دراساتصحيفة البعث

صحوة عالمية تعيشها شعوب الغرب الأوروبي- الأمريكي

ريا خوري

نتيجة للحرب الوحشية الدموية التي تشنّها قوات الاحتلال الصهيوني بحق الشعب العربي الفلسطيني من المدنيين العزّل، ونتيجةً لرفضه الانصياع للشرعية الدولية، ونتيجةً للدعم غير المحدود من الدول الغربية، هبّت شعوب العالم الحر رافضةً ما يجري من إبادة جماعية وتطهير عرقي قسري للشعب الفلسطيني من أرضه وأرض آبائه وأجداده. فقد شهد العالم العديد من التظاهرات خلال الأسابيع الماضية في الغرب الأوروبي- الأمريكي تدعو لوقف الحرب الدامية الوحشية على قطاع غزة وسكانه الآمنين، تلك الشعوب كانت قد أكَّدت على رفضها دعم أنظمتها وحكوماتها للكيان الصهيوني الذي يمارس أبشع المجازر، معبّرةً أنها أكثر وعياً من تلك الحكومات، وأكثر تفهّماً لحقيقة الحكم في الكيان الصهيوني، ولما يجري من تدمير ممنهج للمدن والقرى والبلدات والمخيمات والمدارس والمستشفيات، وهي جرائم حرب موصوفة بحق الإنسانية، وعمليات إبادة جماعية، وتهجير قسري بأخطر أساليب التطهير العرقي لم يحصل مثيل لها في العصر الحديث والمعاصر.

أضخم تلك التظاهرات وأكبرها تلك التي جرت في عواصم الدول الغربية التي أعلن قادتها دعمهم للكيان الصهيوني، وقاموا بزيارة الكيان، وأعربوا عن رفضهم المطلق لوقف إطلاق النار حتى لو كانت “هدن زمنية” محدّدة أو وقف إطلاق النار لدواعٍ إنسانية. فقد انطلقت التظاهرات العارمة من برلين ودوسلدورف وكولن ودريسدن وغيرها من المدن الألمانية، ومن لندن ومدن وبلدات بريطانية عدّة، إلى باريس حيث خرجت الشعب الفرنسي بتظاهرة ضخمة جداً بدعوة من نواب من حزب فرنسا الأبية -يسار متطرف- وتجمعات سياسية ونقابية. وكذلك خرجت تظاهرات أخرى باسم “مسيرات ضد الحرب” في باريس ومدن أخرى في فرنسا، تنظمها منظمات يسارية. ومن العاصمة البلجيكية بروكسل ومن العاصمة الهولندية أمستردام وجاكرتا وأثينا ومدريد وسيدني وبلغراد وغيرها، وصولاً إلى واشنطن ونيويورك، والكابيتول هول، ومنزل الرئيس الأمريكي جو بايدن في مدينة ويلمنغتون، حيث رفع المتظاهرون الأعلام الفلسطينية، وشعارات تدعو إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، وفك الحصار عن قطاع غزة.

كلّ تلك المظاهرات تدلّ على أنَّ هناك انفصالاً وهوّة واسعة بين أنظمة الدول الداعمة للكيان الصهيوني وشعوبها، وأنَّ هناك شريحة واسعة من شعوب العالم الحر تقف إلى جانب الشعب العربي الفلسطيني في مقاومته المشروعة للاحتلال الصهيوني على عكس حكوماتها.

الحرب على قطاع غزة، والتدمير الوحشي الممنهج الذي لحق بها، وسقوط آلاف الضحايا نتيجة لذلك، أوجد صحوةً عالميةً، تؤكِّد أنَّ العالم بشكلٍ عام بدأ يعي حقيقة الممارسات الصهيونية الوحشية ضد الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال والحصار.

إن ادعاءات الكيان الصهيوني الكاذبة بالدفاع عن النفس، كانت مسوغاً بات مكشوفاً ومفضوحاً للتغطية على عمليات الإبادة الجماعية التي ترتكب يومياً ضد شعب يمارس حقه المشروع في الدفاع عن أرضه ومقاومة الاحتلال، وفقاً للقرار رقم (2649) الذي صدر عن هيئة الأمم المتحدة عام 1970 الذي يؤكد (شرعية نضال الشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية والأجنبية، والمعترف بحقها في تقرير المصير، لكي تستعيد ذلك الحق بأي وسيلة في متناولها). كما تؤكد ذلك اتفاقيتا لاهاي عام 1899 واتفاقية عام 1907، واتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بمعاملة أسرى الحرب وهي إحدى المعاهدات الأربع لاتفاقيات جنيف الصادرة لأوّل مرة عام 1929، والتي تمّت مراجعتها عام 1949.

