المؤتمرات الرياضية.. تقليد سنوي عابر دون نتائج أو اهتمام.. استعراض الهموم والعثرات بلا فائدة والحلول مؤجلة حتى إشعار آخر
البعث الأسبوعية- ناصر النجار
انطلقت مطلع الشهر الحالي مؤتمرات الأندية الرياضية واللجان الفنية في كل المحافظات على أن تتبعها مؤتمرات الاتحادات الرياضية واللجان التنفيذية وصولاً إلى عقد المجلس المركزي الذي بات من المنسيات.
ومن خلال المتابعة للمؤتمرات التي أقيمت فقد كانت طبق الأصل عن سابقاتها دون أي تغيير في أي بند من بنودها، فالمؤتمرون اشتكوا من ضيق ذات اليد ومن الحاجة إلى التجهيزات والمستلزمات وكذلك ضرورة إيجاد أماكن للتدريب وتطرق الجميع إلى موضوع المنشآت وحاجتها إلى الصيانة، والجميع تحدث عن أذن السفر الذي لم يعد يفي بأجرة الطريق فضلاً عن الإقامة والإطعام، كما طالب الرياضيون برفع قيمة التعويضات الشهرية التي لم تعد تلبي ضرورات الحياة.
هذا الأنين الصادر عن المؤتمرات كان عاماً، والوعود كانت تذهب نحو مقولة (الإمكانيات المتاحة) فما تستطيع الأندية تقديمه، لن تبخل به على رياضييها، ولا شك أن المؤتمرات أكدت على ضرورة إيجاد استثمارات جديدة للأندية لتستطيع متابعة عملها، أما الأندية التي لا تملك الاستثمارات فالوعود كانت خُلّبية!
هذه هي الصورة الأولى، أما الصورة الثانية فكانت بالإجابات عن الطروحات والمداخلات وقد كانت الإجابات طبق الأصل عن مؤتمرات العام الماضي، أي بصريح العبارة لم يتم تنفيذ أي توصية من توصيات المؤتمرات السابقة لنصل إلى حقيقة مفادها أن كل المؤتمرات تعقد من أجل تنفيذ الروزنامة السنوية فقط، لأن الحلول مؤجلة حتى إشعار آخر.
ورياضتنا منذ أن اتبعت (الريجيم) الرياضي توقف قطارها وباتت تقتصر على نشاط رياضي محلي مختصر، وعلى نشاط خارجي في بطولات لا تُسمن ولا تُغني من جوع وهدفها نيل بعض الميداليات لذر الرماد في العيون، أما المشاركات الرسمية فحدِّث ولا حَرَج، لأن الطفرات التي كنا نعتمد عليها لم تعد طفرة بعد أن غلبتها السنين!
وبناء عليه فلا شيء يرتجى من رياضة تعتمد على الإمكانيات المتاحة، وتعتمد على بعض الطفرات التي يجود بها عليها الزمن، وتعتمد على الهواية في استراتيجية عملها.
الرياضة في العالم كلها احتراف ورعاية وتسويق، لكن الرياضة في كل ألعابنا لم تتعرف على هذا النموذج، حتى كرتا القدم والسلة المحترفتين تغردان خارج السرب، والأسباب معروفة بين جهل إداري وضعف فني وخطة عمل غير متوازنة وبعيدة كل البُعد عن المنهجية والعلم.
والأصل فإن مقومات الرياضة باتت مفقودة مع اهتراء الملاعب والصالات ومع النقص الحاد في التجهيزات والمستلزمات الرياضية ومع الفقر المدقع التي تعاني منه رياضتنا ورياضيونا.
وحتى لا نكون بعيدين عن المنطق والواقع فإن الحصار والعقوبات انعكست على كل مفاصل الحياة والرياضة جزء لا يتجزأ منها لكن العتب دوماً على ناحيتين:
الأولى: هو غياب المحاسبة الجادة عن كل أولئك الذين يعيثون برياضتنا فساداً وباتوا معروفين ومكشوفين، والثانية: عدم إيجاد الحلول المجدية لرفع سوية العمل الرياضي.
ومن يتابع تفاصيل رياضتنا في العمق يجد أن البعض اعتبر مكانه الرياضي الذي يشغله بمنزلة مزرعته أو دكانه ويتصرف فيه خارج الأطر القانونية وهذا أمر يعم كل مفاصل العمل في الأندية والاتحادات واللجان، لذلك لا بد من ضبط هذه المسائل بشكل صحيح.
وكما نلاحظ أن عمليات التفتيش والمحاسبة باتت تطول الكثير من الجهات الرسمية التي خالفت القوانين والأنظمة، ونتمنى أن تصل هذه المحاسبة الجادة إلى رياضتنا لأنها ستجد لها عملاً واسعاً.
