحوافز الأطباء والعاملين في القطاع الصحي بنسبة تجاوزت الـ 100%، إضافة إلى زيادة رواتبهم التقاعدية أكثر من ثلاثة أضعاف إلا أن ذلك لم يوقف نزيف الهجرة المستمرة. وباعتراف نقابة الأطباء، هناك العديد من الأطباء يتهربون من التعاقد مع المشافي الحكومية علماً أن بعضهم قارب على التقاعد!.
وبلغة الأرقام، هناك أكثر من 15 ألف طبيب هاجروا إلى بلدان أوروبا وأمريكيا اللاتينية، وبعض الدول العربية من مختلف التخصصات الطبية خلال السنوات الخمس الأخيرة، أغلبهم من أصحاب الخبرة في العمل الطبي، ما يعني أن الدول التي هاجروا إليها لن تدفع “قرشاً واحداً” من أجل تأهيلهم وتدريبهم، بينما نحن دفعنا من أجل تعليمهم وتأهيلهم آلاف، بل ملايين الدولارات، وبذلك نكون قدمناهم “هدية ما من وراها جزية”، فمن المسؤول عن استمرار نزيف الأطباء؟ وهل بالإمكان إعادتهم إلى البلد؟
الغريب أن هناك عشرات المؤتمرات الطبية عقدت في سورية وما زالت تُعقد دائماً تخرج بتوصيات تؤكد على ضرورة استقطاب الأطباء المهاجرين، غير أنها لا تلقى اهتمام وعناية الجهات التنفيذية! واليوم، بات الخوف من هجرة البقية الباقية منهم في وقت يعاني فيه الواقع الصحي من نقص آخر يتمثل بالأدوية ومستلزمات العمليات الجراحية والصور الشعاعية ما يؤشر على أن القطاع الصحي بات في خطر قد يدخله العناية المشددة، فهل من منقذ؟!