“على ضفة العدم”.. المثالية في زمن الحرب
بعد مجموعتين قصصيتين سبق وأن أصدرهما بعنوان “وردة عند الغروب” و”كل الشمس في قلبي”، يلج الكاتب عبد الله نفاخ عالم الرواية من خلال رواية “على ضفة العدم” التي قام بتوقيعها مؤخراً في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة بعد أن عُقدت ندوةٌ عنها أدارها أ. علي العقباني، وشارك فيها د. عبد الله الشاهر وأ. فاتن ديركي، وبيَّن نفاخ في تصريحه لـ”البعث” أن شغفه يكمن في كتابة القصة التي هي قبض على اللحظة، وأن كتابته للرواية فرضتها فكرةٌ معينة أراد التعبير عنها، ففرضت الرواية نفسها عليه، مع تأكيده أن فن القصة صعب جداً وفن الرواية له خصوصية كبيرة بمداها المفتوح وما تستوجبه من صراع ودخول في نفسيات مختلفة لشخصيات قد تتمرّد على الكاتب، مشيراً إلى أن روايته هي نتاج تجربة شخصية، وهي وإن كتبها على شكل سيرة ذاتية إلا أن هناك أشياء كثيرة اختلقها ليقدم عملاً فنياً باعتبار أن الرواية منجز إبداعي وليس توثيقياً، موضحاً أنه اختار عنواناً صادماً للرواية دون دلالات معينة، لتكون الدلالة المقصودة تلك الحالة المثالية التي كان يعيشها البطل دون استجابة لما يحدث في الواقع، فعاش صراعات مع الآخرين إلى أن عرف أن مشكلته كانت في أسلوب تعاطيه معهم نتيجة مثاليته، مع إشارته إلى أن خلفية الرواية وإن كانت واقع الحرب على سورية، إلا أنها ممتزجة بالتحولات النفسية للإنسان السوري الذي خاض هذه الأزمة الكبرى.
رواية واقعية
وبيّن د. عبد الله الشاهر في مشاركته أن الروائي لم يشعّب أحداث روايته، فشخصية بطل الرواية عامر مسيطرة على أحداثها منذ البداية وإلى نهايتها، على الرغم من وجود شخصيات ثانوية ساهمت في سير الأحداث التي عبَّر الكاتب من خلالها عن بيئة محدّدة، مجالها المدرسة وعلاقات الزملاء فيما بينهم في ظل قلة النصوص الروائية في هذا الجانب، مشيراً إلى أن الرواية كُتبت في فترة الحرب على سورية، وقد صوّر الكاتب بعضَ مشاهدها كحالة توثيقية وطنية جاءت منسجمة مع السرد الروائي الذي أداره الروائي بحواريات تخدم الفكرة والحدث، وقد أحسن برأي الشاهر تصوير الحالة النفسية لبطل الرواية والارتدادات النفسية على ما يجري له من مواقف في المدرسة، مؤكداً أن نفاخ كتب رواية واقعية في بنيتها الفنية وظلّ فيها يلهث وراء تراكمات وقصص فرعية شنجت المواقف بدل أن تعزّز حالة الرومانسية التي تناولها الروائي.
لغة رفيعة المستوى
وأوضحت أ. فاتن ديركي أن الرواية بدأت من رحاب المؤسسات التعليمية في تصوير بطلها عامر الذي فرّ من المدرسة التي كان يدرس فيها اللغة العربية، فانتقل إلى مدرسة أخرى في إحدى ضواحي دمشق هرباً من ذكرياته المؤلمة مع المدرّسين والإداريين، فإذا به أمام مشكلات أخرى، حيث يجد نفسه مستضعفاً في المدرستين، يعاني من ضياع هويته الشخصية، وخاصة بعد اعتقاله لخطأ ما وتعرّضه للإزعاج والأذية النفسية من نزلاء السجن وخروجه بعد شهر ليؤكد للقارئ أن الفترة التي قضاها في السجن كان لها الفضل في وضع مسار جديد لتفكيره، ولاسيما فيما يخصّ مسألة أزمة البلاد، ورأت ديركي أن ما يُحسب للكاتب قدرته على التعبير بدقة واختراق دواخل الشخصيات لمعرفة طبيعتها وطريقة تفكيرها وتقلباتها ونوازعها وتوجساتها، مؤكدة أن الكاتب صاغ روايته بلغة رفيعة المستوى عمّقت من أهميتها.
رؤية مختلفة
وأوضح أ. عبد الله نفاخ أن للكاتب رؤية تختلف عن رؤية النقاد، فالرواية ليست مجموعة علاقات عاطفية لأن بطل الرواية لم يسعَ باتجاه إقامة أي علاقة، وقد كان تحت ضغط نفسي كبير جعله يترجم انفعالاته بشكل غير مفهوم، فهو كان يشعر بانجذاب نحو المرأة دون معرفة السبب، فتختلط الأمور عليه ليعيش حالة من التخبط التي كان سببها المثالية التي كان يعيشها بعيداً عن الواقعية التي لو تحلّى بها لنجا من كلّ الإشكاليات التي وقع فيها، مؤكداً أن الحرب في الرواية كانت مجرد خلفية للحالات الإنسانية والاجتماعية التي طرأت على المجتمع السوري ليفسّر الاضطراب الذي كان يعيشه البطل.
رواية ممتعة
وأشار الكاتب محمد الطاهر في مداخلة له وهو صاحب دار “توتول” للنشر إلى أن الرواية هي المخطوط الثاني الذي قامت الدار بنشره للكاتب بعد مجموعة قصصية حملتْ عنوان “كل الشمس في قلبي”، ورأى كروائي وليس كناشر أن عنوان الرواية التي تمّ الحديث عنها كثيراً هي الأنسب لتبرير سلوكيات الإنسان المقهور، مؤكداً أن الرواية ممتعة وقد أجاد الكاتب صياغتها والتعبير عمّا عاشه وترجمه على شكل رواية فنية تتمتع بكل معايير الرواية الصالحة للقراءة.
أمينة عباس