بعد مضي أكثر من شهرين على العام الدراسي.. بين العلمي والأدبي من يتحمل مسؤولية الاختيار؟
عمك طبيب.. خالك مهندس.. وجدك محامٍ.. وعمتك وخالتك مدرستان في الجامعة.. عبارات لطالما كانت المحور الأساس، الذي يجمع الحوار بين الأهل والأبناء، بعد لحظات الترقب والانتظار، التي يعيشها الطلبة مع صدور نتائج امتحانات شهادة التعليم الأساسي، ليختاروا ما بين الفرع العلمي أم الأدبي، في نطاق الإجابة على التساؤل، ما هي رغبتك في الاختيار الفرع العلمي أم الأدبي، وخاصة لمن سمحت لهم معدلاتهم، ليكونوا في صفوف التعليم العام، بعكس ممن لم تسعفهم، ففرض عليهم وفقاً للتعليمات الخاصة من قبل وزارة التربية التوجّه للتعليم التقاني والمهني، وحتى معدلات القبول تلك تختلف بين محافظة وأخرى، وبين المدينة والريف في كل محافظة.
حرية الاختيار
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لا ندع لهم حرية الاختيار، في التعبير عما يريدون من رغبات، وميول بين التخصّصين العلمي والأدبي؟.
برأي الاستشارية النفسية والأسرية عزة كردي من الأفضل مساعدة الأبناء، ليكونوا من أصحاب القرار والمسؤولية والإرادة الحرة في اختيار ما يناسب رغباتهم وميولهم، من منطلق أن كلّ شيء في الحياة يقدم الإنسان عليه بحب سيتقنه ويبدع فيه .
نحو العلمي
في حوارنا مع عدد من الطلبة، حول اختيارهم للعلمي والأدبي، وفي عدة مدارس خلصنا بنتيجة أن الفرع العلمي هو الأفضل والأكثر إقبالاً من الفرع الأدبي، وقلة اختاروا التعليم المهني والتقاني عن قناعة.
الطالبة ماسة الترك أكدت أنها سعيدة بعد بدء العام الدراسي واختيارها للفرع العلمي، كون الفرص المتاحة أمامه أكثر من الفرع الأدبي، مضيفة، “بطبيعتي لا أحبذ الحفظ”، ولديّ صعوبة في ذلك، ولا أستطيع الحفظ إلا إذا فهمت هذا الجانب، وهناك الكثير من القضايا في المنهاج الدراسي نضطر لحفظها بصماً، ولا أرغب في هذا الجانب مطلقاً، ولم يكن لأهلي أي تدخل في خياراتي.
تأثير واضح
وقالت زميلتها أنجل: وجدت الراحة في التعامل مع الفرع العلمي، وأطمح لأكون طبيبة في المستقبل، ولم يتدخل أهلي في اختياري، بل عمدوا إلى شرح ميزات كل فرع على حده، لكنني ما وجدته عند عدد من زملائي وزميلاتي الذين أتواصل معهم، أن هناك تأثيراً واضحاً للأهل في اختيار الفرع العلمي على حساب الفرع الأدبي، فيما أقرّ عامر أنه لا يملك القدرات التي تؤهله لاختيار الفرع العلمي أو الأدبي، لأنه لا يجيد الحفظ أولاً، كما أنه لا يحبذ المواد التي تتطلب الدقة والدراسة المتواصلة والمتابعة، ولذلك فضل التوجّه للمعاهد الصناعية، لأن موادها كما علم من أصدقائه أسهل من مواد الفرع العلمي، كما أن فرصة التفوق فيها وإتقان حرفة أو صنعة ما، ستتيح له الآفاق مستقبلاً في سوق العمل.
وحسم رواد وريان وتمام وكنان ولارا وعدد آخر من الطلبة خياراتهم في التوجه للفرع العلمي، ليكونوا مع بعضهم في الصف، وليتابعوا مسيرة الدراسة معاً، وفي المدرسة ذاتها، ما شكل الغبطة لدى أهاليهم في حسن الاختيار، فمعظم أعمامهم وأخوالهم يحملون شهادات عليا في الطب والهندسة والفروع الجامعية، وهم قدوة لهم في الاختيار، في حين حرصت أنجي على مشاركة أهلها في الاختيار من خلال خبرتهم العملية في الدارسة وتجربتهم في الحياة، فقدما لها النصح، وتشاركا معها في اختيار العلمي بدلاً من الأدبي عن قناعة تامة.
