مجلة البعث الأسبوعية

المذبحة الأشد بربرية وتوحشاً في تاريخ الإعلام.. أكثر من صحفي يستشهد يومياً في الحرب الإسرائيلية على غزة

“البعث الأسبوعية” ــ لينا عدرا

ارتفعت حصيلة الشهداء والجرحى نتيجة العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ السابع من تشرين الأول الماضي على قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، إلى ما يقارب الـ 12 ألف شهيد، وأكثر من 30 ألف جريح، فيما استشهد ما لا يقل عن 47 صحفيا، بينهم ثلاث نساء، في “أخطر استهداف ضد الصحفيين”، كما استشهد صحفي لبناني بنيران القصف الإسرائيلية، على حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة. ويعد ثلاثة من الصحفيين في عداد المفقودين.

وإضافة إلى استهداف الصحفيين، دمر القصف الإسرائيلي أكثر من 50 مقرا إعلاميا في قطاع غزة.

وهناك قرابة 1000 صحفي في القطاع يعملون في ظل ظروف صعبة جدا، حيث يتعرضون لمخاطر تهدد حياتهم خلال عملهم، فضلا عن أخبار فقدان عائلاتهم وأحبائهم وهم على الهواء مباشرة، ويفقدون التواصل مع مصادرهم بسبب انقطاع الاتصالات والمواصلات، فيما يؤكد جيش الاحتلال بأنه لا يمكنه ضمان سلامة أي من هؤلاء الصحفيين، في نوع من التهديد المبطن بأنهم عرضة للقتل في أي وقت.

 

العدوان الأكثر دموية

ووفقا للجنة الدولية لحماية الصحفيين، فإن الحرب الإسرائيلية على غزة هي الصراع الأكثر دموية للعاملين في مجال الإعلام منذ أن بدأت المنظمة في وضع الإحصائيات في عام 1992.

وأوضحت اللجنة أن هذه الحرب سجلت أكثر من حالة قتل واحدة في اليوم، أي أنها سجلت أعلى معدلات للقتل في تاريخ الصراعات بما يخص الاعتداءات الصحفيين. ومن المرجح أن يكون هناك المزيد من الشهداء مع استمرار العدوان الإسرائيلي.  

ومعظم الضحايا هم من الصحفيين الفلسطينيين والعاملين في مجال الإعلام الذين استشهدوا في الهجمات الإسرائيلية على غزة، لكن من بينهم مصور فيديو مقيم في بيروت استشهد في جنوب لبنان، في قصف إسرائيلي أدى أيضاً إلى إصابة ستة صحفيين آخرين كانوا يستقلون مركبات ويرتدون دروعا واقية تحمل علامات واضحة.

 

.. مع أطفالهم وعائلاتهم

ومن بين الشهداء صحافيون فلسطينيون مستقلون يعملون في خدمات إخبارية دولية، وآخرون يعملون في وسائل إعلام محلية مهمة لفهم ما يحدث على المستوى المحلي. وقد استشهد العديد منهم في غارات جوية على منازلهم، وبعضهم إلى جانب أطفالهم وعائلاتهم.

في 10 تشرين الأول، لجأ المصور الصحفي إلى الاحتماء في مبنى على بعد مسافة كافية من المبنى الشاهق الذي كان معرضا لخطر الاستهداف، في غزة، مع صحفيين آخرين. لكن المبنى الذي بحثوا عنه كمساحة آمنة محتملة تعرض لضربة إسرائيلية، ما أسفر عن مقتل صبح وزميله، هشام النواجحة.

كما أدت غارة في اليوم نفسه بحياة الصحفي الفلسطيني، سعيد الطويل، بعد أن ظهر في مقطع فيديو على فيسبوك يتحدث عن إخلاء السكان للمنطقة في ذلك اليوم.

ووثق هشام النواجحة، وكان يكتب أيضا لصحيفة الخبر، ما رآه تحت القصف، وبعد وقت قصير من الغارة على المبنى الشاهق، نشرت زوجة النواجحة على فيسبوك، أنه أصيب. وكتبت: “صلوا من أجله”، ووصفته فيما بعد بأنه “حبيبي وشريك حياتي”، ثم أعلنت وكالة أنباء الخبر استشهاده.