عندما تقف شعوب العالم الغربي بالذات ضد سياسات حكوماتها وزعمائها، إنما تعبّر عن رفضها للحرب العدوانية الشرسة على الشعب الفلسطيني الأعزل، وتأييدها له في استعادة حقوقه المشروعة، ورفضها لممارسات الكيان الصهيوني العنصرية.

من حق العالم أن يغضب بهذه الحدّة، ويستنكر ويهتف بأعلى صوته لفلسطين وشعبها أمام هول ما يجري على أرض قطاع غزة، ومن حقِّه أن يندِّد بالعدوان الصهيوني الغاشم الذي خرج عن كل القواعد والضوابط الإنسانية، وتحوَّل إلى انتقام وحشي ضد البشر والشجر والحجر.

ولم تكن تظاهرة العاصمة البريطانية لندن يوم السبت 11 تشرين الثاني الجاري مثل سابقاتها منذ بداية حرب  قطاع غزة، إنما وجه الاختلاف والمفارقة الأهم حين فوجئت حكومة رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بخروج مئات الآلاف إلى وسط المدينة مطالبين بالوقف الفوري لإطلاق النار، في الوقت الذي يعلن هو وديفيد كاميرون وزير خارجيته يومياً معارضتهم وقف قصف قطاع غزة وقتل المدنيين الأبرياء.

في البداية، اتهمت سويلا بريفرمان وزيرة الداخلية البريطانية، قائد شرطة العاصمة البريطانية مارك راولي بأنه يسمح بمسيرة “معادية للسامية”، لكن قائد الشرطة تمسّك بموقفه الإداري، وحقه القانوني، ما دامت المسيرات سلمية ولا تخالف القوانين المعمول بها في المملكة المتحدة.

ثم صعّدت الوزيرة بريفرمان لهجتها بأن تلك المسيرات داعمة لجماعة مصنّفة بالقانون البريطاني إرهابية، لكن أغلب المشاركين في المسيرة الحاشدة لا يرفعون سوى علم فلسطين وليس غيره!.

وقبل المسيرة الأخيرة، استغلت وزيرة الداخلية تزامنها مع يوم احتفال نهاية الحرب العالمية الأولى لتضغط على الشرطة كي تمنعها، لكن لأن المسيرة المعلن خط سيرها لا يقترب من مكان الاحتفال الرسمي بنهاية الحرب العالمية، فقد رفض قائد الشرطة مارك راولي إلغاء المسيرة، فما كان من الوزيرة سويلا بريفرمان إلا أن كتبت مقالاً في الصحف البريطانية انتقدت فيه بشدة الشرطة البريطانية بزعم أنها تسمح بمسيرات الكراهية.

لقد جاء مقال وزيرة الداخلية المنتقد للشرطة، الذي تنصَّلت الحكومة البريطانية منه، بمثابة تجاوز منها لمدونة سلوك الوزراء والمسؤولين الحكوميين الرسميين، لكن الأهم أنه شجع جماعات العنصريين، واليمين الشعبوي المتطرف والنازيين الجدد العنصريين الذين يتبنون العنف ضد رجال الشرطة على الخروج في يوم المسيرة بهدف الاصطدام بالشرطة والوصول إلى مسيرة فلسطين وتخريبها وتفريق المتظاهرين.

هذه الوزيرة وأمثالها، من البريطانيين من أصول أخرى، يسعون باستمرار لأن يكونوا (ملكيين أكثر من الملك)، وقد كانت وزيرة الداخلية السابقة بريتي باتيل، وهي من أصول هندية، أكثر عنصريةً وتشدّداً منها، حتى أنها فُصِلَت من الحكومة البريطانية في ظل رئاسة تيريزا ماي لقبولها رشوة من الصهاينة في الكيان الصهيوني.

أما الوزيرة سويلا بريفرمان، فقد أقيلت هي الأخرى من الحكومة البريطانية لأنها انتهكت مدونة السلوك أكثر من مرة، وهي من أصول إفريقية (أصلها من كينيا وموريشيوس) مثل وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي (أصله من سيراليون) وهما من البريطانيين الذين انضموا لحزب المحافظين من باب المزايدة الفاقعة وانتهاز الفرص.