مدرسة الفنون
وأبدت جوري افتيموس رغبتها في التوجه إلى مدرسة الفنون في جرمانا، لأنها لم تحصل أولاً على العلامات التي تؤهلها لتكون في المدارس العامة من جهة، ولكونها تهوى دراسة تصميم الأزياء في المستقبل، وهو ما تخطّط له بعد ختام دراستها في الثانوية المهنية، أما سماهر فكانت واقعة قبل بدء العام الدراسي، بين خيارين العلمي أم الأدبي، فأهلها يريدون لها الفرع العلمي، في حين تفضّل الفرع الأدبي، وقد نجحت في إقناع أهلها، وأمورها الآن تسير كما تقول بشكل جيد، لأنها في المحصلة اختارت ما تراه مناسباً لها، ولا يختلف محمد عن سماهر في العمل على تحقيق رغبته، وهو ما حصل في ميله نحو التعليم المهني، كون سوق العمل اليوم يتطلب التوجه لهذا المجال، والفرص المتاحة أكبر، والتخصصات المطلوبة في السوق عديدة، سواء من خلال المدارس المهنية، أو المعاهد الخاصة بها، وكذلك الجامعات في حال كان من المتفوقين في الثانوية المهنية التي اختارها، للانتقال إلى المعهد التقاني والمهني المناسب لميوله، أو الجامعة المتخصّصة.
ناصح وموجه
المدرس المتقاعد مفيد الدعبل مدير مدرسة سابق أكد أنه لم يفرض على أي من أولاده الاختيار بين العلمي والأدبي، فمنهم من اختار العلمي ومنهم من اختار الأدبي في مسيرتهم الدراسية، وكان على الدوام الناصح والموجه للطلبة، ليقوموا باختيار ما يرونه مناسباً لميولهم، ومقدراتهم الدراسية، وتطلعاتهم المستقبلية، وما يخططون له في حياتهم، ونصح “الدعبل” بعدم التسرع في الاختيار ما بين الفرعين العلمي والأدبي، وهو ما يفرض على الأهل أن يكونوا موجهين ولا يفرضون سلطتهم الأبوية في هذا الاختيار، وأن يدركوا من خلال ابتعادهم عن الأشياء المعتادة بأن مجالات الفرع العلمي أكثر من الأدبي، بل ينبغي الاختيار على ما يتوافق مع الإمكانات المتاحة للطالب، كي لا يحبط في المستقبل، ومن المفيد استشارة المدرسين، لأن كل واحد منهم يعرف قدرات وإمكانيات الطالب، وهناك من يقترح المفاضلة بين المواد التي يحبها الطالب، والتي لا يحبها في جدول كعامل مساعدة للاختيار، بغية التوصل إلى الفرع المناسب من خلال جملة المفاضلة تلك.
بين المرغوب والممنوع
وبالعودة لرأي الاستشارية النفسية عزة كردي أكدت أن اختيارات الطلبة بين العلمي والأدبي والمهني، بعد شهادة التعليم الأساسي، تحتاج لوقفة طويلة جداً، حين تصبح من الممنوعات عند الأهل، لأن الصراعات داخل الأسرة الواحدة، تصبح كأنها نهاية العالم، عدا عن تدخل المحيط القريب والبعيد في هذا الأمر.
وعلى الأهل في هذه المرحلة الحرجة من عمر الابن المراهق، مساعدته ودعمه فقط، وليس فرض ما يحبونه، ويبتعدون عن عبارة أنه “لا يقدر مصلحته”، فيحاولون إجباره على اختيار ما لا يريده، لتكون النتائج عندها كارثية على الابن والأسرة معاً، كونه لن يستطيع الدراسة، ولن يكمل فيها، وإن درس سيدرس من دون أي عزيمة وحافز وحب.
ومنعكسات ذلك ينبغي عدم تجاهلها، وأشارت إلى أن جلساتي مع المراهقين الضائعين تنطق بالكثير من المعاناة، والضغط النفسي، وعدم الاتزان والتوتر، وبالمقابل سيؤدي ذلك لمنعكسات اجتماعية على صعيد الأسرة وعلاقاتها مع بعضها، ومدرستهم ومستقبلهم وعلاقاتهم، ويمكن تلافي ذلك كلياً من خلال ترك الخيار للطالب كما يحلو له، مع تقديم النصائح والإرشادات فقط.
يُذكر أن وزارة التربية استكمالاً لتطوير التعليم الثانوي ورفع سوية مخرجاته، كانت منذ عام 2015 عمدت إلى توجيه مديريات التربية في جميع المحافظات لبدء “التشعيب” وتوجّه الطلبة نحو الفرع العلمي أو الأدبي في مرحلة التعليم الثانوي العام من الصف الأول الثانوي، بدلاً مما كان متبعاً من الصف الثاني الثانوي.
ويمكن للطالب الناجح إلى الصف الثاني الثانوي الفرع العلمي أو الأدبي الانتقال إلى الفرع المغاير خلال مدة تنتهي بعد 15 يوماً من بدء العام الدراسي بطلب خطيّ من ولي أمر الطالب وموافقة مدير التربية.
أيمن فلحوط