– عُرف إبراهيم لافي على إنستغرام بتوثيقه لصور الطيور والخيول وحفلات الزفاف وغروب الشمس. وتظهر إحدى الصور اكتمال القمر فوق الماء. وفي صورة أخرى، يظهر قوس قزح في أنحاء مدينة غزة.

وكان لافي، البالغ من العمر 21 عاما، يعمل لدى شركة عين ميديا، وهي شركة مقرها غزة، واستخدم المنصة لالتقاط صورة للمصاعب في غزة، مثل المباني التي تحولت إلى أنقاض، والناس الذين يبكون موتاهم.

ونشرت صديقته، الصحفية الفلسطينية، يارا عيد، تحية له على وسائل التواصل الاجتماعي واصفة إياه بأنه “الصديق الأكثر دعما الذي حظيت به على الإطلاق، والذي شجعها على المثابرة خلال الأوقات الصعبة”. وأضافت: “لقد قُتل وهو يرتدي سترته الصحفية وهو يفعل أكثر ما يحبه في الحياة”.

وقد استشهد لافي في السابع من تشرين الأول، عندما توجه وزملاؤه إلى نقطة قرب معبر إيريز الحدودي بين غزة وإسرائيل.

واستشهد الصحفي رشدي يحيى السراج عندما ضربت غارة إسرائيلية منزله.

وأدت غارة جوية إسرائيلية على منزل سلام ميما في مخيم جباليا للاجئين إلى استشهادها هي وأفراد من عائلتها، وسلام البالغة من العمر، 32 عاماً، كانت صحفية مستقلة وعضوة في لجنة الصحفيات في غزة.

وبعد حوالي ثلاثة أيام، في 13 تشرين الأول ، تم انتشال جثة ميما مع ابنها هادي البالغ من العمر 7 سنوات. واستشهد زوج ميما وصهرها أيضا. وتم إنقاذ ابنها علي البالغ من العمر 5 سنوات من تحت الحطام، لكن ابنتها شام البالغة من العمر 3 سنوات لا تزال مفقودة.

وكان آخر حالات قتل أفراد الأسرة مأساة مراسل الجزيرة وائل دحدوح، الذي استشهدت عائلته بأكملها بما في ذلك زوجته وابنته وابنه في غارة جوية إسرائيلية على غزة.

وفقد عشرات الصحفيين أفرادا من عائلاتهم بفعل المجازر التي ترتكبها الطائرات الحربية الإسرائيلية.

 

التهديد والرقابة

ولا تقتصر الاعتداءات الإسرائيلية على الصحفيين العاملين في قطاع غزة، بل تطال كل من لا يلبي شروطها في التغطية الإعلامية خارج القطاع. ففي 12 تشرين الأول، اعتدت الشرطة الإسرائيلية على مجموعة من صحفيي بي بي سي في تل أبيب واحتجزتهم تحت تهديد السلاح. وقالت بي بي سي إن الصحفيين مهند توتونجي وهيثم أبو دياب وفريقهما العربي في بي بي سي كانوا يقودون سيارة تحمل علامة “تلفزيون” بوضوح، وقد قدم كل من توتونجي وأبوديب بطاقتيهما الصحفية.

وفي 16 تشرين الأول، اختبأ الصحفي وكاتب العمود الإسرائيلي إسرائيل فراي بعد أن هاجم حشد من الإسرائيليين اليمينيين منزله في اليوم السابق. ويبدو أن الغوغاء كانوا غاضبين من عمود كتبه يعبر فيه عن تعاطفه مع الفلسطينيين في غزة.

في 5 تشرين الثاني، اعتقلت الشرطة الإسرائيلية الصحفية الفلسطينية المستقلة سمية جوابرة (30 عاما) في نابلس شمال الضفة الغربية. وتم استدعاؤها مع زوجها الصحفي طارق السركجي للتحقيق. وتم إطلاق سراح زوجها في وقت لاحق، لكن جوابرة، الحامل في شهرها السابع، لا تزال رهن الاحتجاز.

 

حرب دعائية

كلما زاد عدد الصحفيين الذين يفقون حياتهم أو يتعرضون للترهيب، كلما زادت المساحة المتاحة لدعاة الدعاية للعمل دون عوائق.

