مجلة البعث الأسبوعية

وعي متجدد ينشأ في أنحاء العالم لتحقيق العدالة التاريخية للشعب الفلسطيني

البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة

تسبب تواطؤ الزعماء والمؤسسات الغربية في الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وقبل  ذلك بالحرب التي يخوضها حلف شمال الأطلسي بالوكالة في أوكرانيا في زيادة تشويه سمعتهم، حيث لم يتم الكشف عن التواطؤ الغربي في جرائم الحرب فحسب، بل أظهر للعالم أيضاً المعايير المزدوجة الصادمة والنفاق الذي يمارسه القادة الغربيون.

ففي جميع أنحاء العالم، تتصاعد الاحتجاجات العامة الضخمة ضد المجازر المروعة التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة والضفة الغربية، حيث تشهد مدن أوروبا وأمريكا الشمالية، بما في ذلك واشنطن ولندن وبرلين وباريس، نزول ملايين المتظاهرين إلى الشوارع تنديداً ليس فقط بجرائم الاحتلال “الإسرائيلي”، ولكن أيضاً – وهو أمر لا يقل أهمية – بالفساد الذي تمارسه حكوماتهم من خلال تسهيل الدمار والإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني.

ينعكس هذا الغضب إزاء جرائم الاحتلال  من خلال الاضطرابات الشعبية التي يتم التعبير عنها من قبل الموظفين العاديين والدبلوماسيين وغيرهم من العاملين داخل الحكومات والبرلمانات، فقد منعت احتجاجات عمال الموانئ من شحن الأسلحة الغربية إلى “إسرائيل”، كما أدان الصحفيون في المؤسسات الإعلامية الغربية تحيز مؤسساتهم، مؤكدين أن التغطية الإخبارية المخترقة والتي تتنافى مع الحقائق تساعد وتحرض على الإبادة الجماعية.

وما يزيد من تفاقم الغضب الشعبي هو رد الفعل الرجعي من جانب المؤسسات الغربية التي تزعم أن الاحتجاجات غير شرعية، حيث حاولت الإدارات الغربية حظر المسيرات استناداً إلى ادعاءاتها الكاذبة بأن المتظاهرين متعاطفون مع الإرهابيين ومعادون للسامية. ومع ذلك، فإن حملات التشهير بالملايين من المواطنين العاديين الذين احتشدوا لإدانة الإبادة الجماعية لا تؤدي إلا إلى زيادة الازدراء تجاه الحكومات ووسائل الإعلام الغربية.

جدير بالذكر، أن القتل الجماعي الهمجي والأعمال الوحشية التي تُركب بحق المدنيين خاصة النساء والأطفال في غزة  مازال مستمراً منذ أكثر من أربعة أسابيع دون توقف، كما تفيد التقارير باستشهاد أو إصابة ما يزيد على 000 40 مدني فلسطيني، حيث يتعرض سكان القطاع البالغ  عددهم 2.3 مليون نسمة لعقوبات جماعية وحشية في الأراضي المحاصرة.

رفضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ومجموعة السبع الدعوة إلى وقف إطلاق  النار لوضع حد للمجازر التي تُرتكب يومياً، وبدلاً من ذلك، حثت هذا الدول على “هدنة إنسانية”، مؤخراً، جراء ضغط من القادة الغربيين تخوفاً من اندلاع مظاهرات بين مواطنيها.

في المقابل، يطالب العالم بأسره، بما في ذلك روسيا والصين والأغلبية العظمى من أعضاء الأمم المتحدة، بوقف فوري للقتل الجماعي والمجازر التي تُرتكب بحق الأبرياء، وليس “فترات توقف” لا معنى لها ولا طائل منها سوى إعادة التسلح وبدء موجة من القتل والدمار، فقد نشأ وعي متجدد وقوي في جميع أنحاء العالم لتحقيق العدالة التاريخية للشعب الفلسطيني الذي عانى عقوداً من الاحتلال والعدوان الغاشم من النظام الصهيوني بتمكين من الحكومات الغربية.

فالأسلحة الأميركية التي يدفع ثمنها دافعو الضرائب في أمريكا، وبشكل غير مباشر بقية العالم بسبب مضاربات الدولار، تُستخدم لارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق المدنيين في غزة، ومع ذلك، تعتزم إدارة الولايات المتحدة زيادة الإمدادات لترسانتها العسكرية وآلات القتل بمبلغ  يصل إلى 14 مليار دولار من المساعدات الإضافية. ويؤكد البيت الأبيض والبنتاغون في ظل إدارة بايدن، أنه لا توجد خطوط حمراء تقيد الطريقة التي تستخدم  بها “إسرائيل” القوة النارية الأمريكية، وقد كان ذلك واضحاً من خلال إسقاط حوالي 25 ألف طن من المتفجرات على غزة، وهو ما يعادل قوة القنبلتين الذريتين اللتان أسقطتهما الولايات المتحدة على هيروشيما في شهر آب 1945.

