مفهوم العمل لـ 4 أيام في الأسبوع ودوره في تحسين رفاهية الموظفين
البعث – وكالات
كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن مفهوم العمل لـ4 أيام في الأسبوع والفوائد الناتجة عن هذا الأسلوب لناحية مساهمته في تحسين رفاهية الموظفين، في وقت تشهد فيه بيئة الأعمال تحديات تفرض مواجهتها بطرق وسياسات مرنة، تحافظ على قوة المؤسّسات وازدهارها.
وفي وقت يتجه الكثير من دول العالم لدراسة إمكانية التحوّل إلى نظام العمل لأربعة أيام في الأسبوع بدلاً من خمسة أيام، تشهد الهند جدلاً ساخناً، عنوانه “عدد ساعات العمل الأسبوعية” التي يجب اعتمادها في البلاد، حيث تنقسم الآراء بين معكسريْن، الأول يطالب بإبقاء الوضع كما هو عليه قرب معدّل 47 ساعة عمل أسبوعياً، في حين يطالب المعسكر الثاني، برفع عدد ساعات العمل إلى 70 ساعة أسبوعياً.
وانطلقت شرارة هذا الجدل في نهاية شهر تشرين الأول 2023، عندما أدلى الملياردير الهندي نارايانا مورثي، مؤسس شركة Infosys للبرمجيات، بتصريحات أعلن من خلالها أن إنتاجية العمل في الهند هي واحدة من أدنى المعدلات في العالم، داعياً الشباب للعمل 70 ساعة في الأسبوع، وعدم تبنيهم لعادات غير مرغوب فيها من الغرب.
ورغم مضي أكثر من 15 يوماً على تصريحات مورثي، لا يزال الجدل دائراً في الهند، حول ما قاله ملياردير التكنولوجيا، وخاصة مع تبني عدد من رجال الأعمال الهنود لطرح مورثي، واعتبارهم أن تحقيق التوازن بين العمل والحياة، هو مفهوم “غربي للغاية”، وأنه يجب على الشباب أن يقضوا ساعات أطول في العمل لمساعدة الهند على تحقيق “العظمة الاقتصادية”.
في الطرف الآخر لجأ المعسكر الرافض لفكرة رفع عدد ساعات العمل في الهند، إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن الاستياء من تعليقات ملياردير التكنولوجيا نارايانا مورثي، واعتبر الكثير من العمال أن مورثي يريد أن يتسبّب في “موت” الموظفين، عبر الطلب منهم العمل بمعدل 12 ساعة يومياً لمدة 6 أيام في الأسبوع، وذلك لهدف وحيد وهو ملء جيوب المليارديرات بالأموال.
وفي محاولة منها لعدم تحول الأفكار التي طرحها ملياردير التكنولوجيا إلى حقيقة، أدانت الاتحادات العمالية في الهند هذه الدعوة، قائلة إن أسبوع العمل لمدة 70 ساعة “غير قانوني”، ولا ينبغي إجبار الموظفين على العمل أكثر من 48 ساعة في الأسبوع.
والجدل الدائر حالياً ليس في الهند فقط بل في الكثير من دول العالم حول الإنتاجية وارتباطها بعدد ساعات العمل، طرح تساؤلات حول مدى صحة الطرح القائل، بأن 70 ساعة عمل أسبوعية يمكن أن تجعل من أي اقتصاد اقتصاداً عظيماً، في وقت تتجه العديد من دول العالم إلى تخفيض عدد ساعات وأيام العمل.
ولا شكّ أنه عندما نتحدث عن الإنتاجية، فإننا نقصد مقدار المساهمة الفردية في الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يمكن لكل فرد أن ينتجه خلال ساعة العمل، ومن المعروف أن تحسُّن الإنتاجية، له تأثير إيجابي على مختلف جوانب الاقتصاد، إلا أن الحديث عن 70 ساعة عمل أسبوعية، أي 12 ساعة عمل يومياً لمدة 6 أيام في الأسبوع هو أمر مبالغ فيه وقاسٍ ويؤدي إلى الإصابة بالإرهاق، وهذه الخطوة صعبة التطبيق ولها تكاليف على الصحة والاقتصاد.