وفي عالمنا المتصل رقمياً، تنتشر التشوهات والمعلومات المضللة والأكاذيب الصريحة بشكل أسرع من الصواريخ الباليستية. والسرد عبر الإنترنت لا يقل أهمية عن القتال على الأرض، حيث يعمل المعتدي على تصوير نفسه على أنه الضحية، ويسخر الأرقام والروايات لدعم حججه وكسب الدعم؛ وهو ما ينطوي على عواقب حقيقية.

وهذه القضية بالغة الأهمية لدرجة أن الأمم المتحدة وضعت خطة عمل خاصة بشأن سلامة الصحفيين. وقد مضى على هذه الخطة عقد من الزمان، ومن الواضح أنها لا تعمل كما ينبغي. لقد أدت الحرب في غزة إلى ارتفاع معدلات مقتل الصحفيين إلى مستويات شبه قياسية، في حين أن حوالي ثماني من كل عشر جرائم قتل صحفيين على مستوى العالم لا تزال دون حل.

ويحذر الاتحاد الدولي للصحفيين من أنه “إذا كانت لدى إسرائيل سياسة لاستهداف الصحفيين، فإن ذلك سيشكل جريمة حرب”. وفي هذه الحالة، قد تكون الإستراتيجية الأفضل هي أن يقوم الصحفيون بما يجيدونه – جمع الأدلة وكشف الانتهاكات. وهو أمل ضعيف نظراً لحجم الإجرام الإسرائيلي، ولكن ما لم يتم وضع حد لمذبحة المراسلين والعاملين في مجال الإعلام، فسوف يصبح العالم أكثر جهلاً.

 

خطوة جريئة ومحفوفة بالمخاطر

وفي خطوة “جريئة ومحفوفة بالمخاطر”، على اعتبار أن بعض المؤسسات الإعلامية أقدمت على طرد صحفييها بسبب تبنيهم مواقف “متحيزة”، وقع أكثر من 750 صحفيا وصحفية ينتمون لعشرات المؤسسات الإعلامية في الولايات المتحدة منها “رويترز” و”لوس أنجلوس تايمز”، و”بوسطن غلوب”، و”واشنطن بوست” – على رسالة مفتوحة، قبل أيام، تدين استهداف الاحتلال الإسرائيلي للصحفيين في قطاع غزة المحاصر، وتدعو وسائل الإعلام الغربية إلى التزام النزاهة في تغطية للفظائع التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين.

وتكشف الرسالة الانقسامات الحاصلة بين الصحفيين بشأن ما يحدث في غزة، وتحمل “غرف الأخبار” مسؤولية “الخطاب اللاإنساني الذي يروج لتبرير التطهير العرقي للفلسطينيين”.

ودعت الرسالة الصحفيين إلى “استخدام كلمات مثل الفصل العنصري والتطهير العرقي والإبادة الجماعية”، لوصف معاملة إسرائيل للفلسطينيين.

وأكد الصحفيون على أن الحصار الذي تمارسه إسرائيل على الإعلام في غزة، والقصف المستمر يهدد جمع الأخبار بشكل غير مسبوق.

وأضافوا في رسالتهم: “كصحفيين، ومحررين، ومصورين، ومنتجين، وعمال آخرين في غرف الأخبار حول العالم، نحن منزعجون من قتل واستهداف زملائنا وعائلاتهم على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي”.

ودعوا إلى إنهاء العنف ضد الصحفيين في غزة، كما طالبوا مديري غرف الأخبار الغربية أن يكونوا واضحين في تغطيتهم للفظائع المتكررة التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين.

وأشارت العريضة إلى تحقيقات نشرتها منظمة “مراسلون بلا حدود” أظهرت استهدافا متعمدا للصحفيين خلال ضربتين إسرائيليتين في 13 تشرين الأول جنوبي لبنان، الذي أدى إلى استشهاد مصور “رويترز” عصام عبد الله وإصابة ستة صحفيين آخرين، كما قتلت الغارات في 25 تشرين الأول عائلة مدير مكتب قناة الجزيرة في غزة الصحفي وائل الدحدوح، الذي كان وقتها في تغطية مستمرة على الهواء مباشرة.

وفي 5 تشرين الثاني، أدت غارة جوية أخرى على منزل الصحفي محمد أبو حصير من وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا)، أدت إلى استشهاده، و42 من أفراد أسرته.