فكل ما نريده أن تكون رياضتنا بخير ولن تصبح كذلك قبل أن يتم محاسبة المفسدين وإبعادهم عن كل الأجواء الرياضية لأننا نريد رياضة نظيفة وجادة ترفع علم الوطن عالياً في كل المحافل الخارجية.
المؤتمرات لهذا العام كما سابقه مضغوطة أي إنها تقام مسلوقة ولن تحقق الهدف الذي من أجله أقرت رغم أنها تعتبر من المواد الأساسية في النظام الداخلي للاتحاد الرياضي العام نظراً لحيويتها وأهميتها في وضع النقاط على الحروف لأنها مكاشفة حقيقية لما تم انجازه والقيام به في موسم سابق، ولأنها بالوقت ذاته تضع خططاً استراتيجية وروزنامة نشاط داخلي وخارجي لموسم قادم.
وحول الضغط في الوقت قال أحد المقربين من المعنيين عن رياضتنا: إذا كانت الفترة السابقة لم تعالج المشكلات والعثرات التي طرحت في المؤتمرات السابقة، ولم تنفذ أغلب الاتحادات الرياضية روزنامة نشاطها في الموسم الماضي، فأي شيء سيتم مناقشته وتداوله، لذلك كانت فكرة ضغطها لتمر مرور الكرام ولتكون بمنزلة رفع العتب.
من جهة أخرى من الصعب أن يقف المسؤولون الرياضيون بمواجهة الرياضيين لأنهم عاجزون عن حل أي مشكلة فضلاً عن عدم قدرتهم على الإجابة على أي سؤال يخص تقصيرهم بحق الرياضيين، فالحلول غائبة والقدرة على مواجهة المعضلات الرياضية وطلبات الرياضيين معدومة.
وعلى سبيل المثال فإن طلبات الرياضيين في المؤتمرات السابقة كانت ملخصة في تأمين تجهيزات رياضية، فما زال أبطال المصارعة يبحثون عن بساط، وأبطال الملاكمة عن قفازات وأبطال الكاراتيه عن لباس اللعبة وأبطال الريشة عن المضرب والريش، أما بقية الرياضيون المختصون بألعاب الكرات المختلفة فمازالوا ينتظرون الكرة والحذاء.
وإذا فُتح ملف المنشآت فالمشكلة أكبر لعدم توافر الكثير من الملاعب والصالات الصالحة لإقامة التمارين والمباريات والبطولات، والإجابة عنها ستكون عبر تقاذف المسؤوليات مع الوعود بحل هذه المعضلة والوعد سيكون نسخة مكررة عن الوعود السابقة لأن شيئاً على هذا الصعيد لم يتغير منذ سنوات ولن يتغير في القريب العاجل.
هذه من أبسط الطلبات التي استنهض بها الرياضيون همم قيادتهم الرياضية على مختلف المستويات والصفات والمراكز في المؤتمرات السنوية التي عقدت وهذه الطلبات صدرت عن كل المؤتمرات سواء في اللجان الفنية أو الأندية وهي حق مكتسب لكل رياضي عضو في الأسرة الرياضية وليس لأحد منية أو فضل على الرياضة عندما يقوم بواجبه ويقدم كل ما تحتاجه الرياضة من المستلزمات الرياضة وتجهيزاتها للاعبين والكوادر والفرق والمنتخبات.
خارج موضوع التجهيزات وهي مشكلة لا نراها إلا في رياضتنا لأنها لا تعتبر مشكلة عند غيرنا لأنها من الضروريات ودونها لا تقوم للرياضة أي مقام، خارج هذا الأمر فإن الشأن المالي ما زال عسيراً، فالتعويضات الشهرية وأذن السفر وما شابه ذلك ما زال مكانك راوح، ورغم ارتفاع الأسعار إلا أن الأمور المالية في الرياضة تسير نحو الوراء ولا تلبي الحاجات والمتطلبات وهذا ماساهم بشكل مباشر بتقليص النشاط الرياضي إلى أدنى الدرجات بل إن الكثير من الألعاب الرياضية اختفت هذا الموسم ولم نسمع لها نشاطاً يمكن أن يؤخذ بالحسبان، والأسوأ من ذلك أن رياضتنا بدأت تتحول إلى رياضة مهرجانات بعيداً عن أي تنافس رياضي حقيقي لأن هذه المهرجانات تفتقد إلى آلية المنافسة وشروطها وأركانها.