ويشرح أحد الخبراء مدلولات هذا التوجّه إلى أن العالم ومنذ عشرينيات القرن الماضي، وضع قواعد نظام العمل لثماني ساعات يومياً، ولا يزال هذا هو النظام القياسي عالمياً حتى يومنا هذا، لافتاً إلى أنه علمياً يمكن لرفع عدد ساعات العمل فوق هذا المستوى بقليل، أن يلعب دوراً برفع الإنتاجية، ولكن رفعه إلى 70 ساعة هو أمر غير مقبول، لأن ساعات العمل وكثافتها المفرطة، تؤديان إلى نتائج عكسية، مما يقلل جودة العمل، فقد أثبتت الدراسات أن ساعات العمل الطويلة تضرّ الإنتاجية، حيث يكون العمال عرضة لارتكاب الأخطاء، ويصبحون قلقين ومرهقين، وبالتالي فإن زيادة ساعات العمل لدرجة كبيرة تخفض الإنتاجية ولا ترفعها.
وشدّد على أن وقت الراحة هو عنصر لا غنى عنه كي تنمو السوق الاستهلاكية، لأن الأشخاص العاملين، يحتاجون وقتاً حراً كافياً للقيام بالأمور الروتينية وتحريك الدورة الاقتصادية، مشيراً أيضاً إلى أن العديد من الدول ذات الكثافة السكانية العالية، لديها تخمة في اليد العاملة وهي بحاجة لتشغيل أكبر عدد ممكن من هؤلاء، وبالتالي إذا قامت برفع عدد ساعات العمل فإن ذلك سيؤدي إلى ظهور موجة من العاطلين عن العمل، فعادة تقوم دول العالم بتقليل ساعات العمل، لخلق المزيد من فرص العمل، وهذا ما تفعله أوروبا التي تحدّد عدد ساعات العمل الأسبوعية بـ 36 ساعة، وذلك لتقوم الشركات بتوظيف شخصيْن بدلاً من شخص واحد، في حال احتاج إتمام الأعمال لـ70 ساعة عمل في الأسبوع.
بدورها تؤكد الصحف المختصة بالشأن الاقتصادي أن 70 ساعة عمل أسبوعياً لا يمكن أن تحقق العظمة للاقتصاد، فزيادة الإنتاجية لا ترتبط فقط بعدد ساعات العمل، بل هناك الكثير من العناصر الأخرى التي يجب أخذها في الاعتبار، كما أن رفع ساعات العمل بهذا الشكل المرهق ستكون سلبياته كبيرة جداً. ولفتت إلى أن بيانات منظمة العمل الدولية تظهر أن هناك معدلات عمل عالية، مثلاً الهنود يعملون حالياً بمعدل 47.7 ساعة أسبوعياً، وهو أعلى من معدل الولايات المتحدة البالغ 36.4 ساعة، والمملكة المتحدة 35.9 ساعة، وألمانيا 34.4 ساعة، والمفارقة أنه ورغم ارتفاع عدد ساعات العمل الأسبوعية في الهند مقارنة بالدول المذكورة، إلا أن البلاد دائماً ما تأتي بذيل قائمة الدول الأكثر إنتاجية في العالم، ما يؤكد أن مستوى الإنتاجية لا يرتبط فقط بعدد ساعات العمل.
ويبدو أن تغييراً كبيراً حصل في مفاهيم الإنتاجية، ففي الماضي كان النمو في الإنتاجية يعتمد بشكل أساسي على عوامل مثل استهلاك الطاقة والأدوات والتعليم، وفي الوقت الحاضر تلعب التطورات التكنولوجية والرقمنة دوراً مهماً في زيادة الإنتاجية، فزيادة مستوى الأتمتة يتيح للدول مضاعفة الإنتاج دون الحاجة إلى زيادة ساعات العمل، كما أن التقدم الأكثر أهمية في الإنتاجية سيكون بفضل التكنولوجيا، والاستثمارات في التعليم وتعزيز رأس المال البشري، عبر امتلاك الأفراد لمهارات وقدرات متطورة، ويمكنهم استغلال إمكاناتهم بشكل فعّال، وتحقيق اتصالات ذات قيمة في سبيل زيادة الإنتاجية، وهذا ما تحتاجه الدول بالفعل.