وأشارت الرسالة إلى أن إسرائيل منعت دخول الصحافة الأجنبية، وفرضت قيوداً شديدة على الاتصالات وقصفت المكاتب الصحفية، حيث تعرض قرابة 50 مقرا إعلاميا في غزة للقصف خلال الشهر الماضي، فيما أبلغت قوات الاحتلال الإسرائيلية مديري غرف الأخبار بشكل صريح أنها “لا تستطيع ضمان” سلامة موظفيها من الغارات الجوية، حيث يوضح هذ التصرف أن “إسرائيل تمارس قمعاً واسع النطاق ضد حرية التعبير والإعلام”.

وأكد الصحفيون في الرسالة أنهم ينضمون للنقابات الصحفية العربية والعالمية في مطالبتهم إسرائيل بالتزام صريح بإنهاء العنف ضد الصحفيين وغيرهم من المدنيين، كما يجب على غرف الأخبار الغربية أن تتخذ خطوات فورية للمطالبة بحماية صحفييها في غزة، كونها تستفيد بشكل كبير من عملهم في القطاع المحاصر.

 

وسائل إعلام دولية ترد

وفي بيانات منفصلة، نفت كل من صحيفة “نيويورك تايمز” ومحطة “سي إن إن” الأميركيتين، إضافة إلى وكالات أنباء “أسوشيتد برس” و”رويترز” و”فرانس برس”، بشدة الاتهامات الموجهة إلى مصورين صحفيين في قطاع غزة، بأنهم كانوا على دراية مسبقة بعملية “طوفان الأقصى”.

وجاء هذا النفي رداً على تقرير مثير للجدل نشره موقع “أونست ريبورتنغ”، المؤيد لإسرائيل، واعتبر فيه أن التغطية الإعلامية ليست في صالح إسرائيل، وأن “السرعة التي تجاوب عبرها بعض المصورين الصحفيين الفلسطينيين مع هجوم حماس المباغت، والوصول الذي أتيح لهم، يثيران أسئلة أخلاقية”، على حد تعبيره.

وقالت وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية: “لم يكن لدينا أي علم مسبق بهجمات السابع من تشرين الأول”. واعتبرت “نيويورك تايمز” أن الاتهامات في حق أحد المصورين الصحفيين المتعاونين معها “غير صحيحة ومشينة”، واتهمت الموقع بأنه “يقوم بتهور بتعريض حياة صحفيينا على الأرض في إسرائيل وغزة للخطر”. كذلك، نفت “رويترز” بشكل قاطع أن يكون أي من صحفييها على علم مسبق بهجمات حماس، أو أن يكون أي منهم قد رافق مقاتلي الحركة خلال الهجوم.

وبينما أعلنت “سي إن إن” تعليق تعاونها مع المصور المستقل الذي ذكره التقرير، أكدت: “لم نجد حتى الآن أي سبب يدفع للتشكيك بالدقة الصحفية للعمل الذي قام به لحسابنا”.

كما أكدت وكالة “فرانس برس” أن مراسليها في غزة أفاقوا على صوت إطلاق الصواريخ والقذائف وتوجهوا إلى السياح الحدودي مع إسرائيل، وأنهم التقطوا الصور الأولى بعد أكثر من ساعة على بدء الهجوم.

وقال مدير الأخبار في الوكالة فيل شتويند، إنه “مع وصول الصور الأولى، كان من الواضح أن حدثا خبريا كبيرا كان قد بدأ. قمنا بتغطيته كما كنا لنغطي أي حدث خبري كبير”. وشدد على أن صحفيي الوكالة “كانوا ببساطة يتابعون الأخبار العاجلة أثناء حصولها على الأرض”، مؤكدا أن “أي تلميح لتواطؤ بين صحفيينا في غزة وهجوم السابع من تشرين الأول مشين وتشهيري، ونحتفظ بحق اتخاذ أي إجراء بما فيه القانوني، نتيجة لذلك”.

وكان داني دانون السفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة، النائب البارز عن حزب الليكود بزعامة نتنياهو، كتب على منصة “إكس” إن جهاز الأمن الداخلي الاسرائيلي أعلن أنه سيقضي على كل المشاركين بما أسماه “مجزرة السابع من تشرين الأول”، و”المصورين الصحفيين الذين شاركوا في تسجيل الهجوم ستتم إضافتهم إلى القائمة”.