حشدت القوى الغربية في المنطقة أسطولاً هائلاً من السفن الحربية الأمريكية وغيرها من السفن الحربية التابعة لحلف شمال الأطلسي، بما في ذلك حاملات الطائرات التي تعمل بالطاقة النووية، ونظراً للموقف الرسمي الذي تتخذه إدارة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بدعم “إسرائيل” -بموجب ادعاء زائف- بشأن “حقها في الدفاع عن النفس”، بات واضحاً أن هذه القوى تدعم الإبادة الجماعية بشكل كامل، وأصبحت هذه السياسة واضحة بشكل صارخ أمام المواطنين الغربيين والعالم بأسره.

لم يعد نفاق وازدواجية الزعماء الغربيين وحكوماتهم ووسائل إعلامهم خافياً على أحد، فقد تمت إدانتهم باعتبارهم مجرمي حرب، وقبل بضعة أشهر فقط، كان نفس هؤلاء المشعوذين الغربيين يدينون روسيا زاعمين ارتكابها جرائم حرب في أوكرانيا.

وعلى الرغم من أنه تم التحريض على العملية العسكرية الروسية من خلال قيام الناتو بتسليح ودعم النظام النازي في كييف، إلا أن بايدن، وفون دير لاين، وشولتز، وماكرون، وسوناك، وغيرهم من الزعماء الغربيين، كانوا يلقون مواعظ وخطب حول “الجرائم” الروسية المزعومة ضد أوكرانيا.

الآن بعد أن هزمت روسيا نظام كييف المدعوم من حلف شمال الأطلسي، لم يعد هناك أي ذكر للحرب في وسائل الإعلام الغربية أو من قبل الحكومات الغربية،

ومع ذلك فإن الأمر المثير للاستغراب، هو غياب أي قلق حقيقي بين الزعماء الغربيين بشأن جرائم الحرب الفعلية على نطاق واسع في فلسطين، ففي الوقت الذي يتحدث فيه بايدن وشركاؤه الغربيون عن “الحداد على موت الأبرياء” يقومون بتسليح ودعم إرهاب سلطات الاحتلال الإسرائيلية.

إن الوحشية التي تحدث في غزة والضفة الغربية مروعة، إلا أن الأمر الأكثر إثارة للاشمئزاز هو الدور الواضح والصريح للدول الغربية في تمكين الإبادة الجماعية.

في الواقع، إن ما تكشفه هذه الجرائم  ما هو إلا الطبيعة الشيطانية المطلقة لإدارات الدول الغربية، فجرائم نظام الفصل العنصري هي مظهر من مظاهر الإمبريالية الغربية، والوجه الحقيقي والفاسد للقوة الغربية. فلعقود من الزمان، ظلت الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون يتظاهرون بأنهم نماذج مثالية للديمقراطية ، في حين أنها كانت تستغل وتنتهك دول العالم.

الآن أصبحت كل أشكال الخداع والفساد مكشوفة بالكامل أمام العالم، فهذه الأنظمة الإجرامية التي تم التعتيم على تاريخها من الاستعمار والإمبريالية المثيرة للحرب في كثير من الأحيان من خلال سيطرتها المهيمنة على وسائل الإعلام، فقد أصبح الآن من الواضح تماماً أن ما يرمز إليه “الغرب الجماعي” هو الموت والدمار.

يتساءل مراقبون خاصة في ظل الثورة التاريخية التي تعم البلاد، إلى أي مدى وإلى أين سيصل الغضب والازدراء الشعبي الضخم، وماذا سيأتي بعد ذلك؟ وهل يمكن تعبئته بشكل بنّاء للإطاحة بديكتاتوريات القلة الرأسمالية التي هيمنت على الدول الغربية تحت ستار الديمقراطية؟

لقد أصبح واضحاً أن ما يحدث في غزة قد ألحق الضرر في أنظمة النخبة الغربية بشكل لا يمكن إصلاحه وإعادة تأهيله، فصلابة الشعب الفلسطيني خلق صندوق باندورا، إن الفساد الغربي – الفساد العميق والمنهجي والتاريخي – قد خرج الآن ولا يمكن إعادته مرة أخرى من قبل النخبة من الحكام الذين يحاولون التستر.

لقد بات من المؤكد، أنه لا يمكن إخفاء جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها القوى الغربية أو حتى تبريرها هذه المرة.

ورغم كل ذلك يرى المحللون أنه يمكن أن يكون هناك أمل في نهاية المطاف في عالم أفضل وأكثر عدالة، ولكن أولا وقبل كل شيء، لا بد من رحيل النظام القديم الذي يهيمن عليه الغرب.