وإذا حاولنا استعراض الألعاب الرياضية وما قامت به من نشاط في كل الموسم الذي انقضى لوجدنا أن العديد من الألعاب الرياضية أغلقت أبوابها كألعاب البلياردو والسنوكر، وهذه اللعبة نجدها مزدهرة في كل مكان من حولنا، في المقاهي والمولات وحتى الأندية عبر المستثمرين إلا عند اتحاد اللعبة فهي غير موجودة لأنه أماتها، ويعتمد في نشاطه على عدد قليل جداً من اللاعبين الذين باتوا محفوظين عن ظهر قلب منهم لاعبين أو ثلاثة مختصين بالبطولات الخارجية إن شارك بها وإن توافرت أسباب المشاركة من معسكرات وتجهيزات وأموال، مع العلم أن كل هذه الأمور العسيرة تحضر دون منغصات عند مشاركة المسؤولين في الرياضة والاتحادات الرياضية لحضور المؤتمرات والبطولات والندوات والاجتماعات الخارجية، لذلك فإننا نجد رؤساء الاتحادات جاهزون لكل هذه المشاركات ويتم تأمين كل نفقات السفر ومصروف الجيب وبدل الاغتراب أيضاً وتذكرة سفر سياحية، فالتواجد في هذه المحافل الخارجية ضروري جداً أما التواجد كرياضة أو نشاط تنافسي فهو غير مهم على الإطلاق.
ومن الألعاب التي لم نعد نسمع بها الرماية والقوس والسهم والريشة الطائرة، لنسأل أيضاً: ما أخبار بقية الألعاب؟
بالمحصلة العامة رياضتنا تسير نحو الهاوية وبات يخشى من توقف مسيرتها لأسباب لم تعد خافية على أحد، ومع غياب العديد من الألعاب وتلاشيها وتقليص النشاطات الرياضية وبطولاتها نسأل: كيف ستتطور الرياضة، وهل يمكن بهكذا إجراءات أن تحافظ على مكانتها الخارجية؟
الأندية في رياضتنا باتت مجرد أرقام وأعداد، لكن من يدخل في العمق لا يجد الأثر الايجابي للكثير من هذه الأندية، وربما نضرب المثل برياضة ريف دمشق التي اختفت تماماً ونسأل عن أسباب غيابها ونسأل أيضاً عن الألعاب الممارسة في سبعين نادياً أو أكثر وعن نشاطات هذه الأندية؟ ومثلها أندية طرطوس التي لا نسمع عنها خبراً، والحبل على الجرار ليشمل بقية المحافظات أيضاً.
ولو اتجهنا إلى كرة القدم الممولة ذاتياً ومن المساعدات الدولية، نجد أنها متهالكة، والكثير من أنديتها الكبيرة في الموسم الذي انقضى انسحبت من دوري الفئات، وبدأت عدوى الانسحاب هذا الموسم تسري في العديد من البطولات وغيرها الكثير من أندية الدرجة الثانية التي تلعب في الظل على مستوى المحافظات، وعذر هذه الأندية أنها لا تملك القدرة على الإنفاق على أربعة فرق (رجال وشباب وناشئين وأشبال) وفي كرة السلة الوضع متشابه، وهاتين اللعبتين قائمتين على عدد محدود جداً من الأندية.
في الكرة الطائرة الأندية التي تمارس اللعبة عددها قليل جداً ونشاطها أقل وهو عبارة عن بطولة لأيام قليلة وكفى، وكرة اليد التي تعاني من مشاكل لا تنتهي ليست بأفضل حال، وكل محاولات الإنقاذ التي يقوم بها أبناء اللعبة تبوء بالفشل.
ورغم أن البطولات في ألعاب القوة قليلة وتبعاً للظروف إلا هذه البطولات غارقة في الشبهات لكثرة الاعتراضات وللشكوى من هنا وهناك وكأنها ساحة لتصفية الحسابات بين أبناء اللعبة الواحدة، والمشاركة القليلة ببطولات المصارعة توصف الحالة الراهنة للرياضة فالرياضيون لم تعد لديهم القدرة على الإنفاق والتنقل والسفر بغياب الدعم المالي والفني واللوجستي، وهذا ما شاهدناه في الكثير من البطولات التي أقيمت بعدد قليل من المشاركين الذين لم يمثلوا إلا نصف المحافظات أو أقل.
أمام هذا الواقع الضبابي الذي تعيش به الرياضة فإن الأمل أن تطرح المؤتمرات الرياضية الحلول المجدية للنهوض من جديد وأن تعمل المقترحات على تصويب العمل الرياضي والتعايش مع الواقع برؤية جديدة تضمن إنفاقاً أقل ونشاطاً أكثر وأفضل.