التراجع
د. خلف المفتاح
مع ارتفاع وتيرة سقف الأهداف بعد معركة “طوفان الأقصى” ورفع السقوف من قبل القادة الصهاينة ولاسيما في الأسبوع الأول ومحاولة أمريكا تصوير ما حدث على أنه نسخة عن أحداث 11 أيلول 2001 بهدف التحشيد الدولي وإثارة الرأي العام العالمي ضد المقاومة وتوفير بيئة دولية وتغطية لكل ما يمكن أن تقوم به القوات الإسرائيلية في غزة من قتل ودمار واجتثاث للمقاومة وتهجير لسكان غزة وترحيلهم خارج أرضهم ومنح رخصة للصهاينة بفعل أي شيء ولغة الغطرسة التي اتسمت بها لهجة القادة الصهاينة، ومع بداية الدخول العسكري إلى أطراف مدينة غزة وحجم الخسائر التي لحقت بالقوات المهاجمة وما شهده الداخل الإسرائيلي من انتقادات واتهامات لنتنياهو وحكومته وتحميلهما مسؤولية ما حدث من ضربة وهزيمة عسكرية لحقت بالجيش الذي كان يوصف بأنه لا يقهر وبذراعه الطويلة والدي مني بهزيمة تاريخية، ومع مرور أكثر من شهر على معركة “طوفان الأقصى” بدأ يلمس المتابعون للمشهد السياسي والعسكري بداية تحول في المواقف الدولية تجاه ما يجري، وكذلك تحول في الرأي العام العالمي ولاسيما الغربي من تعاطف مع الكيان إلى المطالبة بوقف العمل العسكري والتنديد بما يرتكب من جرائم بحق الشعب الفلسطيني بما في ذلك تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرش والأهم من ذلك اللهجة الأمريكية راعية العدوان وداعمته وموفرة الغطاء له، حيث بدأنا نلمس تصريحات تدعو لهدنة إنسانية وضرورة إدخال المساعدات لسكان غزة ولاشك أن ثمة أسباباً تقف وراء ذلك يمكن تلخيصها بما يلي:
أولاً: صمود المقاومة في غزة وتمسك أهلها وسكانها بأرضهم ورفض الدول العربية مسألة التهجير
ثانياً: عدم قدرة الإعلام الغربي والمتصهين على قلب الحقائق وإسقاط الحالة “الداعشية” على ما جرى بهدف تشكيل رأي عام عالمي ودولي مساند للكيان الصهيوني بما يقوم به، بل على العكس من ذلك جاء التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة بوقف العدوان وإدخال المساعدات صادماً ومخيباً لآمال الأمريكي والإسرائيلي وحلفائهما.
ثالثاً: بعد مضي شهر من العدوان على غزة، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية مقتنعة بأن “إسرائيل” غير قادرة على تحقيق الأهداف التي أعلنت عنها بعد عملية طوفان الأقصى.
رابعاً: أن أمريكا بدأت تشعر أن “إسرائيل” تريد جرها إلى صراع لا مصلحة لها فيه وسيخلف لها عداوات مع العرب والمسلمين ويجعلهم أقرب إلى روسيا والصين، منافسيها وخصمها الأساسيين على قيادة العالم، ناهيك عن إشغالها في منطقة الشرق الأوسط التي اعتقدت أنها تركت إدارتها لتحالف عربي إسرائيلي عبر التطبيع واتفاقات أبراهام، لذلك نرى الأمريكي يكرر في تصريحاته عبارة “عدم الرغبة في توسيع جغرافية الحرب وأطرافها”، وهذا يلبي رغبة الإسرائيلي الذي يريد الاستفراد بأهل غزة ولا ينشغل بجبهات أخرى. ومع الأسف ردد العرب هذه المقولة، والصحيح ربط ذلك، أي عدم توسيع رقعة الصراع، بتوقف العدوان على غزة.
خامساً: ركزت الأجندة التي حملها بلينكن للعرب على ثلاث مسائل (عدم توسيع رقعة الحرب وحل مشكلة الرهائن والأسرى ووضع غزة السياسي والإداري بعد القضاء على حماس) ولم يتطرق إلى موضوع وقف الحرب وكان من المفترض أن لا يقبل وزراء الخارجية العرب الذين التقاهم بلينكن هذا المنطق ويعتبرونه إهانة للفلسطينيين وللعرب.
سادساً: الواضح أن الأمريكان لا يحترمون ولا يعطون أذناً صاغية لمن لا تحترمهم شعوبهم!
سابعاً: إن موقفاً عربياً حاسماً وحازماً بمواجهة أمريكا والغرب ستكون له نتائج مؤثرة على خريطة الفراغ في المنطقة، وليس ما يجري في غزة، فهل يلتقط القادة العرب لحظة تاريخية قد لا تتكرر؟ هذا ما سنكتشفه لاحقاً!!