دراساتصحيفة البعث

وقف إطلاق النار ليس بياناً دبلوماسياً

عائدة أسعد

لقد أدّت الهجمات على مستشفى الشفاء، ومستشفى ناصر الرنتيسي للأطفال، ومستشفى القدس، وغيرها من المرافق الطبية الكبرى في مدينة غزة وشمال غزة، وفي المناطق المجاورة لها إلى مقتل الكثيرين، بمن فيهم الأطفال، خلال الأيام القليلة الماضية وأرعبت العالم أجمع.

وتفيد التقارير أن الأطفال الخدج وحديثي الولادة الذين يحتاجون إلى أجهزة دعم الحياة يموتون بسبب انقطاع الكهرباء والأكسجين والمياه في مستشفى الشفاء، كما يتعرّض أطفال آخرون للخطر، حيث أكد تقرير للأمم المتحدة أن العاملين في عدد من المستشفيات أبلغوا عن نقص الوقود والمياه والإمدادات الطبية الأساسية، مما يعرّض حياة جميع المرضى لخطر داهم.

ومع الأعمال العدائية المكثفة التي تمنع الوصول الآمن للعاملين في المجال الصحي والجرحى والمرضى الآخرين إلى المستشفيات الكبرى في شمال غزة، كان ينبغي للنداءات المشتركة التي أطلقها المديرون الإقليميون لصندوق الأمم المتحدة للسكان واليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية للعالم لتقديم المزيد أن تلقى الاهتمام بالأزمة الإنسانية المتفاقمة في شمال غزة وليس الآذان الصماء.

ومع مقتل نحو 100 طفل فلسطيني كل يوم في المنطقة، كان لابدّ لبعض الدول الغربية، التي تعلن نفسها بطلة لحقوق الإنسان وتجتاحها احتجاجات واسعة النطاق ضد تواطؤ حكوماتها في إطالة أمد الأعمال العدائية، ألا تضيع المزيد من الوقت وأن تساعد في التوسط لوقف إطلاق النار في أقرب وقت ممكن.

وحتى الآن، فإن أكثر من نصف المستشفيات في قطاع غزة مغلقة، وأما أولئك الذين ما زالوا يعملون فيتعرضون لضغوط هائلة ولا يمكنهم سوى تقديم خدمات طوارئ محدودة للغاية وجراحات منقذة للحياة، وخدمات العناية المركزة، بالإضافة إلى أن نقص المياه والغذاء والوقود يهدّد أيضاً حياة آلاف النازحين، بما في ذلك النساء والأطفال الذين لجؤوا إلى المستشفيات والمناطق المحيطة بها.

ومهما كانت ذريعة الجانب الإسرائيلي، فيجب عليه أن يعلم أن الهجمات على المرافق الطبية والمدنيين غير مقبولة، وتشكل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي، وقانون حقوق الإنسان، والاتفاقيات الدولية، ولا يمكن التغاضي عن هذه التحركات تحت أي ظرف من الظروف، ولا ينبغي أبداً إنكار الحق في طلب المساعدة الطبية وخاصة في أوقات الأزمات.

هناك حاجة الآن إلى الوصول الآمن والمستدام دون عوائق لتوفير الوقود والإمدادات الطبية والمياه لهذه الخدمات المنقذة للحياة، ولا ينبغي لأولئك الذين يدعمون الأعمال العسكرية الإسرائيلية أن يقفوا صامتين بل عليهم أن يضعوا جانباً جميع الاعتبارات الجيوسياسية ومعاييرهم المزدوجة، لأن العمل الحاسم والمنسق أمر ضروري لتأمين وقف فوري لإطلاق النار للحفاظ على ما تبقى من نظام الرعاية الصحية في غزة.

إن وقف إطلاق النار ليس بأي حال من الأحوال بياناً دبلوماسياً، وإنما هو الأمل الوحيد لشعب غزة في البقاء، وهو اختبار لضمير العالم.